بين الحادي عشر من سبتمبر2001, ونفس اليوم من سبتمبر الجاري, تسع سنوات غيرت شكل العالم إلي حد كبير, وصنعت حالة من العداء غير المسبوق في العصر الحديث, بين الإسلام والغرب, تكاد تعيد أجواء الحروب الصليبية التي سيطرت علي العلاقة بين الشرق والغرب في العصور الوسطي. وما بين سبتمبر الأول, وسبتمبر الآخر أربعة وجوه صنعت هذه الملحمة التي جعلت العالم يعيش علي حافة الصدام, وكلما امتدت يد, أو بدت ثمة محاولة للتفاهم, يبرز أحد هذه الوجوه ليعيد التوتر إلي العلاقات ويصنع ملامح أزمة جديدة, تضاف إلي أزمات سابقة, تتراكم علي تل يرتفع من يوم لآخر محمل بالكراهية وروح العداء لكل ما ينتمي إلي الآخر. وجه سبتمبر الأول هو أسامة بن لادن زعيم القاعدة المختفي منذ سنوات عن الأنظار دون أن يعرف أحد أين يعيش؟.. أو ما هي خططه المستقبلية؟.. ومنذ شكل مع حلفائه من حركة الجهاد وبعض فصائل الجماعة الإسلامية المصرية ما يسمي بالجبهة العالمية لمحاربة الصليبيين والصهاينة, يعاني العالم الإسلامي من صدمات متتالية كان أولها ما أطلقت عليه القاعدة غزوة منهاتن. أسامة بن لادن سليل عائلة سعودية كبيرة وغنية تعمل بالتجارة والمقاولات, خرج من بلاده إلي أفغانستان في خضم الحملة المحمومة التي اجتاحت العالم العربي في الثمانينات للجهاد ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان, وحين انتهت تلك الحرب كان بن لادن علي رأس إمبراطورية بشرية وعسكرية ومالية جاهزة للحرب ضد ما تراه.. تحالفت مع الجبهة القومية الحاكمة في السودان, وانتقلوا إليها, ثم خرجوا منها إلي اليمن, ثم عادوا إلي أفغانستان مجددا لبناء أكبر تنظيم إرهابي علي مدار التاريخ الحديث. وفي ظل اجتهادات خاطئة للدين صنع بن لادن وشريكاه زعيم الجهاد أيمن الظواهري, وزعيم طالبان الأفغانية الملا محمد عمر, خلايا قاعدية انتشرت في جميع أنحاء العالم حتي وصلنا إلي مشهد التصعيد الكبير بهجمات11 سبتمبر علي برجي التجارة في نيويورك, ومبني البنتاجون في واشنطن, وأخري ضلت طريقها كانت تستهدف البيت الأبيض. الوجه السبتمبري الثاني من نفس التاريخ من سبتمبر الأول هو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش, رئيس أمريكا السابق, وصل إلي الحكم علي رماح المحافظين الجدد, الذين وضعوا خطة لقرن أمريكي جديد, يستهدف بناء إمبراطورية عسكرية تحكم العالم. وجاء هجوم القاعدة علي أمريكا ليبدو مبررا معقولا لبدء هذا المشروع, وجري تقسيم العالم إلي معسكرين أخيار وأشرار, وقال بوش تصريحه الشهير من ليس معنا فهو ضدنا, وخاض حربين لاتزالان دائرتين حتي الآن في أفغانستان والعراق, حصدتا ملايين الأرواح, لكنهما أشعلتا حربا أخري بين الغرب والإسلام, لم تفلح جهود خلفه باراك أوباما في التخفيف من حدتها.. رغم رسالته الجديدة للعالم الإسلامي وإصراره علي أن حرب أمريكا مع القاعدة وليس الدين أو العالم الإسلامي الذي خاطبه من القاهرة قبل نحو عام ونيف. ثالث الوجوه السبتمبرية القس الأمريكي المجنون تيري جونز الذي كاد يشعل حربا بين الشرق والغرب بسبب دعوته لحرق نسخ من المصحف الشريف.. جونز ليس من وجوه سبتمبر الأول لكنه من سبتمبر الاخر, الذي يسعي آخرون لإعادة إنتاجه بشكل جديد. وخلال خمسة أيام سبقت تراجعه عن قراره الأهوج, كانت المصالح الغربية في العالم كله محل تهديد, وربما لو نفذ تهديده وحرق نسخا من المصحف الشريف لكنا استفقنا علي أحداث عنف لا يمكن احتواؤها مهما بذل من جهود. آخر الوجوه السبتمبرية هو الإمام النيويوركي من أصل مصري فيصل عبد الرؤوف الذي يخوض معركة لا مبرر لها من أجل بناء مركز إسلامي علي مقربة من موقع برجي التجارة في نيويورك.. ورغم ان الدستور الأمريكي يمنح لجميع المواطنين الحق في بناء دور العبادة, لكن ردود الأفعال التي أثارها مشروع مسجد قرطبة في نيويورك خلقت حالة من التراشق بين المسلمين والمعتدلين في أمريكامن ناحية, والجماعات اليمينية المتطرفة من ناحية أخري. ومن سبتمبر إلي سبتمبر آخر تطل وجوه تشعل نيران الفتنة, وتحاول القضاء علي أية محاولة للتقارب والتعايش.. حتي يظل فتيل الصدام بين الإسلام والغرب مشتعلا.. بينما تختفي أو تتراجع الوجوه المعتدلة التي تؤمن بالتعايش, في ظل حمي التطرف الديني التي تهل علينا جميعا من سبتمبر إلي آخر.