لجنة مراقبة الأسواق تقود حملات تفتيشية مكبرة بطنطا    وظائف خالية ب الهيئة العامة للسلع التموينية (المستندات والشروط)    حزب الوفد ينظم محاضرة "تحديات الأمن القومي في عالم متغير"    ضبط 56 مركبا مخالفا ببحيرة البرلس    مدير سلاح الإشارة: تدعيم مركز مصر كممر رئيسي لحركة نقل البيانات في العالم    مرشحة رئاسة أمريكية اعتقلت في احتجاجات الجامعات المؤيدة لغزة.. من هي؟    أستاذ قانون دولي: الاحتلال الإسرائيلي ارتكب كل الجرائم المنصوص عليها بالجنائية الدولية    وجيه أحمد يكشف القرار الصحيح لأزمة مباراة المقاولون وسموحة    تحقق 3 توقعات لخبيرة الأبراج عبير فؤاد في مباراة الزمالك ودريمز الغاني    السيطرة على حريق «زيد» في الفيوم    بالأسماء.. إصابة 12 في حادث انقلاب سيارة ميكروباص في البحيرة    ملك أحمد زاهر ترد على منتقدي أداء شقيقتها ليلى في «أعلى نسبة مشاهدة»    عمرو أديب يوجه رسالة للرئيس السيسي: المدرس داخل المدرسة مبيعرفش في الكمبيوتر    محمد أبو هاشم: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب (فيديو)    «الرقابة الصحية»: القطاع الخاص يقدم 60% من الخدمات الصحية حاليا    معبر رفح يشهد عبور 4150 شاحنة مساعدات ووقود لغزة منذ بداية أبريل    ملك أحمد زاهر عن والدها: أتعامل معه خلال التصوير كفنان فقط    بلينكن يشيد باتفاق أذربيجان وأرمينيا على ترسيم الحدود    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    بايرن ميونخ يغري برشلونة بجوهرته لإنجاز صفقة تبادلية    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    وزير السياحة السعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة على البحر الأحمر    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي بمحافظة الأقصر    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    ننشر أقوال محمد الشيبي أمام لجنة الانضباط في شكوى الأهلي    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    البوصلة    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفط أحد أهم العوامل وراء الاحتلال الامريكي للعراق

قال البعض من المحللين السياسيين والقادة ان الخروج الأمريكي من العراق سيؤدي إلي كارثة‏.‏ هل هناك كارثة اكبر مما يحدث الآن في العراق ؟ نعم هناك كارثة قادمة‏,‏ بل سلسلة كوارث قادمة‏
‏ ولكن لا علاقة لها ببقاء الأمريكان ام خروجهم‏..,‏ هناك كارثة تفاقم الصراعات الداخلية أولا‏,‏ وهناك كارثة الالتهابات الإقليمية ثانيا الكارثة الداخلية حاصلة اليوم وهذا العراقي وخوفنا أن يحدث الاسوأ‏.‏
‏*‏ مم يخاف العراقيون؟
‏**‏ هناك خوف من قبل العراقيين من عودة بقايا النظام السابق‏,‏ او أن يتبلور ما يشبه النظام الدكتاتوري السابق في ظل غيبوبة أمريكية‏.‏ هناك رعب من تجدد حرب أهلية لا تبقي ولا تذر‏!‏ هل هي كارثة اقليمية ؟ وهذا ما يخشي منه‏..‏ وكما قلت قبل قليل ان العراق يحادد أكبر قوتين في الشرق الاوسط‏:‏ تركيا وإيران‏..‏ وعلينا أن نفكر بكل الأجندات علي الأرض‏..‏ ولكن ان بقيت القوات الامريكية بمثابة كلب حراسة‏,‏ فهل تكون مستعدة لدفع أثمان باهضة ؟ وهل مستعد أي عراقي ان يخسر الكثير من مصالحه العليا في ظل أي وجود اجنبي ؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تبقي إلي الأبد ؟ هذه التساؤلات قلتها قبل خمس سنوات‏,‏ واليوم تغادر الجيوش الأمريكية العراق‏.‏ وعليه‏,‏ أقول ان أي جزء عراقي يفكر بالانفصال‏,‏ فعليه ان يبقي شعرة معاوية بينه وبين حاضنته العراق‏,‏ إذ لا يمكن ان ينفعه أحد إلا العراق‏..‏ وان مصالح العراقيين العليا هي في ان يكون أي جزء عراقي في حماية الكل العراقي‏,‏ ولكن شريطة ان يكون الكل العراقي في خدمة الجزء‏..‏
‏*‏ يقارن بعض من المؤرخين الأمريكيين بين فيتنام والعراق هل تري ان المقارنة منطقية ؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا لم نر مقاومة عراقية موحدة ضد الاحتلال الأمريكي؟
‏**‏ لا اعتقد ان هناك الكثير‏,‏ بل علي حد اطلاعي‏,‏ هناك البعض يري درجة متقدمة من أوجه التشابه‏.‏ وهذا كله مبني علي خطأ‏,‏ بل علي وهم كبير‏..‏ فهو إما يجهل تاريخ حرب فيتنام واوضاعها وظروفها‏..‏ وأيضا يجهل واقع حرب العراق وأوضاعها وظروفها‏..‏ ولكنه لأسباب ذاتية وربما لأسباب سياسية يكتب عن هكذا مقارنة‏,‏ بل ويجد شبها كبيرا بين الظاهرتين‏.‏ ان هناك اختلافات جذرية بينهما‏,‏ ومن السخف تأسيس أي تشبيه او مقارنة منطقية‏.‏ ان سؤالك الثاني يجيب تماما عن جزء مهم من هذا التجديف‏!‏ فيتنام صاحبة جبهة سياسية شهيرة اضطلعت بمقاومة الأمريكيين بقيادة زعيمها الثوري الشهير هوشي منه وكانت لها حاضنتها الأيديولوجية‏,‏ ولقد دخلت امريكا الحرب بذريعة الشيوعية التي قسمت البلاد الي قسمين‏..‏ فيتنام لم تكن بؤرة للصراع ضد الإرهاب‏,‏ بل كانت متنفسا للصراع الدولي بين عالمين اثنين الشيوعية العالمية والإمبريالية الامريكية‏..‏ فيتنام كانت منقسمة فشمال فيتنام له كيانه السياسي وجنوب فيتنام له كيانه الآخر‏..‏ هذا متحالف مع الغرب والآخر متحالف مع الشرق‏!‏ فيتنام لم تكن بؤرة لمربع أزمات ذاك الطرف من العالم‏,‏ فهي غير العراق الذي يعد بؤرة لمربع ازمات كل المنطقة‏..‏ المقاومون الفيتناميون قاتلوا لوحدهم في الميدان‏,‏ اما في العراق‏,‏ فثمة اختراقات فاضحة اقليمية ودولية‏..‏ ما كان يقتل من الامريكيين هو اكبر ما كان يقتل من الفيتناميين‏,‏ أما في العراق‏,‏ فما يقتل من العراقيين هو أضعاف مضاعفة لمن يقتل من الأمريكيين‏!‏ بغداد هي قلب العراق‏,‏ اما سايجون او فنومبين او هانوي فلم تكن أي واحدة منها قلب فيتنام‏..‏ فيتنام بلاد بحرية طويلة منفتحة علي بحر الصين الجنوبي وتزدحم بالبشر والغابات والادغال‏,‏ العراق بلاد برية طبيعية منغلقة في قلب الشرق الأوسط‏,‏ وتعيش تخلخلا سكانيا بسبب جفاف الصحراء‏..‏ الحربان مختلفتان اختلافا جذريا‏,‏ فحرب فيتنام لا تعقيدات فيها‏,‏ إنها مجرد تدخل أمريكي كاسح ضد جنوب فيتنام ضمن لعبة الصراع ضد الشيوعية‏..‏ فتطورت حرب عصابات من الدرجة الاولي تقودها جبهة معلنة وهذا لم نجده في العراق‏.‏ ولكن علينا ان نتأمل ما بعد توقيع وقف إطلاق النار عام‏1973‏ وانسحاب القوات الامريكية‏,‏ استؤنفت الحرب الاهلية بفيتنام‏,‏ وفي العام‏1975,‏ اكتسحت قوات فيتنام الشمالية اراضي فيتنام الجنوبية واطيح بحكومة الجنوب‏.‏ وفي العام‏1976‏ توحدت فيتنام الشمالية والجنوبية باسم جمهورية فيتنام الاشتراكية‏,‏ وفي العام‏1980‏ خاضت اصلاحات اقتصادية واجرت تحولات جادة وانفتحت علي آسيا والمجتمعات الغربية وخلال التسعينيات أقامت الولايات المتحدة الأمريكية علاقات طبيعية معها‏..‏ واذا كانت ديموغرافية العراق اليوم تقدر ب‏30‏ مليون نسمة‏,‏ فإن ديموغرافية فيتنام تقدر ب‏80‏ مليون نسمة‏!‏
‏*‏ لماذا لم يؤثر المشهد العراقي علي الرأي العام الأمريكي مثلما فعل المشهد في فيتنام؟ رغم ان الحرب ضد العراق لم تبدأ فقط منذ عام‏2003‏ بل تمتد إلي زمن الحصار الأمريكي الذي خلف ملايين القتلي ؟
