أعتقد أن أسوأ ما في أطروحات الإصلاح الاقتصادي المصنوعة خارجيا ويجري الترويج لها بقوة منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي قبل نحو عامين. ليس فقط ما يتعلق بتصادم معظم هذه الأطروحات - من ناحية المبدأ - مع ما تتطلبه الديمقراطية من حرية الاختيار الذاتي ورفض سياسات الإملاء مهما تكن صحتها ومشروعيتها وإنما يتعلق أساسا بالتعامي عن رؤية الواقع وتجاهل نفسية وثقافة شعوب منطقتنا العربية. بل إن الأشد سوءا في هذه الأطروحات أن أغلبها يجيء علي شكل روشتات علاج تحتاج إلي أدوية لا يقدر المريض علي ابتلاعها دفعة واحدة فضلا عن أن الأطباء الذين يكتبون هذه الروشتات لم يكلفوا أنفسهم عناء الاستفسار عما إذا كانت هذه الأدوية تلائم المريض أم لا وهل سيترتب عليها آثار جانبية خطيرة أم لا ؟! بوضوح شديد أقول: إن محاولات إغراء دول المنطقة بقروض الصندوق الدولي كمدخل لفرض شروط اجتماعية واقتصادية عالية التكلفة يمثل تجاهلا لوجود فجوة زمنية بين خطوات التطور الاجتماعي والإجراءات المطلوبة لإنجاز التطور الاقتصادي وذلك أمر يفرز تلقائيا حيزا واسعا من الرفض الاجتماعي الذي قد يصل إلي حد المقاومة في القبول باستحقاقات الإصلاح الاقتصادي خصوصا في المجتمعات التي تحمل إرثا طويلا من ثقافة الاتكال علي الدولة. ومعني ذلك أن أي تحول فجائي من ثقافة الدعم إلي ثقافة سعر السوق قد يمثل قفزة غير مأمونة وبالتالي ربما يكون من الأفضل سياسيا والأفيد اجتماعيا مراعاة التدرج في خطوات التحول الاقتصادي تحت مظلة الاطمئنان لرسوخ الأمن والاستقرار. هكذا ينبغي أن نقرأ الأحداث بغير مبالغة تؤدي إلي رهانات خاطئة ودون تهوين يحجب عن عيوننا رؤية الحقيقة بكل أبعادها!
خير الكلام: الحياة مثل وردة جميلة.. والمظالم أسوأ أشواكها! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله