الأحرار الاشتراكيين ل صدى البلد: الحركة المدنية تتخذ اتجاها معاكسا لمفهوم استقرار الدولة    معركة موازية على «السوشيال ميديا» بعد القصف الذي تعرضت له مدينة رفح    الأوقاف: افتتاح 21 مسجدًا الجمعة المقبلة    مصر للطيران: 50% تخفيض علي الرحلات الدولية وفرصة للفوز ب1000 ميل إضافى    عضو الغرف السياحية يكشف تفاصيل انطلاق رحلات الحج موعدها والجهات المنظمة    بعد غد.. انطلاق مؤتمر "إعلام القاهرة" حول التغيرات المناخية    شبكة القطار السريع.. كيف تغطي جميع أنحاء الجمهورية؟    الجيش الإسرائيلي يؤكد قصفه شرق رفح بعد موافقة "كابينيت الحرب" بالإجماع على استمرار العملية العسكرية    المقاومة في العراق تستهدف بالطيران المسيّر قاعدة "يوهنتن" الإسرائيلية    مدينة برازيلية تغرق تحت مياه الفيضان    الهلال يعود بريمونتادا ويخطف فوزًا مثيرًا من أهلي جدة في الدوري السعودي    محمد معروف يدير مباراة الاتحاد السكندري والأهلي    تعرف على أسباب خروج «ديانج» من حسابات «كولر»    مصرع تلميذين بالغربية أثناء استحمامهما في ترعة ببسيون    بعد إصابته بالسرطان.. هاني شاكر يوجه رسالة دعم ل محمد عبده    اهم عادات أبناء الإسماعيلية في شم النسيم حرق "اللمبي" وقضاء اليوم في الحدائق    ليلى علوي تحتفل بشم النسيم مع إبنها خالد | صورة    محمد عدوية: أشكر الشركة المتحدة لرعايتها حفلات «ليالي مصر» ودعمها للفن    أدعية استقبال شهر ذي القعدة.. رددها عند رؤية الهلال    لذيذة وطعمها هايل.. تورتة الفانيليا    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    تفاصيل التجهيز للدورة الثانية لمهرجان الغردقة.. وعرض فيلمين لأول مرة ل "عمر الشريف"    التيار الإصلاحى الحر: اقتحام الاحتلال ل"رفح الفلسطينية" جريمة حرب    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    تناولها بعد الفسيخ والرنج، أفضل مشروبات عشبية لراحة معدتك    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    مائدة إفطار البابا تواضروس    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    برلماني يحذر من اجتياح جيش الاحتلال لرفح: تهديد بجريمة إبادة جماعية جديدة    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    طارق السيد: لا أتوقع انتقال فتوح وزيزو للأهلي    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المال والمناخ والإنفلونزا
مثلث الخوف في‏2009‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 01 - 2010

لم تتمكن الأحداث السياسية من أن تتقدم صفوف الأحداث‏,‏ لترسم ملامح عام‏2009‏ في مختلف أنحاء العالم‏.‏ فالأزمات السياسية في العالم لاتزال تراوح مكانها‏,‏ تتراجع حينا وتشتد أحيانا أخري ولكنها‏,‏ في كل الأحوال‏,‏ استعصت علي الحل‏.‏ وأسلمت نفسها لعام جديد ربما يمضي دون أن تختفي تلك الأزمات من أجندة السياسة العالمية‏ . فلقد أفسحت الأزمات السياسية في العام المنصرم المجال واسعا أمام ثلاثة قضايا رئيسية‏,‏ ترسم وحدها أبرز ملامح العام الذي ينهي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين‏,‏ وهي‏:‏ الأزمة المالية‏,‏ وأخطار انتشار وباء إنفلونزا الخنازير‏,‏ والمخاوف العالمية من خطر الاحتباس الحراري‏..‏ ويجمع بين هذه الأزمات العالمية الكبري الثلاث والأزمات السياسية أن أيا منها لم يصل بعد إلي حل‏,‏ ولكنها تختلف عنها بعالميتها وقدرتها علي التأثير في كل مجتمع علي وجه الأرض‏.‏
مثلث الرعب الذي خيم علي العالم خلال عام‏2009‏ يكشف عن واقع جديد‏,‏ يتطلب آليات عمل جديدة‏,‏ فلقد أصبحت المسافات قصيرة إلي حد بعيد بين الدول والمجتمعات‏,‏ ويبين ذلك أن مشكلات العالم لا تقف عند حدود دولة أو إقليم بعينه‏.‏ فالمشكلات القادمة عالمية تمس الجميع دون استثناء‏,‏ ولابد من تطوير آليات عمل دولية قادرة علي مواجهة الأزمات الكونية‏,‏ إذ لم تعد نافعة آليات التعامل مع العالم باعتباره أقاليم منفصلة‏.‏ فالأزمة الاقتصادية وتغيرات المناخ وإنفلونزا الخنازير لم تعترف بحدود ولاجنسيات ولا أديان ولا أعراق‏,‏ وجاءت هذه الأزمات لتثبت أن هؤلاء الذين يسكنون الأرض باختلافاتهم وخلافاتهم يمكن أن يصبحوا جميعا ضحية أزمة واحدة‏.‏
علي المستوي الاقتصادي كان عام‏2009‏ هو الأسوأ عالميا منذ نحو قرن كامل من الزمن‏.‏ حيث أطاحت الأزمة بكبريات المؤسسات والشركات‏,‏ وأخضعت عصر الانتصار الرأسمالي الكبير للفحص والتدقيق والمراجعة‏,‏ ولم يستطع أحد‏,‏ حتي الآن أن يحصي الخسائر التي جاءت بها الأزمة المالية عام‏2009.‏ كل ما لدينا مجرد تقديرات متباينة‏,‏ ولكنها جميعا تشير إلي عشرات التريليونات من الدولارات‏,‏ كما تشير بعض التقارير إلي أن أكبر خمسمائة شركة في العالم‏,‏ التي وصفت يوما بأنها أكبر من أن تسقط‏,‏ قد هبطت قيمتها السوقية‏,‏ من نحو‏27‏ تريليون دولار عام‏2008‏ إلي‏16‏ تريليون دولار عام‏2009.‏
وكان عام‏2009‏ هو الأسوأ في تاريخ منظمة التجارة العالمية منذ نشأتها‏,‏ حيث تراجع حجم التجارة العالمية‏,‏ التي خسرت نحو‏11%‏ من قيمتها البالغة ستة عشر تريليون دولار‏.‏ وعجزت المنظمة العالمية عن وقف ممارسات الحماية التي أقدم عليها الكثير من دول العالم‏.‏ ولم تفلح جولة الدوحة‏,‏ بعد ثماني سنوات من المفاوضات في أن تخرج بشيء له قيمة‏.‏ وبرغم محاولات معظم دول العالم حفز اقتصاداتها علي النمو‏,‏ فإن نحو‏20‏ تريليون دولار من التدخلات الحكومية لم تستطع مواجهة الأزمة‏,‏ وإن كانت قد خففت من تداعياتها الأسوأ‏.‏ فقد حدث نمو متواضع في كثير من اقتصادات العالم‏,‏ إلا أنه حسب تعبير الكثيرين من الخبراء لايزال نموا هشا‏,‏ وهو تعبير يحمل تحذيرا للحكومات بعدم التوقف عن برامج التحفيز الاقتصادي‏.‏
‏.............................................................‏
ويأتي عام‏2010‏ حاملا تداعيات أزمة العام المنصرم‏,‏ فتحقيق معدلات أعلي من النمو في اقتصادات الدول الكبري بات محل شك بعد ارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لتصل إلي نحو‏12%,‏ وهو ما يعني تراجع القوة الشرائية في أسواق تلك الدول‏,‏ وانكماش حركة التجارة العالمية‏,‏ مع استمرار الضغوط فيما يتعلق بالتمويل وضخ المزيد من الاستثمارات الجديدة‏.‏
علي مستوي الاقتصاد المصري‏,‏ فإن تأثيرات الأزمة المالية العالمية لاتزال تلقي بظلالها علي ما يمكن أن يحققه من نمو‏,‏ صحيح أن الاقتصاد المصري استطاع أن يتجاوز كثيرا من التداعيات التي جاءت بها الأزمة المالية‏,‏ إلا أن العودة لمعدلات النمو السابقة ليست ميسورة‏,‏ وهناك توقعات بأن يصل معدل نمو الاقتصاد المصري إلي‏5%‏ وهو معدل مقبول جدا في ظل الأزمة‏,‏ فقد استطعنا جذب نحو ثمانية مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام المالي الماضي‏,‏ ليصل صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر خلال السنوات الخمس الماضية إلي نحو‏42.4‏ مليار دولار‏,‏ وتواجه مصر في عامها الجديد مسئولية الترويج للاستثمارات‏,‏ بما يحقق تنويعا في مصادر تلك الاستثمارات خاصة في الدول الأقل تأثرا بالأزمة المالية العالمية‏.‏ وقد عبر عن ذلك الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار حين أشار إلي جهود مكثفة لجذب استثمارات من دول جنوب شرق آسيا‏,‏ ودعم العلاقات الاستثمارية‏,‏ مع دول الخليج العربية‏,‏ وفتح المزيد من فرص التعاون الاستثماري مع الدول الإفريقية خاصة دول حوض النيل‏.‏
غير أن تجاوز الأزمة العالمية يتطلب أيضا ما يتطلبه النمو في غير أوقات الأزمات‏,‏ وهو زيادة إنتاجية العامل المصري كما ونوعا‏..‏ ويتطلب الوصول إلي هذا الهدف الاعتراف بحجم مشكلة العنصر البشري في مسيرة النمو والتنمية‏.‏ فقد عشنا زمنا نستخدم فيه كل أفعال التفضيل الأفضل والأروع والأذكي والأكثر مهارة حتي قدر لنا أن نعيش المنافسة الحقيقية مع غيرنا‏,‏ إذ مازالت مهارات البشر هي العنصر الحاكم في المنافسات الاقتصادية العالمية‏,‏ وبدون رفع مهارات العنصر البشري لدينا فإن نصيبنا من المنافسة العالمية يتراجع‏,‏ ولست بهذا أقلل من مهارات أعلم أنها قائمة هنا وهناك في بعض القطاعات‏,‏ ولكن القضية التي تواجهنا هي أن تصبح قيم العمل وإتقانه سائدة لدي الجميع‏,‏ فلن يفيدنا كثيرا فتح المزيد من الأسواق أمام منتجاتنا‏,‏ وهي تعاني مشكلات ناتجة عن مستوي الجودة وضعف قدراتها التنافسية‏.‏
وعلي مسار قريب من مخاوف الأزمة المالية العالمية اتخذ فيروس إنفلونزا الخنازير مساره أيضا في إثارة الخوف إلي حد الرعب‏.‏ وظهرت هنا وهناك تقديرات حول حجم انتشار المرض والعدد المتوقع من ضحاياه‏,‏ وأعادت الإنفلونزا الجديدة في القرن الحادي والعشرين شبح الرعب الذي ساد العالم في موجات الأوبئة التي ضربت كل الدول في القرن الماضي والقرون السابقة‏..‏ عاش العالم خلال عام‏2009‏ شهورا يحصي عدد المصابين وعدد الضحايا‏.‏
وتصدر عدد المصابين بالمرض أو الوفيات الناتجة عنه نشرات الأخبار وصفحات الصحف في مناطق واسعة من العالم‏..‏ وربما كان حجم الخوف أكبر من تأثير المرض‏,‏ حيث لم يبلغ عدد ضحاياه في العالم خلال العام المنصرم‏,‏ نسبة ضئيلة من أعداد ضحايا الطرق في العالم‏,‏ ولكنه في النهاية مرض يثير الخوف من تجدد زمن الأوبئة‏.‏ ومع تراجع أعداد الضحايا عن التقديرات التي نشرت في مراحل إنتشاره الأولي كثرت الشائعات حول تكتلات شركات الأدوية من اجل إثارة الخوف وتحقيق الأرباح من اللقاحات والعلاجات‏.‏
وكان مرض إنفلونزا الخنازير ولايزال اختبارا للحضارة الإنسانية المعاصرة‏..‏ اختبارا لما حصله الإنسان من علوم الطب والصيدلة‏,‏ ولمؤسساته الصحية والإعلامية التي طورها عبر السنين‏,‏ واختبارا لقدرة الإنسان المعاصر علي تبني السلوكيات اللازمة للتعامل مع أمراض العصر‏.‏
ولايزال عام‏2010‏ يحمل مخاوف من مرض إنفلونزا الخنازير وتطوراته‏,‏ ولكنها بكل تأكيد تعد أقل وطاة من المخاوف‏,‏ التي كانت سائدة في بداية العام المنصرم‏,‏ فلقد تعلمنا أن الأمراض لاتختفي تماما‏,‏ ولكنها تكمن ثم تظهر‏,‏ ولكن خبرات الإنسان بالأمراض تتراكم وتتعاظم قدرته علي المواجهة‏,‏ ولن يكون مرض إنفلونزا الخنازير هو آخر الأمراض المستحدثة التي ترمي بها الطبيعة الإنسان‏,‏ جزاء عدوانه المستمر علي البيئة التي يعيش فيها وسوء معاملته لها‏.‏
ولقد أصابنا في مصر ما أصاب غيرنا من الخوف والقلق‏,‏ والحقيقة أن التدابير التي تم اتخاذها اتسمت بالسرعة والحسم‏,‏ برغم عشرات الانتقادات التي وجهت إلي الحكومة‏,‏ وكأن أصحابها سوف يختفون فيما لو انتشر المرض بيننا‏.‏ أما الآن وقد تمكنا من محاصرة المرض عند الحدود الآمنة‏,‏ فإن البعض منا يحلو له أن يعيد تقييم تلك التدابير بمنطق مغلوط‏.‏
لقد خرجنا حتي الآن من أزمة المرض بنجاح يحسب لأولئك الذين أخذوا صحة المصريين مأخذ الجد وعدم التهاون‏,‏ ولم تعد الإصابة بالمرض اليوم تخيف أحدا‏,‏ ولم يصبح عدد المصابين به يثير القلق‏,‏ فانتظم الملايين من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات في تعليمهم برغم أن البعض شكك كثيرا في قرارات وزيري التربية والتعليم‏,‏ والتعليم العالي ببدء الدراسة في مواعيدها المقررة‏.‏ واستندت تلك القرارات إلي رؤية علمية وقراءة متأنية للواقع بالتنسيق مع وزارة الصحة‏,‏ ولم تتأثر بالمخاوف التي استبدت بالكثيرين‏,‏ والعجيب أن تجد اليوم بعض من ينتقدون الإجراءات المصرية للوقاية ومحاصرة المرض باتهامات التشدد‏,‏ في الوقت الذي كانوا فيه ينتقدون الإجراءات نفسها باعتبار أنها ليست كافية‏.‏
والحقيقة أن وزارة الصحة المصرية ووزيرها الدكتور حاتم الجبلي تستحق منا في بداية عام جديد الكثير من الامتنان علي ما بذلته من جهد‏,‏ حتي أصبحت إنفلونزا الخنازير في الوعي المصري العام مرضا من أمراض الشتاء الموسمية‏.‏
لم تكن إنفلونزا الخنازير بعيدة عن جحود الإنسان ونكرانه للبيئة التي يعيش فيها‏.‏ فسلالات الأمراض تنتمي‏,‏ في الجديد منها‏,‏ للتغيرات المدمرة التي أصابت المحيط الحيوي للإنسان‏.‏ فالعدوان علي الغابات ومزاحمة الكائنات الأخري في موائلها الطبيعية أثار قوي الطبيعة فهاجمت الإنسان‏..‏ سلالات الأمراض الأخيرة مثل الإيدز والإيبولا وسارس وغيرها جاءت من الحيوانات التي باتت بسلوك الإنسان مهددة بالانقراض‏.‏
وخلال عام‏2009‏ أصبحت قضية الاحتباس الحراري قضية محسومة بعد الكثير من المراوغات وباتت نتائجها ماثلة للجميع في مستقبل قريب إذا استمر الإنسان في مسلكه البيئي العبثي‏.‏
وكشفت تلك الأزمة الكونية عن أنانية مفرطة ومصالح ضيقة وجشع بالغ بين المسببين الأساسيين لظاهرة الاحتباس الحراري‏.‏ وفي كوبنهاجن عقدت أهم قمم العالم للنظر في هذا التهديد الكوني لمستقبل الإنسان علي الأرض‏,‏ وعقدت كثير من الآمال علي هذه القمة التي لم تصل نتائجها إلي مستوي التوقعات‏,‏ ولكنها تمثل تحولا مهما في تعامل العالم مع تلك الظاهرة المخيفة‏,‏ التي سوف تلحق أضرارا شديدة بنحو‏84‏ دولة في المستقبل القريب‏,‏ وتمتد أضرارها إلي أعداد أخري من الدول في المستقبل البعيد‏,‏ وأحيطت قمة كوبنهاجن باهتمام عالمي كبير وهو مؤشر لمستوي الوعي بالأزمة‏,‏ فالاحتباس الحراري يهدد دولا بالغرق‏,‏ وأخري بالتصحر ويضرب اقتصادات ويهدد الجميع بالمزيد من الأمراض‏.‏
لقد شهد عام‏2009‏ من وسائل الإعلام في العالم اهتماما غير مسبوق بارتفاع درجة حرارة الأرض‏,‏ وأصبح عدد المعنيين بالأمر أكثر من أي وقت مضي‏.‏ وربما تحمل الأعوام المقبلة المزيد من العمل العالمي المشترك لمواجهة ظاهرة تنذر الجميع بالخطر‏,‏ ونحن في مصر يجب أن نهتم بهذه الظاهرة باعتبارنا من الدول الساحلية والمنخفضة‏,‏ وشواطئنا علي البحرين المتوسط والأحمر‏..‏ والانخفاض الحراري يؤثر فينا في المديين المتوسط والطويل‏.‏
وهناك تهديدات ماثلة بتآكل الشواطئ وتصل إلي حد تهديد الدلتا‏,‏ كما أننا نستقبل نهر النيل من منابعه الإفريقية ومصادرنا من المياه مهددة بالجفاف في حالة التغيرات المناخية وزيادة حرارة الكرة الأرضية‏,‏ وهو مايعني مزيدا من التصحر‏..‏ من هنا فإننا نحتاج إلي ثورة حقيقية في أسلوب إدارة مواردنا المائية عالية القيمة في دولة كثيفة النمو السكاني‏,‏ والذي يتم بلا عقل أو رؤية في كثير من الأمور بما يهددنا بمخاطر جمة‏.‏
‏.............................................................‏
إن اختيار القضايا والأزمات العالمية له معني‏,‏ فالتحديات التي تواجه الإنسان المعاصر تغيرت تماما‏,‏ بالرغم من التطور الحضاري والنمو الاقتصادي والتكنولوجي القوي والمؤثر‏,‏ ويجب أن يحدث تحول ملموس في الرؤية العالمية‏,‏ لمواجهة التحديات الجديدة ويكون هناك تغيير ثقافي جوهري لمواجهتها‏.‏
ولأن الإنسان المعاصر في أزمة مركبة ومعقدة‏,‏ ولأن مجتمعاتنا العربية تعيش نفس الأزمات بل وأكثر‏,‏ لتخلفها العلمي التكنولوجي والثقافي والتنظيمي الطويل فإنها لم تستطع أن تلاحق عصرنا الراهن‏.‏
ومجتمعنا المصري في حالة مخاض للخروج من التخلف والمخاوف السابقة وإحداث تغيير حقيقي للوثوب نحو التقدم وصناعة مجتمع حديث متطور‏,‏ فنحن نتطلع إلي رؤية ثاقبة لتغيير طريقة التفكير مع بداية عام جديد‏.‏
نحتاج إلي عقل لا يصنع الأزمات بل يتجه إلي حلها‏..‏ نحتاج إلي عقل رشيد لا يتوقف عن النمو والتحصيل ورفع كفاءته ليتواكب مع المتغيرات الصعبة في النمو والتطور‏,‏ ويكون مؤهلا لعصر جديد لا يحترم المتخلفين وغير القادرين علي التكيف والتأهيل العصري‏.‏
نحتاج إلي إنسان مختلف لا يبدد الموارد‏,‏ ولكن يعيد تصنيعها بأشكال عصرية متجددة تصنع للمنتج المصري سلعا وخدمات بروح جديدة للأسواق المحلية والإقليمي بل العالمية وتتنافس بقوة مع كل الأسواق الجديدة‏.‏
نحتاج إلي مجتمع متعاون يعمل بروح الجماعة‏,‏ وحكومة تقود ولا تعوق ولا تسيطر إلا بالقانون والعدل‏,‏ فهو يواجه الكثير من الصعاب ولن يخرج منها بالمكابرة أو بالرفض أو الفوضي أو الهمجية ولا حتي بالثورة‏,‏ ولكن بالعمل الجاد والمنظم والطويل‏,‏ وباستمرارية تتناسب وترد علي حالة الجمود والتغيب والتكاسل الطويلة وصناعة الأزمات والحروب بكل أشكالها‏,‏ التي عاشها بعيدا عن روح العصر ومتغيراته‏,‏ فتخلفنا وعشنا في أزماتنا بلا حل‏,‏ وسبقنا الكثيرون وتقدموا‏.‏

المزيد من مقالات أسامه سرايا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.