‏**‏ إن رؤية الغربيين عموما والأمريكيين خصوصا للعالم قد تغيرت علي امتداد أربعين سنة‏,‏ فلا يمكن البتة مقارنة تلك الرؤية بهذه التي تسود اليوم‏.‏ وهنا نرجع إلي سلاسل الأجيال‏,‏ لنري أن الجيل السابق لم يكن مثل جيل اليوم‏..‏ وسائل الإعلام متغيرة‏..‏ الافكار متحولة تماما‏..‏ وحتي الهوية اختلفت عما كانت عليه لدي الجيل السابق‏..‏ المشهد الفيتنامي كان مرعبا لأنه اول مشهد يعقب الحرب العالمية الثانية في اقاصي آسيا‏,‏ في حين استسلمت العقلية لدي الجيل الجديد علي كومة من الصراعات التي سبقت او التي أعقبت سقوط الكتلة الاشتراكية‏..‏ الجيل السابق لم يكن قد تشبع إعلاميا بظواهر بدت طبيعية لدي ذهنية الجيل الجديد‏,‏ ومنها‏:‏ الإرهاب والدكتاتورية‏..‏ الجيل السابق لم يقتنع ابدا بأن مصالحه العليا في فيتنام وان الثمن الذي يدفعه لا يوازي صراع الإيديولوجيات وأقصي ما وصله الصراع حرب باردة‏..‏ في حين اقتنع الجيل الجديد بمفهوم صراعات الحضارات‏,‏ واقتنع ايضا بأن مصالحه تقتضي استئصال الارهاب‏..‏ أي بمعني‏:‏ هل يتساوي الإرهاب بالحرب الباردة في الذهنية الغربية وخصوصا الأمريكية وهي التي شهدت أحداث‏11‏ سبتمبر ؟
‏*‏ لماذا يلتبس الأمر علينا خارج العراق بحيث نتصور مثلا بحسب الأخبار القادمة من بغداد‏-‏ ولا نملك وسائل لتفنيدها‏-‏ أن الشيعة مع الاحتلال والسنة ضده ؟ إذا استخدمنا التحليل الطائفي وان الأكراد مع الاحتلال والعرب ضده إذا استعرنا التحليل العرقي‏.‏ هل الصورة التي تتشكل أمامنا هي التاريخ نفسه أم أنها رؤية مفروضة من أعلي علي الحدث التاريخي ؟
‏**‏ ان الصورة المشكلة أمامنا صورة ضبابية تماما‏,‏ إذ لا يمكن ان تطمئن أبدا لأغلب المعلومات التي تصلنا عن العراق اليوم‏..‏ هناك مناطق ملتهبة جدا‏..‏ وهناك مناطق لا سيطرة حكومية او عسكرية عليها‏..‏ وهناك حكومة قابعة في المنطقة الخضراء‏..‏ وهناك عاصمة متشظية في القلب والاطراف الملتحقة بها‏..‏ وهناك اقليم كردستان يزدحم جدا بالمكاسب وهناك الموصل وكل ملحقاتها وهي المدينة الثانية في العراق عليها تعتيم اعلامي مطبق ولا تعرف ما الذي يجري فيها‏,‏ فضلا عن البصرة التي تزدحم بالمشاكل‏..‏ هناك تحولات قسرية للسكان في كل ارض العراق‏..‏ هناك وضع محتدم في كركوك‏..‏ هناك فرات اوسط وجنوب منقسم بين رجال دين ورجال عشائر‏..‏ هناك حرب طائفية مستعرة في مناطق معروفة باختلاطها في العراق‏..‏ هناك اختراقات إقليمية لهذا الطرف او ذاك‏..‏ هناك مخابرات دول كاملة تعمل‏!‏ هناك حدود لا سيطرة عليها‏..‏ هناك نهب اقتصادي فاضح‏..‏ وهناك فساد إداري وسياسي واقتصادي الاول في العالم‏..‏ هناك استقطابات لا أول لها ولا آخر‏..‏ فكيف لك ان تقف علي حقيقة الأحداث وطبيعتها ؟ لا يستطيع أحد ان يكتب تاريخ هذه المرحلة التي تعج بالصدامات والتناقضات والأهوال‏..‏ إنها مرحلة سياسية لا يمكن أن تكون مادتها جاهزة للمؤرخ إلا بعد ثلاثين سنة من اليوم‏..‏ انها مهمة الجيل القادم من المؤرخين الذين سيتولون فحص الأحداث في أسبابها ونتائجها وتقييم تداعياتها علي العراق والمنطقة جمعاء‏.‏
‏*‏ كيف يمكن للمؤرخ أن يكتب التاريخ العراقي الآن من دون التورط في وجهات النظر وما هي المصادر التاريخية وهل يمكن كتابة التاريخ العراقي استنادا للروايات العرقية او الطائفية او استنادا للرواية الأمريكية؟
‏**‏ كما ذكرت قبل قليل‏..‏ لا يمكن لأي مؤرخ عراقي ان يكتب تاريخ ما يجري‏,‏ واذا كتب فان ما يكتبه لا يعد تاريخا‏..‏ فالتاريخ لا يكتب عند طفولة الأحداث وهذيانها‏,‏ بل ان كتابة التاريخ لا يمكن ان تكون راسخة الا بعد مضي ما يقارب الثلاثين سنة علي اية احداث‏..‏ أي رواية أمريكية استند عليها ونحن لا نعرف حقيقة الأسباب غير المباشرة التي حدت بالولايات المتحدة الامريكية إسقاط نظام صدام حسين بهكذا طريقة ؟؟ وكيف لنا أن نستند علي روايات عراقية متضاربة وتمثل وجهات نظر متصارعة ؟؟ انني كمؤرخ امارس دوري اليوم كسياسي أولا وكمثقف ثانيا‏..‏ أما حرفتي‏,‏ فربما تفيدني تجاربي وقراءاتي في فهم مغزي كل هذه التحولات‏,‏ ولكن الزمن سيكشف معلومات وأسرارا وأفكارا وخططا ومواقف واتجاهات‏..‏ لكن دعني أسجل لك نقدات صارخة‏,‏ ذلك أن نخبة المؤرخين العراقيين اليوم تكاد تكون صامتة لا تتكلم ولا تنتقد ما يجري علي الساحة‏!‏ ان هناك محاولات حثيثة من قبل أناس متطفلين علي التاريخ يكتبون ما شاءوا ان يكتبوا من تزويرات وتلفيقات‏,‏ ويشوهون بكتاباتهم الفجة تاريخ العراق‏.‏ هناك أناس حاقدون علي بعضهم الآخر‏,‏ يريدون تشويه سمعة بعض العراقيين بأي ثمن‏!‏ هناك إحياء حقيقي لنزعات مغالية ومتعصبة ومتطرفة لهذه الطائفة او تلك‏..‏ وكل واحدة تصارع الأخري تاريخيا‏!‏ هناك محاولات غبية للنيل من تاريخ بغداد والمدن الاساسية في العراق وعصور ازدهارها‏!‏ هناك تغييب للادوار الحضارية الناصعة في العراق وإثارة متوحشة لكل التاريخ السياسي المضمخ بالدماء‏!‏ هذه كلها لا تغير من تاريخ مثقل بالعظمة والتجليات تعب من أجله علماء ومؤرخون ومثقفون ومختصون‏..‏ سيظهر امثالهم في الوقت المناسب‏,‏ عندما تنقشع الموجة العاتية التي تسيطر علي العراق اليوم‏,‏ وخصوصا عندما يعود الوعي وتتصافي القلوب‏..‏ ويتساقط هؤلاء الذين يكرهون العراق مجتمعا وتاريخا‏!‏
الإرهاب
‏*‏ كيف تقرأ حادث‏11‏ سبتمبر الآن بعد مرور قرابة‏10‏ سنوات وهل أصبح بإمكان المؤرخ ان يتعامل معه؟ أم أن الأمر لا يزال بحاجة إلي المزيد من التفاصيل لكشف حقيقته ؟
‏**‏ ينبغي ان أقول يا عزيزي ان ثمة أسرارا في التاريخ رافقت أحداثا صعابا ووقائع خطيرة عمرها اليوم عشرات السنين‏,‏ ولم يفلح المؤرخون من فك ألغازها حتي يومنا هذا‏..‏ هناك بعض أسرار رافقت اندحار نابليون بونابرت في معركة واترلو عام‏1815,‏ والتي اندحر فيها نهائيا ولم يكشف عنها حتي يومنا هذا‏..‏ انني أسمع وأقرأ عشرات المقالات والكتب عن‏11‏ سبتمبر منذ قرابة عشر سنوات‏,‏ ولكن مع تعدد الرؤي ووجهات النظر والآراء وكل الأطروحات‏..‏ نبقي حتي اليوم نحتكم للرواية الرسمية الأمريكية في كل ما قدمته من شروحات وقرائن وحيثيات‏..‏ ان المؤرخ الجاد لا يمكنه ان يتعامل مع أية أحداث قريبة منه‏,‏ فهذا من عمل المحللين والمراقبين والمتابعين‏,‏ ولكن عمل المؤرخ يأتي بعد مضي زمن جيل كامل ليبدأ عمله بعد أن يكون العالم قد تحول تحولات واسعة‏,‏ وان الظاهرة التي كانت من وراء تلك الاحداث قد اختفت لصالح ظاهرة تاريخية اخري‏..‏ انني أتوقع من جيل المؤرخين الجدد الذي سيأتي من بعدنا ان يقدم تفسيرات مهمة جدا عن احداث‏11‏ سبتمبر‏2001,‏ ولا يمكنه ان يقدم اية تفسيرات علي درجة من الاهمية ان لم يقع علي عدة أسرار ومعلومات ووثائق موثوق منها جدا‏,‏ وألا يبقي جزءا من صراع الطرفين‏..‏ انني أعتقد ان كانت هناك أسرار علي درجة من الكتمان التاريخي‏,‏ فستبقي احداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ في حالة غيبوبة تاريخية لعقود طوال من السنين‏,‏ وربما لا يكشف عنها في هذا القرن‏..‏ وعليه‏,‏ فستكون موضوعا مطروحا للنقاش والتدقيق علي مائدة اكثر من جيل من المؤرخين القادمين في المستقبل‏.‏ وستبقي الناس في كل جيل أي في كل ثلاثين سنة تنتظر كشفا جديدا لأخطر حدث تاريخي عند مطلع القرن الحادي والعشرين‏.‏ ان ما ساعد علي الوثوق بالرواية الامريكية والادلة التي قدمتها تأييد عدة اطراف رسمية وشعبية من العالم الاسلامي للهجمة التي وقعت في امريكا‏,‏ وان من اتهم بذلك قد اعترف بعمله علنا‏!‏
‏*‏ وكيف تقرأ كتابات الفرنسي تيري ميسيه والأمريكي ديفيد راي كريفن عن الحادث والتي تشير الي ما يشبه نظرية المؤامرة حيث كتبا عن وجود تورط أمريكي داخلي في الحادث ؟
‏**‏ الحقيقة انني لم اطلع علي كتابات تيري ميسيه‏,‏ ولكنني قرأت واطلعت علي مؤلفات البروفيسور ديفيد راي كريفن وهي لا تعد ولا تحصي‏..‏ واشهر ما عالجته من اعماله الاخيرة كتابه الموسوم‏:‏ بيرل هاربر الجديد‏:‏ تساؤلات مزعجة حول ادارة بوش و‏11‏ سبتمبر وكتب هذا بالاشتراك مع ريتشارد فولك ونشر في مارس‏2004..‏ كما ونشر كتابه في العام‏2006‏ حول الدين المسيحي والحقيقة وراء‏11‏ سبتمبر‏:‏ نداء من اجل تفكير ودعوة للحركة‏,‏ وكذلك كتب بالاشتراك مع ديل سكوت كتابه عن‏11‏ سبتمبر والامبراطورية الامريكية‏:‏ المثقفون يتكلمون خارجا‏..‏ ومن اقوي اعماله ايضا كتابه‏:‏ التقرير الحكومي ل‏11‏ سبتمبر‏:‏ الإسقاط والتشويه وغيره من الكتب والتقارير‏..‏ وانني اعتبر هذا الرجل وكتاباته من اخطر ما كتب عن‏11‏ سبتمبر‏..‏ ومنذ تلك اللحظات التاريخية الرهيبة تحرك مسلطا عيونه علي الحدث ومثيرا عدة تساؤلات فلسفية ودينية للسياسات التي تجري وبشكل خاص التساؤلات التي تخص هجومات‏11‏ سبتمبر‏2001.‏ ان من يقرأ اعمال كيفن سيخرج حقا بانطباع شبه مؤكد بأن كل ما جري يعد مسرحية يقف وراء إخراجها وتنفيذها القائمون علي حكومة الولايات المتحدة الامريكية‏,‏ ولكن المشكلة انه يؤسس لنظرية‏,‏ ومن ثم يدعمها بالاحداث والعناصر التي يستلهمها من دواخل حكومته وخصوصا في ضرب البنتاجون ومركز التجارة العالمي ومدينة نيويورك‏..‏ انه يناضل فكريا من خلال التحليل والمنطق لاثبات صحة ما يذهب اليه‏..‏ ويعزوها كلها الي مرجعية دينية يتلبسها المسيحيون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية‏..‏ لقد كان ذكيا جدا في متابعة الأحداث قبل حصولها بدءا بحركة الطائرات وتحليل الحركة والارقام‏..‏ كما نجح بالتحدث الي مسئولين كثيرين‏..‏ وفي كل مرة يكتشف معلومات جديدة يرجع ليضمنها في كتاب او فصول من كتاب‏.‏ ولعل ابرز ما اكتشفته عنده انه محلل بارع في تفكيك النصوص والأقوال وعقد المقارنات وخصوصا النصوص والبيانات الحكومية وتحليله تقارير الاستخبارات العسكرية‏,‏ ويعتقد جازما ان الحقيقة واضحة ولا تحتاج الي تأويل‏..‏ انني مهما تعمقت في النصوص الكثيرة التي نشرها واعجابي بالنظرية التي عالج بها الاحداث‏,‏ لكن تبقي الحقيقة غائبة تماما‏..‏ مما يجعلني لا اؤمن بما كتب كثيرا‏..‏ انني مؤمن بأن تحليلاته بارعة‏,‏ ولكن لم اقع علي نصوص وثائقية تدين الحكومة الامريكية او أي طرف امريكي‏..‏ ثمة اسرار وغموض كبير يكتنف كل العملية‏.‏
‏*‏ هل تحول أسامة بن لادن الي رمز للاستعصاء علي أمريكا؟ أم انه أراد أم لم يرد صار جزءا من اللعبة الأمريكية في المنطقة ؟
‏**‏ ما قيمة أسامة بن لادن في السياسة الدولية وصناعة التاريخ؟‏!‏ لولا الولايات المتحدة الامريكية التي بدأت معه منذ زمن طويل‏..‏ ان أمريكا هي التي صنعت من بن لادن مجاهدا وانها هي نفسها التي صنعت منه ظاهرة‏..‏ أنها وراء صناعة الأفغان العرب‏..‏ انها وراء كل ما حدث من تغيير نحو الخلف منذ ثلاثين سنة‏..‏ انها وراء صناعة عالم اسلامي يكرهها الي حد الموت‏..‏ ان مشكلة الشيخ اسامة بن لادن تكمن في انه صدق انه صنع تاريخا‏,‏ ولكن عقدته انه مقتنع تماما ان انتصاره قد مر بنفق أمريكي‏..‏ ربما كان صادقا مع نفسه في ترجمة ما يؤمن به علي ارض الواقع‏,‏ ولكنه لماذا بقي يصدق ما تقوله امريكا‏..‏ وحتي تفجيرات‏11‏ سبتمبر وافقها ومنحها الفرصة في ان تشعل حروبا ضد العالم الاسلامي‏!‏ لماذا بارك ما فعله الانتحاريون في‏11‏ سبتمبر ؟ لماذا لم ينكر ذلك علنا ؟ لماذا يعلن حربا علي المدنيين ؟ والمشكلة الاخري في اولئك الذين جعلوه مثلا اعلي لهم في العالم الاسلامي وباركوا اعماله وصفقوا لبياناته‏,‏ بقدر ما عاش الرجل علي وهم‏,‏ بقدر ما يعيش من يؤيده علي وهم ازاءه‏!‏ ان اشعال أي حرب بهذه الطريقة ضد امريكا سينعكس اثرها علي عموم العالم الاسلامي‏,‏ خصوصا وان الاساليب التي يتبعها قد اضرت بسمعة العرب والمسلمين كثيرا‏,‏ وكلفت كل الجاليات العربية بشكل خاص‏,‏ والمسلمة بشكل عام الكثير‏..‏ ناهيكم عن الإضرار بمصالح مجتمعات ودول العالم الإسلامي قاطبة التي لا تعرف ماذا تفعل في خضم هذا العصر‏.‏
‏*‏ هل تحولت الولايات المتحدة بعد‏11‏ سبتمبر الي جمهورية للخوف إذا استعرنا تعبير مكية الشهير عن العراق ؟
‏**‏ لا أعتقد ابدا‏,‏ فالعالم كله يعيش رعبا مزدوجا‏,‏ وليس دولة واحدة ومجتمع معين‏!‏ العراق لم يزل يعيش أهله الرعب ولكن بطريقة مختلفة‏..‏ أوروبا الغربية تعيش هواجس التعصب أو أي رعب يسببه أي تفجير يحصل‏,‏ أوروبا الشرقية تعيش الخوف من المافيات‏..‏ فالامر لم يخص الولايات المتحدة الامريكية‏..‏ لقد حدثت تفجيرات في روسيا وفي بريطانيا وفي اسبانيا وفي تركيا وغيرها من الاماكن‏.‏ فالصدام ليس بين دولتين او بين سلطة ومجتمع‏,‏ بل بين عالمين اثنين يفترقان كلما امتد بنا الزمن افتراقا خطيرا‏..‏
نهاية التاريخ
‏*‏ بعد الحادث تطبق أمريكا مقولات فوكوياما عن نهاية التاريخ‏_‏ التي تراجع عنها الرجل في كتاباته الأخيرة‏,‏ كما أنها تطبق مقولات هنتنجتون حول صدام الحضارات‏.‏ ما هو الدور الذي يلعبه الفكر في صناعة التاريخ وكيف تقرأ كمؤرخ فكرة الصدام الحضاري التي روج لها هنتنجتون استنادا للخلافات الدينية ؟
‏**‏ فوكوياما لم يتراجع أبدا عن افكاره التي اطلقها عن عبارته التي حملت اسم كتابه نهاية التاريخ‏,‏ ولقد اثراها بالمزيد من الكتابات الجديدة‏..‏ ولكن هنتنجتون هو الذي خالف بعض آرائه حول صدام الحضارات‏..‏ ويعتبر الاخير نفسه بمنزلة المتنبئ بما جري ويجري في العالم‏.‏ واتمني قراءة مقالتي الاخيرة عن حوار الحضارات وصدام الثقافات ففيها اجوبة شافية حول هذا الموضوع‏..‏ انني لا اؤمن حقا بهذه النظرية التي تقول بصدام الحضارات‏,‏ ذلك لأن العالم كله متصل مع بعضه البعض‏,‏ وان الإنسان اينما كان علي هذه الارض‏,‏ فهو الاقرب لحضارة اليوم من حضارات الامس قريبة كانت منه‏,‏ او بعيدة عنه‏..‏ لكنني اؤمن ايمانا جازما بصدام الثقافات‏,‏ فالثقافات اليوم متصادمة واشتد صدامها في السنوات العشرين الاخيرة بفعل الاتصالات وشبكة المعلومات الدولية والقنوات الفضائية وكل منتجات هذا العصر‏..‏ ولم يكن أمام الثقافات من زمن لكي تستأنس احداها بالاخري وتتلاقي معها علي مهل‏..‏ هناك تصادم هائل وكلما تمضي الأيام يزداد تأثير هذا الصدام في كل المجتمعات‏..‏ ثمة مجتمعات منتجة منشغلة تعمل الليل مع النهار‏,‏ فهي ليس لها الوقت في ان تشرك نفسها بهذا الصدام‏,‏ ولكن ثمة مجتمعات كسولة مستهلكة وقتها طويل وغير منتجة ولا فاعلة وليس لها إلا ترهات واقصوصات واجترار اقوال‏..‏ وعبادة أبطال وجعلها للاوهام حقائق‏..‏ فهذه مجتمعات عرضة للتآكل‏..‏ ومجتمعات العالم الاسلامي قاطبة من هذا النوع جامدة لا تتحرك‏,‏ وليس لها القدرة علي الانفتاح والتفاعل مع الثقافات الأخري‏..‏ بل وهي لا تملك الاسلحة الحقيقية في الدفاع عن كل ما تتعرض له ثقافاتها من تشويه ومن استهزاء او استصغار‏..‏ صحيح انني ضد منهج هنتنجتون والنفس الذي كتب به كتابه‏,‏ ولكن من طرف آخر انا مقتنع بأن ليس لدينا القدرة علي فهم الآخر مهما كان ذلك الاخر‏..‏ وكل ما يطرح منذ اكثر من ثلاثين سنة حول حوار الاديان وحوار الحضارات والتقاء الثقافات‏..‏ فانني اعتبره عملا لا نفع فيه البتة‏,‏ ان منافعه شخصية لهذا الداعية وذاك المبشر‏..‏ كي يجامل أحدهما الاخر ومن المحتمل ان يكون الحوار الذي جري في ألمانيا قبل ثلاثة عقود من الزمن نافعا‏,‏ ولكن اليوم لا ينفع أي حوار حضاري كالذي يسمونه والذي يتبناه بعض المفكرين المسلمين ومنهم الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي‏.‏ لماذا ؟ باختصار‏,‏ لأنه حوار طرشان‏,‏ وقد حضرت لأكثر من مرة جلسات مثل هذا الحوار‏,‏ فلم اجد أي لغة مشتركة بين الطرفين‏,‏ وان مجال تقريب وجهات النظر يكاد يكون مستحيلا‏,‏ فكيف يمكننا تأسيس مقاربة حضارية بين عالمين اثنين‏,‏ لا توجد بينهما لغة مشتركة‏..‏ انني مقتنع تماما بأن من الاستحالة ان تجمع سوية اناس يؤمنون بالتشيؤات المحددة‏,‏ وبين اناس يؤمنون بالرموز والاخيلة‏!‏ المشكلة ليست لأننا غير متحضرين‏,‏ بل لأننا لم نجدد حضارتنا‏..‏ والمشكلة ان ثقافتنا مليئة بالمطلقات والمعاني ازاء ثقافات اخري تمتلئ بنسبية الاشياءفضلا عن هذا وذاك ان عالمنا الاسلامي اليوم قد زاد انقسامه علنا‏,‏ وهناك صراع سياسي وفكري واجتماعي رهيب بين السنة والشيعة‏!!‏ انني لست مع صموئيل هنتنجتون الذي جادلته جدالا عنيفا في منتدي المستقبل الذي ينعقد كل عام بعاصمة غربية‏,‏ ومنذ زمن‏,‏ ذلك لأنه يعتبر ان العالم الاسلامي لم يزل في طور التوحش‏,‏ ولكنني ايضا ضد ما يسود تفكيرنا ومجتمعاتنا بحيث دوما ما نعطي الفرص للعالم كي يديننا ويصفنا بأبشع الصفات‏..‏ اننا غير مدركين ابدا للتحولات التي اصبح العالم عليها اليوم وغير مدركين ابدا بأن من يقف بوجهك باسم التصادم لا يمكنك ان تقف بوجهه بنفس الاسلوب‏..‏ علي العالم العربي والاسلامي ان يكون ذكيا في كيفية ادارة التحديات التاريخية التي تواجهه في القرن الحادي والعشرين‏..‏ ولقد افصحت بشكل مفصل عن هذه الفلسفة في كتابي العولمة والمستقبل‏:‏ استراتيجية تفكير‏!!!:‏ العرب والمسلمون في القرن الحادي والعشرين الذي نشر في العام‏.1999‏
‏*‏ لماذا اشتعل الصراع الديني في العالم حاليا وهل تمثل عودة الدين الي المسرح السياسي انتكاسا للحداثة العلمانية أم استعادة لدور قديم لعبه الدين في نشأة الأمم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؟
‏**‏ انه أمر طبيعي ان تكون عودة الدين الي المسرح السياسي انتكاسة مريرة للحداثة والعلمنة وكل سبل التجديد‏!‏ الدين من اسمي ما يمكن للانسان ان يعتز به‏..‏ الدين هو مجموعة من الموصلات الثابتة التي لا يمكن التلاعب بها وهي التي تحدد علاقة الانسان بربه‏..‏ الدين هو منهل للفضائل وتهذيب النفس وهو مرجع للانسان في كل تأملاته‏..‏ وعلاقته بالخالق‏..‏ الدين يمنح الانسان مساحة واسعة للاخوة والعون واستلهام روح الاطمئنان والمحبة والتسامح والامل‏..‏ اما ان يكون الدين بالصورة التي هو عليها اليوم يمثل استعادة لدور قديم في نشأة الامم فهذا امر بحاجة الي معالجة وتفكير‏!‏ وهل كان الدين وراء نشأة الولايات المتحدة الامريكية ؟ ارجو ان يتحدث المرء بما يليق يا صديقي‏..‏ ثمة عوامل جغرافية وتاريخية صنعت الامة الامريكية‏..‏ والامم الاخري‏..‏ ومتي كانت الامم الاسلامية بلا دين حتي يلعب الدين اليوم في نشوئها ؟؟ اننا ننظر الي انفسنا وكأننا نحن فقط اصحاب دين اكتشفناه بعد ضياع‏!‏ وكأن الاباء والاجداد في مجتمعاتنا لأكثر من الف سنة‏,‏ لم يكن لهم دين ومعتقدات‏..‏ ومنذ ثلاثين سنة قالوا بالصحوة الدينية‏,‏ وكأن مجتمعاتنا كانت لا تعرف دينا ولا عقيدة‏!‏ ولكن الدين شئ والصراع الديني شئ آخر‏!‏ الصراع الديني موجود في العالم عبر العصور‏,‏ وهو الذي سبب نكبات وكوارث اجتماعية وديمغرافية فظيعة وخصوصا في اوروبا وآسيا وافريقيا‏,‏ ولكن هل من العقل بمكان القول ان هناك اشتعال صراع ديني اليوم ؟ ان العالم عبر التاريخ تحركه الحياة الاقتصادية واساليب العيش والنمو والسيطرة وعوامل الانتاج‏..‏ حتي الحروب الصليبية كانت أسبابها الحقيقية اقتصادية أساسا‏..‏ وهل تعتقد ان الصهيونية العالمية هي تمثل نزعة دينية في الاصل ؟ وهل تعتقد ان التبشير بالكاثوليكية كان لاسباب لاهوتية ؟ وهل تعتقد ان المعتقدات الدينية كانت وراء نشوء الحضارات وتطورها ؟ ثمة عوامل في نظرية التحدي والاستجابة لنشوء الحضارات عند المؤرخ الشهير السير ارنولد توينبي لم يذكر فيها المعتقدات الدينية‏,‏ بل قال بالأرض البكر والاراضي الصعبة والصراع والنكبات والاعتكاف والعودة‏(‏ أي‏:‏ التجديد‏)..‏
ان الدين من أهم مقومات أي مجتمع اذ لابد لأي مجتمع ان يستلهم فضائله ومثالياته من دينه‏..‏ ولكن لا يمكننا ان نجد كل ما عليه الدولة ومؤسساتها وتشكيلاتها وقوانينها وعلاقاتها في الدين‏..‏ وينبغي علينا ان ندرك أن الدين له سموه وتجلياته في ثوابته ومعتقداته‏,‏ ولا يمكنه ان يكون اداة ومرجعية للسياسات ومستنقعاتها الآسنة‏.‏ ان فصل الدين بكل تنوعات طوائفه ومذاهبه عن الدولة وقوانينها سيخلص المجتمع من كل الصراعات‏..‏ خذ العراق مثلا وما الذي حصل فيه بتأثير الاحزاب الدينية التي لم تعبر عن وحدة دين‏,‏ بل عن افتراق طوائف‏,‏ وكل طرف يعتقد انه الافضل والاحسن والاكثر تدينا‏,‏ ولكن الحقيقة المرة ان ذلك الصراع الذي لا يمكنك ان توقفه كونه متأججا منذ عصور خلت‏,‏ كان وراء الانقسام والتفكك‏!‏ انني اعتقد ان هذه الظاهرة التي دخلت حياتنا منذ العام‏1979‏ بشكل رسمي وبولادة دولة دينية قد ساهمت في تفكك مجتمعاتنا وخلق الكراهية وانقسام الامة الي طوائف دينية والي جر المنطقة الي حروب وإلي ولادة ظواهر لا اول لها ولا اخر ومنها الارهاب الذي يتسمي ظلما وعدوانا باسم الدين والدين بريء منه‏..‏ واعتقد ان الظاهرة ستبقي لثلاثين سنة قادمة حتي تبدأ مجتمعاتنا تنهض من انسحاقات قادمة‏,‏ كي تمتلك الوعي بالحريات والتفكير والانسنة والمصالح‏..‏ ان عودة الوعي يستلزم عقودا من السنين‏,‏ فنحن اليوم في قلب الازمة التاريخية‏..‏ بقي شئ أخير لابد ان انوه عنه ذلك هو ان الصعود للاحزاب الدينية والموديلات الدينية والشعارات الدينية‏..‏ كله لا يمت بصلة الي حقائق الدين ومعانيه الحقيقية‏..‏ ولا يمكن لمثل هكذا احزاب وموديلات وشعارات ان تعالج الواقع السياسي والاجتماعي من ادرانه‏!‏ وينبغي ان يتساءل كل العقلاء‏:‏ لماذا كل هذا الاخفاق الذي يلازم الاحزاب الدينية وهو تتربع علي دست الحكم والسلطة ؟ ومن ذا الذي جعلها تصل الي الذروة ؟ هل ثمة اسباب من وراء ذلك كله ؟ ألا نجد هناك تعرية لتاريخ طويل من الأحزاب الدينية ؟ إنني مقتنع اقتناعا راسخا بأن الدين واحد ولكن الأحزاب الدينية مبعثرة تماما‏,‏ ولا أدري كيف ترضي أن تتبعثر حتي في أنظمتها الداخلية إن كانت مقتنعة مثلي بأن الدين واحد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.