[ غيرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 المأساوية، علاقة الشرق بالغرب التاريخية. حيث غيرت التغطية الإعلامية ل »الحرب علي الإرهاب« التصوّر العالمي لتلك العلاقة. وأصبح المجتمع المتحضر يواجه حالياً عبر كاميرات التليفزيون الموجودة في كل مكان بأعمال الإرهاب البربرية التي يرتكبها رجال ذوو ملامح شرق أوسطية، حيث يعقب ذلك عادة إدعاء أحد المواقع الإلكترونية أن تلك كانت »أعمال عنف مقدسة« جري تنفيذها باسم الإسلام]. كاتب هذه السطور هو الدكتور »جين هيك« في مقدمة كتابه البديع الذي أصدره مؤخرا، يتضمن نتائج بحثه الدقيق، الطويل، في »الأسس الأيديولوجية والسياسية لصدام الحضارات«. العنوان قد لا يجذب انتباهنا، باعتباره كما نتصوّر من أول وهلة بحثاً أكاديمياً غارقاً في تاريخ التاريخ نفسه، وبالتالي لا يشجع علي القراءة! ناشرو الكتاب توقعوا هذا التقييم المتسرع لكتابهم الجديد، فحرصوا علي التوضيح في غلافه الخلفي تحت عنوان: »عندما تتصادم العوالم«.. جاء فيه نقلاً عن مقدمة المؤلف »جين هيك« : [ الأسئلة التي يطرحها هذا البحث هي: »هل للإرهاب دين بعينه؟«، و »من هو الإرهابي علي وجه الدقة؟«، و »هل ينطبق المصطلح بشكل حصري علي شباب المسلمين في العصر الحديث؟«، و»هل كان الصراع بين الشرق والغرب صراعاً دينياً حقيقياً، أم صراعاً ثقافياً، أم مجرد صراع يتسم بالتحيز الواضح نتيجة الجهل والتصورات الخاطئة؟«. المقصود بهذه الدراسة أن تكون خطوة نقدية أولي نحو هدف المصالحة الشرقيةالغربية ضمن اتصال طويل المدي حطمته بطريقة مأساوية أحداث الحادي عشر من سبتمبر الرهيبة. ويمكن للتفاهم الثنائي المحسن وحده أن يعيد العلاقة التاريخية إلي سابق عهدها. ويجب أن يعيدها إذا كان لابد للوفاق أن يسود]. التوضيح علي الغلاف الخلفي بدد ترددي في قراءة الكتاب. فليس الموضوع تبحراً، وبحثاً وتمحيصاً، في تاريخ الأسس الأيديولوجية والسياسية لصدام الحضارات كما يصدمنا عنوان الكتاب وإنما الموضوع يبحث وينقب في أخطر التحديات والتهديدات التي يعيشها العالم شرقه وغربه في الوقت الحالي، سعياً إلي توعية الشرقيين والغربيين بأهمية إعادة التفاهم بين هؤلاء وأولئك ماداموا يتطلعون إلي السلام والوفاق. وقبل تصفح الكتاب الذي فوجئت بأهميته، ونقاء مؤلفه، ونبل الهدف من وراء نشره أري من اللائق أن أعرّف القاريء بالكاتب الأمريكي: د. جين هيك. فهو أحد كبار الاقتصاديين، ولإتقانه اللغة العربية أمضي فترة طويلة في الشرق الأوسط، بدأت بعمله ملحقاً تجارياً بسفارة بلاده في العاصمة السعودية الرياض.. ثم تولي العديد من المناصب في السعودية وغيرها من دول المنطقة. و »جين هيك« حاصل علي الدكتوراه في الاقتصاد، وثلاث درجات ماجستير من جامعة ميتشيجان، ودرجة الماجستير من جامعة جولدن جيت بسان فرانسيسكو، كما درس للماجستير في التاريخ الاقتصادي العربي من جامعة الأردن، وعمل أستاذاً للحكم والتاريخ بجامعة ميرلاند. ما جاء أعلاه قد يقلل من ترددنا في الاقبال علي قراءة كتاب يتحدث عنوانه عن »تصادم العوالم« والانغماس في »بحث الأسس الأيديولوجية لصدام الحضارات«، لكنه في الوقت نفسه قد لا يزيد حتي الآن من إقتناعنا بالتفرغ لتصفحه، وقراءته، ثم تحديد نقاط الاتفاق، و الاختلاف .. مع كاتبه! »هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث« في دولة الإمارات العربية المتحدة رأت في الكتاب فائدة كبيرة لقراء العربية، بما تضمنه من أفكار ووثائق ، وقام الأستاذ أحمد محمود بترجمته إلي العربية في طبعته الأنيقة الصادرة مؤخراً عن الهيئة في العاصمة أبو ظبي. في المقدمة الطويلة للكتاب.. حرص المؤلف علي إيضاح دور الإرهاب في تضليل الشعوب ومحاولة إقناعها بأن العمليات التي يقوم بها قتلاً، وتدميراً، وترويعاً هي »من الأعمال المقدسة« التي جاءت في تعاليم الدين. يقول: د. جين هيك: [ في الأغلب الأعم.. تخضع النخبة الفكرية في العالم العلماء والساسة والإعلام علي السواء للتصورات الزائفة. فعندما يتعرض العالم بصورة عامة للتأويلات الاستشراقية لنصوص مثل »آية السيف« الشهيرة : (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، فإنه يستنتج أن الإسلام دين »العصور المظلمة« الخاص بالعالم الآخر البربري الذي لا يتبني الإرهاب ويحتضنه فحسب، بل يعتبره كذلك »وسام شرف«. وبناء علي ذلك فإنه عندما يقيس المحللون والمشاهدون العارضون البانوراما الدموية للفظائع التي ترتكب في الوقت الراهن باسم الله، فإنه غالباً ما يتواري السؤال: »ما الذي يمكن أن يفعله الإسلام للإنسانية؟« ليصبح عوضاً عن ذلك: ما الذي فعلته البشرية بالإسلام؟«. .. وللحديث بقية. إبراهيم سعده [email protected]