وسط حالة من التأييد والاعتراض من جانب البعض، بشأن كوتة المرأة والشباب وذوى الإعاقة، وغيرهم من الفئات التى تضمنتها مقترحات تعديل الدستور، بدعوى مخالفة ذلك لمبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المساواة، أو تمييز هذه الفئات عن فئات أخري، وهنا نتساءل: هل نظام الكوتة يعد تمييزا مهنيا عنه دستوريا فى ظل المادة 53 من الدستور المصرى لسنة 2014 ، والتى أكدت مبدأ المساواة وعدم التمييز بين المواطنين لأى سبب؟. وللإجابة على هذا السؤال نشير إلى أن صور التمييز المجافية للدستور قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو حتى استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور لمواطنى الدولة، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل آثارها بما يحول دون مباشرتها بين المؤهلين للانتفاع بها. ذلك أن المشرع له أن يخص طائفة من طوائف المجتمع بتمييز ايجابى طالما قدر أن هذه الطائفة تستأهل ذلك، خاصة أن مبدأ المساواة ليس مبدأ تلقينيا جامدا منافيا للضرورات والاعتبارات العملية، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء، فمن حق المشرع دستوريا كان أم عاديا أن يفرض تغايرا فى المعاملة مبررا ذلك بفروق منطقية، وبهذه المعانى تواترت أحكام القضاء الدستوري. وبناء على ذلك، فحينما يتجه المشرع الدستورى إلى تخصيص كوتة فى مجلس النواب للمرأة والمعاقين والأقباط والشباب فإن ذلك لا يعد تصادما مع المادة 53 من الدستور الناهية عن التمييز، ولأنه يلزم مراعاة أن نصوص الدستور كلها تشكل نسيجا مترابطا وكلا لا يتجزأ، ومن هنا فلا يجوز عزل مادة من مواد الدستور عن باقى مواده. وما يؤكد وجهة نظرنا أن الدستور نفسه أقر كوتة للعمال والفلاحين والشباب والمسيحيين والمعاقين والمصريين المقيمين فى الخارج (المادتان 243 ، 244 من الدستور) ، كما أن المادة 180 من الدستور نفسه أقرت أيضا نظام الكوتة فى المجالس المحلية، حيث أوجبت أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمسة وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد، وان تتضمن تلك النسب تمثيلا مناسبا للمسيحيين وذوى الإعاقة. كما أقرت المادة 81 من الدستور ذاته تمييزا ايجابيا للمعاقين وبالبناء على هذا النص صدر القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة ، كما خصصت المادة 12 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 نسبة 5% من مجموع الوظائف للمعاقين. وبالتالى فإن نظام الكوته المستند إلى مبررات واقعية لا يعد تمييزاً مهنياً عنه دستوريا، ثم إنه حينما يقرر المشرع دعما للفقراء والمحتاجين، وحينما يتجه المشرع تشجيعا للاستثمار إلى منح حوافز للمستثمرين فإن ذلك ليس تميزا مجافى للدستور. إن الكوتة فى الدساتير هى نسبة عددية تخصص لفئة أو أخرى من مواطنى الدولة فى المجالس النيابية لأسباب عدة منها، التحيز للجنس، حيث يتجه الرجال فى مجتمع ما إلى انتخاب الرجال دون النساء، وأحيانا يصل التميز إلى درجة أن بعضا من النساء ينحزن ايضا للرجال، ولذلك فإن تعدد المسئوليات والمهام الاجتماعية للنساء، يعد مبررا لإقرار الكوتة النسائية فى الدساتير، كما أن عدم القدرة المالية لدى الشباب والمعاقين، تعد أيضا من أسباب إقرار كوتة لهذه الفئات. وأخيرا نشير إلى أن الدساتير اتجهت إلى الاهتمام بالمرأة فجاء نص المادة 11 من الدستور المصرى الصادر سنة 2014 مؤكدا ان تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية ،كما أن الدستور الفرنسى اتجه ذات الوجهة حيث نصت مادته الأولى على أن يشجع القانون تساوى النساء والرجال فى المناصب النيابية، كما أن الدستور المغربى الصادر سنة 2011 أكد فى الفصل 19 منه أن تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. أستاذ القانون الدستورى بجامعة المنصورة لمزيد من مقالات د. صلاح الدين فوزى