سيد قطب ابن دار العلوم كان شاعرا موهوبا وروائيا ناضجا وقاصا محترفا, وقبل ذلك وبعده, ناقدا كبيرا, بشر بنجيب محفوظ كاتبا قصصيا فائقا ينال جائزة نوبل, وقد كان! سيد قطب ترك تراثا ضخما في الشعر والقصص والنقد الأدبي تنظيرا وتطبيقا, وكان أسبق أهل زمانه حين اهتدي إلي ما سمي النقد التكاملي, بالمفهوم الذي وصل إليه النقد حينئذ, وقبل أن يهل علينا من وراء المحيط النقد التكاملي بمفهوم زماننا من خلال المناهج الحديثة التي تعتمد البنية والتفكيك والتاريخانية والثقافية والنسوية وغير ذلك. فهل هذا أديب فاشل ؟ لقد تحول الرجل إلي الفكر الإسلامي المباشر يوم صدمته الحضارة الغربية لدي زيارته إلي أميركا, وفجعته مواقف من يتحدثون عن الحرية والكرامة الإنسانية وحق تقرير المصير حين وجدهم, يتآمرون علي الإنسان المسلم ويخططون لتدميره ونهب ما يملكه من ثروات وتراث وكرامة ويجندون العملاء من بني جلدتنا ليواصلوا المهمة, فعاد من بلد تمثال الحرية ليعمل علي أرض الواقع, ويضيء الأمل في نفوس الشعب المظلوم, وتصور أنه يمكن أن يتحالف مع من يزعمون أنهم يعملون لصالح الوطن, وعندما وجدوه جادا ومخلصا غدروا به وبمن تبعه, وكانت جريمة1965 م التي ستظل تطاردهم أشباحها إلي يوم الدين! قبل أن يلقي وجه ربه معلقا علي مشنقة الطغاة, قدم للأمة أروع عمل أدبي في العصر الحديث وهو تفسيره في ظلال القرآن, الذي يعد بمقاييس النقد والبلاغة والبيان من أروع النصوص الأدبية بغض النظر عن طبيعة التفسير وقضاياه, وهي بكل المقاييس عميقة ومعاصرة وناضجة حتي لو اختلف الناس مع بعضها. لقد صوره البعض من خلال كتاباتهم أو هجائياتهم الرخيصة- شيخا ساذجا لا علاقة له بالأدب ولا عالمه, وحاول الذين صادروا كتبه, ولا حقوها في كتب الطلاب والمكتبات عام1965 وما بعده, حتي أفرج عنها السادات في أوائل السبعينيات, بعد أن كانت تهرب من بيروت, أو تذاع عبر أثير إذاعات عربية, أن يطمسوا تاريخه الأدبي قبل تاريخه الفكري, وشاءت إرادة الله أن يقيض له نفرا يشتغلون علي تراثه بالدرس والتحليل والتحقيق, ومنهم الباحث علي عبد الرحمن عطية, الذي عكف قرابة خمسة عشر عاما علي تحقيق تراثه الأدبي, وبدأ بأعماله الشعرية الكاملة, فرجع إلي مصادرها الأصلية وبعث من جديد ديوانه الشاطئ المجهول الذي طبع عام1935 م طبعة يتيمة جعلته مجهولا للأجيال الجديدة, ثم رجع الباحث إلي المجلات والصحف الدورية التي صدرت قبل وبعد صدور الديوان الأول, ليجمع منها القصائد المتفرقة التي لم يجمعها الشهيد في ديوان, منذ عام1924 حتي عام1956 وظهرت علي صفحات الحياة الجديدة والبلاغ الأسبوعية والوادي وأبوللو والأهرام والأسبوع ودار العلوم والمقتطف والرسالة والثقافة والكتاب وغيرها. لقد كتب محرر مجلة دار العلوم في إبريل1935 العدد الرابع ص77- يقدم قصيدته الخطيئة, فأثني علي سيد قطب بما يجعلني اكتفي بكلامه في سياق التعريف بشاعريته وقيمته. وجاء في هذا التقديم: ( ليس الشاعر سيد قطب في حاجة إلي من يقدمه إلي القراء عامة أو إلي قراء صحيفة دار العلوم خاصة, فسيد قطب اسم ملأ سمع العربية وبصرها, وهو يمتاز بعقيدة راسخة يقف إلي جانبها, وقلم مطاوع لا يستعصي ولكنه لا يطيع إلا عقيدته. ولشعره وكتابته طابع خاص هو طابع التحليل النفسي. تقرا ذلك في كتابه مهمة الشاعر في الحياة وفي ديوانه الذي ظهر حديثا الشاطئ المجهول والقطعة الآتية باكورة الجزء الثاني من ديوانه الذي نرجو ألا يكتمل العام إلا وهو مطبوع بين أيدي القراء). المحرر. نحن الآن أحوج ما نكون لمطالعة تراث سيد قطب ليعرف الأصدقاء قبل الخصوم أن الحركة الأدبية الحديثة قامت علي أساس الثقافة الإسلامية, وأن معظم أعلامها خرج من الأزهر الشريف ودار العلوم, وأنها قدمت الرواد في شتي فروع الثقافة والمعرفة بل إن مرحلة النضج والازدهار للثقافة الحديثة في بلادنا العربية قادتها مجلة الرسالة التي أسسها أحمد حسن الزيات الأزهري صاحب الثقافة الإسلامية, واستمرت عشرين عاما تقريبا حتي انتصف القرن العشرين. نحن بحاجة ليعرف الناس أن سيد قطب لم يكن هذا المتطرف المتشدد كما صورته أجهزة الدعاية القمعية الإجرامية التي سخرها الطغاة لينالوا من الإسلام والعاملين عليه ويسلبوا الشعب حريته وكرامته, ولكنه كان أديبا رائعا, وجد الوطن يستبيحه المستبدون, فلم يؤثر السلامة, وآثر أن يكون شهيدا يلقي ربه وقدم نفسه فداء للدين والوطن, وقدوة لمن يحبون دينهم ووطنهم. نحن في حاجة إلي دراسة أشعار سيد قطب, وإنتاجه القصصي والنقدي, لتتعرف عليه الأجيال الجديدة, وتطالع من خلال كلماته أديبا حقيقيا يعبر عن الأدب الإسلامي بالمفهوم الناضج المتطور شكرا لعلي عبد الرحمن الذي جمع تراث سيد قطب الأدبي, وحافظ عليه.