أقاويل وتهاليل.. صراخ واعتراض وإصرار علي محاسبة الحكومة وجميع المسئولين عن حادث قطار الصعيد.. فالأمهات ثكلي, ودموع الرجال علي فلذات الأكباد لا تنتهي. ولكن النهاية هو إعلان المخطئ الذي لا يهدأ هذه المرة للرأي العام ثورته وربما يفعل.. فعامل المزلقان هو أضعف عنصر في منظومة السكة الحديد من حيث النفوذ والأجر وكل شيء, برغم خطورة العمل الذي يؤديه.. فهو السبب في معظم الأوقات لحصد الأرواح.. لا أعفيه من المسئولية ولكن علينا أن نعطيه حقوقا كاملة لنطالبه بواجبات أمثل.. التقيته, سمرة الشمس وحرارتها تعلو وجهه النحيل, فهو مصري مثل كل أبناء الوطن يكتوي بنار الغلاء ويتجرع مرارة الفروق الرهيبة في الطبقات..ضعفه أرغمه علي عدم ذكر اسمه ولكن ببساطته المعهودة, انه منسي دائما.. عامل المزلقان هذا يعمل12 ساعة متصلة وراحته24 ساعة وهذا في مزلقانات الحركة داخل الكتل السكنية.. أما بعيدا عن الكتل السكنية فهي مزلقانات هندسية يعمل فيها عامل المزلقان24 ساعة متصلة وراحته48 ساعة, وهذا يحدث بشكل ودي لأن عامل المزلقان مطالب بنفقات له ولذويه فيستغل أوقات الراحة في عمل اضافي ليكسب أجرا إضافيا, يكفيه ذل السؤال والحاجة وهو يرتضي طبيعة عمله الشاقة ولكن يطالب في المقابل بتقدير مادي يتوازن مع ما يبذله من مجهود ويقظة مستمرة. وأضاف أحد خفراء المزلقانات, أن أهم شيء في المزلقان هو الإمكانات ونحن لا نطلب الكثير, ففي مزلقان شديد الخطورة تتكرر عنده الحوادث في مدينة رئيسية أو علي مدخل قرية تجد الحاجز عبارة عن سلسلة في نهايتها خطاف يتم تعليقها عند اقتراب القطار, وتوضع أرضا عندما يمر.. والأكثر من ذلك أن هذه السلسلة يتم سرقتها مرارا وهي عهدة علي عامل المزلقان البسيط, وتخصم من أجره بعد سلسلة طويلة من التحقيقات, لذلك يحتفظ بها عامل المزلقان ويستبدلها بسلك لغلق المزلقان.. الكارثة أن السلسلة أو السلك غير آمن بالمرة.. فبإمكان أي شخص ازالتها, خاصة في ظل الانفلات الأمني الذي أثر علي كل شيء.. فالبلطجية قادرون علي فعل ذلك مرارا في أثناء عبور القطار ليمروا في تحد لكل شيء.. ولا يعنيهم النتائج من حصد لأرواح الناس.. أما الشادوف الحديدي فهو أكثر أمانا لأنه يغلق آليا ولا يستطيع أحد رفعه إلا بالطريقة الآلية.. لكننا اذا قمنا بالغلق قبل قدوم القطار بخمس دقائق يقوم المارة بتوجيه الشتائم لنا بألفاظ نابية معتبرينه غلقا مبكرا ولا يعرفون أننا بذلك نحميهم قبل أن نحمي أنفسنا.. وأحيانا يصل التطاول لحد رفع السلاح الأبيض وإجبارنا علي فتح المزلقان, ليمر هذا البلطجي سواء من قائدي الموتوسيكل أو التوك توك. ويضيف أحد عمال المزلقانات, أن مسألة غلق المزلقان من عدمه محكومة بقانون خلوات سكك, وهي اشارات نتبادلها بمعرفة ما يسمي تايروس أو اصطفاف كهربائي, يعمل بنظام البطارية حيث تصل لعامل المزلقان إشارة معينة تحدد كل إشارة نوع القطار ومدي سرعته, سواء كان قطار اكسبريس أو ركاب أو بضاعة, المهم أن الغلق يتم لحظة تحرك القطار من آخر محطة سابقة.. ويشير الي أنه كعامل مزلقان, يتراوح مرتبه مثل باقي أقرانه بني600 و700 جنيه وبرغم طبيعة عمله الشاقة, وسهره ليلا فهو يأخذ10 جنيهات فقط مقابل12 ساعة يقضيها في الخلاء, وفي أحضان الظلام الدامس معرضا لكل المخاطر سواء كانت بلطجة أو سرقة أو غيرها, ولا يزيد بدل السهر هذا علي100 جنيه شهريا أي10 ليال حتي لو سهر الشهر كله.. في حين أن أقرانه من سائقي القطارات يحصلون علي بدل السهر30 يوما أي300 جنيه شهريا. ويضيف أحد رؤساء الوردية في أحد البلوكات المسئولة عن أكثر من مزلقان, أن الوردية تضم ملاحظا ومساعدا وخفراء بعدد المزلقانات والجميع يعمل دون اجازات وباستمرار لوجود عجز كلي في الهيئة, أي أنه لا يوجد بديل لأحد منهم لدرجة أنه في الاجازات ليس لدينا راحة مطلقا, ونعمل في هذه الاجازات بنظام12 ساعة عمل ومثلهم راحة, ولا نحتاج أن نشرح ضرورة أن نكون متيقظين طوال فترة العمل برغم أن هذا مخالف للقانون.. فالمفترض أن ساعات العمل8 ساعات وليس12 ساعة, وهذا حفاظا علي أرواح المواطنين. وعن عمل مسئولي البلوكات فهو التأكيد والتنبيه علي خفراء المنافذ المزلقانات والتنبيه عند الطلب وعند قيام القطار من المحطة بوقت كاف, حتي يقوم بغلق المزلقان. أما عن الرعاية الصحية فيصفها بأنها غاية في السوء, فالمستشفي الوحيد لنا موجود في القاهرة وهو مستشفي الهيئة ولا يوجد غيره, فكيف لي وأنا مريض أن أسافر مثلا من الصعيد الي القاهرة, أو من الاسكندرية الي القاهرة, أيضا لأحصل علي الرعاية العلاجية.. برغم أن الهيئة تخصم400 جنيه سنويا من أجري رعاية صحية, وبرغم مرضي بالضغط لم أحصل منهم علي علبة دواء واحدة.. ولا أنكر وجود كشف دوري لنا لكنه موجود بشكل صوري في تقديري. أما عن أحلامهم في زيادة الدخل فهي محدودة مثل أوضاعهم تماما.. فقد اجتمعوا جميعا علي رغبتهم في زيادة بدل يوم العمل من10 أيام بحد أقصي الي30 يوما, أسوة بزملائهم من سائقي قطارات السكة الحديد.. كما طالبوا برفع الأجر الإضافي من300 إلي600 جنيه, وهذا كبديل لساعات العمل الزائدة التي يعملونها في الشهر, مبررين ذلك بما ينفقونه طيلة فترة العمل علي التغذية وغيرها.. حيث ان ساعات العمل12 ساعة والهيئة لا تقوم بتوفير وجبات غذائية برغم عدد الساعات الطويلة التي نعملها. وأشار الي أن اجازات العمل لديهم4 أيام شهريا, وهي بديلة لأيام الجمعة والمفترض أن عامل المزلقان يحصل علي8 أيام شهريا, بديلة لأيام الجمعة والسبت مثلهم مثل باقي الهيئات الحكومية, ومن يعمل خلال هذه الأيام اذا تطلب ذلك حاجة العمل فله أن يحصل علي بدل راحة عنها, خاصة أن معظم عمال المزلقانات يوجد مقر عملهم في أماكن متطرفة مما جعلهم يطالبون أيضا ببدل عدوي ومخاطر, فهم يؤكدون أنه لا يوجد من يحميهم علي الاطلاق, كما تعرض الكثير منهم لحالات سرقة عدة مرات داخل البلوكات من البلطجية دون رادع أو حماية. وأشاروا الي موضوع آخر, وهو الملابس الصيفية والشتوية, التي كانت تصرفها لهم الهيئة حتي5 سنوات مضت, ومنذ ذلك الوقت توقفت تماما وأصبحت تلك الملابس حبرا علي ورق.. ويتساءل عمال المزلقانات عن مشروع تطوير المزلقانات والمنافذ بالكهرباء عن بعد, من خلال وضع أجهزة تنبيه تحذر السائق وخفير المزلقان عند قدوم القطار خشية حدوث أي حوادث وقد قام رئيس الهيئة الأسبق هاني حجاب بتنفيذ هذا المشروع بجدية, ولكنه فجأة توقف عند خروج حجاب دون إبداء أسباب برغم أن هذا المشروع سيحمي أرواح آلاف المصريين.