مراجعة الخريطة الحزبية(1) أعتقد أن الخطوة التاريخية التي خطتها مصر مؤخرا بإطلاق حرية إنشاء الأحزاب ينبغي أن يستتبعها وعلي وجه السرعة خطوة أخري تتمثل في إجراء تقويم عادل ونزيه للتجربة الحزبية قبل ثورة25 يناير. لتحديد الأسباب التي أدت إلي تراجع وجود أحزاب المعارضة في الخارطة السياسية مما دعا البعض إلي تسميتها بأحزاب الديكور الكرتونية. وبصرف النظر عن حجم المعوقات التي عطلت نمو ورسوخ هذه الأحزاب فإن المسئولية الكبري تقع في المقام الأول علي عاتق أغلب هذه الأحزاب- باستثناء حزبين أو ثلاثة علي الأكثر- لأن هذه الأحزاب ولدت بقرارات إدارية وافتقرت منذ البداية إلي وجود قواعد جماهيرية تفتح لها قنوات التواصل مع الرأي العام لجذب واكتساب الأنصار والمؤيدين واكتشاف القيادات والكوادر المطلوبة للعمل السياسي. وربما يكون عدم توافر الموارد المالية سببا في عدم القدرة علي الانتشار وربما يكون عدم وجود مقار دائمة لهذه الأحزاب في أغلب المحافظات سببا آخر ولكن السبب الحقيقي هو أن أغلب هذه الأحزاب لم تستطع أن تجذب لنفسها تيارات وقوي اجتماعية لها خصوصيتها الثقافية المتميزة وامتداداتها الجماهيرية المؤثرة علي طول البلاد وعرضها. إن من غير المعقول أن تظل معظم الأحزاب المصرية طوال هذه السنوات بعيدة عن الحد الأدني من ضرورات ومقومات امتلاك القدرة التنافسية التي تمكنها من أن يكون لها وجود داخل البرلمان. ومعني ذلك أن المسألة ليست فقط نقصا في الموارد المالية أو عجزا عن توفير المقار الحزبية أو حتي انعكاسا فقط لخلل ظاهر في البناء الداخلي لهذه الأحزاب وإنما يرجع السبب الرئيسي لانقطاع الصلة بينها وبين رجل الشارع الذي لا يري فيها الحلم والأمل في إمكانية التفاعل مع مشاكله بينما كل حزب يبدو غارقا في مشاكله الذاتية المتمثلة في صراعات وانشقاقات لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بمصالح الجماهير بسبب الصراعات الداخلية حول المناصب والمواقع. إننا علي بدايات مرحلة جديدة تستوجب أول ما تستوجب تغييرا حقيقيا في الثقافة السياسية يتوازي مع مراجعة ضرورية وجذرية للخريطة الحزبية وسبل تصحيح المعادلة السياسية والحزبية في المرحلة المقبلة من خلال رؤية سياسية جديدة تسمح بإنجاز التطور المنشود الذي يدعم وجود الأحزاب وقدرتها علي الإسهام الجاد في عملية التحول الديمقراطي الذي يجعل من التعددية الحزبية مسألة حقيقية وملموسة علي أرض الواقع وليس مجرد مظهر شكلي للتعددية. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لا تحقرن صغيرة.. إن الجبال من الحصي! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله