محمد عيسي الشرقاوي : صحفية شجاعة كرست جهدها لكشف الحقيقة. ولكنها ارتطمت بسيل جارف من التهديدات, وانذارات بالموت. فلما لم تجزع وتتراجع, دبروا عملية لاغتيالها واطلقوا عليها الرصاص في مدخل عمارتها. ووضعوا إلي جانب جثمانها مسدسا وأربع رصاصات, فيما يشير إلي أنهم قتلة روس مأجورين. وهكذا ماتت أبرع كاتبة صحفية روسية عام2006 وكانت آنا بولتسكافايا من المعارضين لنظام فاديمير بوتين. وتميط اللثام في تحقيقاتها عن وحشية حربه في الشيشان ونشرت عام2004 كتابا بالانجليزية تحت عنوان روسيا في ظل حكم بوتين وحذرت فيه من محاولته تأسيس نظام شمولي علي غرار نظام الطاغية السوفيتي ستالين. ولم تكن آنا وحدها التي اغتالتها رصاصات القتلة. فقد قتلوا قبلها صحفيين وصحفيات من المعارضين لبوتين. وقد حامت حوله الشبهات, خاصة ان اغتيال آنا تم في ذكري عيد ميلاده. وقال نفر من القوم ان القتلة ارادوا ان يقدموا اليه هدية في عيد الميلاد. وتلك كانت مجرد تكهنات. فقد انتهت التحقيقات إلي أن القاتل لايزال مجهولا, ومطلق السراح حتي الآن. ويبدو ان اغتيال الصحفيين المعارضين, دفع صحفية شجاعة أخري هي ماشا جيسين إلي توخي الحذر. وانسحبت إلي صفحات مجلة علمية, عندما واتتها فرصة رئاسة تحريرها. وكانت ماشا قد جاهرت بمعارضتها العاصفة ونشرت كتابا سمته رجل بلا وجه تناولت فيه سيرة بوتين وسياساته, وتقول انها أمضت سنوات في دراسة شخصيته. وأمعنت النظر في حواراته وخطبه وتصريحاته واتضح انه سطحي ورمادي. غير أن ماشا لم تنعم طويلا في استراحة المحارب. فقد استبدبها القلق ذات يوم عندما داهمت سطوة بوتين مجلتها العلمية. فقد استحوذ عليها بقرار ضمها للجمعية الجغرافية التي يتولي مجلس إدارتها وكان ينفذ مخططا لتلميع صورته السياسية باعتباره حامي حمي البيئة. وأيقنت ماشا ان أيامها في المجلة باتت معدودة. وأدركت ان وقت إقالتها قد حان. وكان ذلك عندما طلبت منها إدارة بوتين أن توفد صحفيا لتغطية مغامرة جديدة لبوتين لحماية طيور الكركي في سيبيريا من الانقراض. ورفضت ماشا الطلب وتم فصلها علي الفور.. ولم تغضب وانثال عليها شعور مريح, لعل مصدره انها قالت لا وكان موقفها له ما يبرره. فقد كانت تدرك ان رحلات بوتين لحماية البيئة مجرد رحلات استعراضية. وتوضح أن بوتين عندما ظهر عام2008 علي شاشات التليفزيون وهو ينقذ نمرا بريا في سيبيريا كان الأمر خدعة ذلك ان النمر كان قد تم اقتياده من حديقة حيوانات وحقنه بمخدر قوي قبل ان يقترب منه وهكذا كان الحال عام2010 مع دب تم اصطياده, وحقنه بمخدر قبل ان يقترب منه بوتين. وبعد أيام قليلة من فصلها تلقت ماشا مكالمة تليفونية وكان المتحدث بوتين وطلب منها ان يلتقيا معا في مكتبه بالكرملين وتم اللقاء بعد نحو أسبوع ولم تتردد في اطلاع بوتين علي سبب رفضها لطلبه. وواجهته بخدعة النمر والدب. وقد ادهشها انه لم ينكر تخديرهما. واستطردت ماشا قائلة له في نبرة انتقادية ان مشروع حماية البيئة مشروع جيد لكن الأمور تمضي في الاتجاه الخاطيء واوضحت ان شخصيتك أصبحت أكثر أهمية من القضية وتجاهل ما قالت وفاجأها بان طلب منها ان تعود إلي رئاسة تحرير المجلة. ولكنها تريثت ولم تعلن موافقتها وعندئذ انهي بوتين اللقاء علي ان تتم مناقشة الأمر في لقاء آخر. وهنا تقول ماشا: لقذ كانت هذه هي المرة الأولي التي أري فيها بوتين وجها لوجه وعللت ذلك بانها كصحفية معارضة تكتب في السياسة كانت مدرجة في القائمة السوداء, وكان محظور عليها المشاركة في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها بوتين. وتشير إلي أن اللقاء مع بوتين لم يغير فكرتها عنه والتي سطرتها في كتابها وجل بلا وجه. وبدت قلقة وهي تقول هذا الشخص يتولي شئون البلاد. وبينما كانت يهددها كانت أكبر مظاهرات احتجاجية ضد بوتين, مند مظاهرات ديسمبر2011, تجوب شوارع موسكو. ان ماشا وأقرانها من الصحفيين يكتبون بجسارتهم فصلا جديدا رائعا عن الحرية والصحافة. ان الصحافة لايصنع تألقها من يتدثرون بعباءة السلطة, وإنما عشاق الوطن والحرية.