"مش عاوز أتخذ أي إجراء ضد ولادي الصغيرين اللي مغرر بيهم".. تلك هي كلمات أنور السادات في يوم من الأيام .. لم تر قناة الجزيرة أى جملة أخري أو عبارة أخري جيدة قالها السادات في حياته إلا تلك العبارة السيئة .. عبارة للتهديد والوعيد ضد مجموعة من الصبية أو "الأولاد الصغيرين" كما أسماهم السادات ولم تتوقف العبارة عند ذلك بل امتدت أيضا إلي غباء وسوء تقدير وسوء أداء وفهم هؤلاء الفتية لأنهم "مغرر بهم". هكذا يري البعض أنور السادات بعد مرور كل تلك السنين علي مقتله .. لا يرون فيه صانع انتصار أكتوبر وصاحب قرار العبور وصاحب اختيار التوقيت.. ويرون فيه السيئ فقط بل الأسوأ دون الجيد ودون حتي حسنة وحيدة تضاف إليه. هكذا رأته قناة مثل الجزيرة فى تنويه لها عن الزعماء المصريين (عبدالناصر والسادات ومبارك) مع العلم أن حتي مبارك الذي خلعه شعبه بثورة تعرض له القناة فقرة ليست سيئة من أحد خطاباته. وتستمر تلك الفجاجة في الحكم علي السادات علي الرغم من مرور كل تلك السنين (39 عاما بالتحديد) على حرب أكتوبر والأداء العبقرى للجندى المصري فيها وتخطيط القيادة السياسية التي أذهلت العدو قبل الصديق واستعادة الأرض .. نجد أن البعض مازال لا يعترف بفضل السادات في هذه الحرب. نجد البعض لا يكتفي باغتيال السادات مرة علي يد أعدائه الذين اغتالوه في عرسه وفي منصته وإنما يكرر القتل بطريقة أخرى تبدو أكثر بشاعة من الطلقات التى أصابته يوم 6 أكتوبر. فمنهم من يشير إليه بأنه القيادة السياسية التي خططت للحرب فقط دون ذكر اسمه وكأنه نكره ومنهم من دعى أحد قتلة السادات (عبود الزمر) حتي يرقص على جثته ليحضر احتفالات أكتوبر بعد أن تلطخت يداه بدم القتيل. كعادتنا في الحكم علي الأمور في الابتعاد عن العقلانية .. وفي حب اللونين إما الأبيض أو الأسود .. وكأن الحياة ليس بها منطقة رمادية.. ليس فيها بشر ليسوا خطائين ولا توجد بهم عيوب.. وكما صرح أحد المشاركين في اغتيال السادات: "عاملناه كأنه عمر بن الخطاب فلما أخطأ قتلناه". أما جملة تلك القناة وتنويهها .. ليست أقل استفزازا وليست أقل ابتعادا عن تقدير الرجل من جملة أحد قتلة السادات في حوار له مع إحدي الصحف الخاصة.. حين قال بالنص: قتلنا السادات لأنه قال علي شيخنا المحلاوي إنه "مرمي مثل الكلب في السجن" .. والسؤال الموجه لهذا القاتل الذي لا أريد أن أذكر اسمه: هل أنت مسلم؟ والإجابة نعم .. بكل تأكيد، وأعود وأسأل هل حبك لشيخك أهم أم حبك لرسول الله؟ .. فماذا فعلت فيمن سب رسول الله وشتم رسول الله وتطاول علي رسول الله؟. هؤلاء لا يتذكرون إلا القبيح من القول ولا يتذكرون جميل الفعل.. مع أن الفعل أقوي من القول.. وهو الذي يبقى. فعل تحرير سيناء وتطهيرها ممن يغتصب خيراتها أقوى من الكلام عن إلقاء إسرائيل في البحر. فعل الانتصار علي إسرائيل فى حرب محدودة .. أفضل من كلام الانهزام منها فى حرب مفتوحة أٌحتلت فيها سيناء والضفة الغربية والجولان والقدس الشريف. ويبدو أن الكارهين يحبون الكلام أكثر من الفعل .. وتلك عادة الجهلاء الذين يعشقون دغدغة المشاعر بلا لقمة خبز تسد رمقهم.. يعشقون الحديث عن الحرية وهم يسجنون المواطن في جماجمهم الضيقة وآرائهم الضحلة.. يعشقون الكلام عن الفقر والعدالة الاجتماعية ومعظمهم يلبس أفخر الثياب ويركب أفخم السيارات. ولعشاق الكلام أهدي إليكم بعضا من كلمات السادات التي قالها بعد انتصار أكتوبر وهي كلمات خالدة والتي لا يحب أن يتذكرها البعض بل علي العكس يجلسون ويفكرون لاختيار بعض من أسوأ كلمات السادات. "ربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى، ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، ومرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه.. وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة فى فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء". نعم يا سادات صدقت لقد جاء اليوم لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل أنك أنت القيادة السياسية المخططة لانتصار أكتوبر وأنك أنت الذي أديت دورك وانتصرت وأعدت الأرض بعد أن ساد الظلام. [email protected] تويتر :| @astantawi المزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى