ما يشغل الإنسان به عمره؛ يضيف إليه أو يخصم منه؛ ولا شيء يضيف للإنسان كالإبداع الذى يضاعف الأعمار، ويمنح صاحبه حيوات أخرى بعد موته. ومن هؤلاء فيكتور هوجو الشاعر والروائى والكاتب المسرحى الفرنسى، وكيف لا؟ وهو القائل: «على الرغم من أن الحياة قصيرة فإننا نجعلها أقصر بتضييع الأوقات دون أدنى مبالاة». استفاد هوجو من عمره وملأه بالإبداعات؛ وكان «مرآة» لعصره اجتماعيا وسياسيا، وأثرى الأدب العالمى بأعمال خالدة. ولد هوجو فى 26 فبراير 1802 وعاش حتى 22مايو 1885، وما بينهما كانت حياته ثرية؛ فدرس الحقوق ولم يعمل بالمحاماة، كما درس الأدب اللاتينى ، وأصدر أول دواوينه وهو ابن التاسعة عشرة، وفى الحادية والعشرين أصدر أولى رواياته. من دواوينه : تأملات، أسطورة العصور، ومن مسرحياته ورواياته: مجنون كرومويل، من أوراق شجر الخريف، الملك يتسلى، الأصوات الداخلية، الأشعة والظلال، عمال البحر، أغانى الشعب والخشب، الرجل الذى يضحك والعام الرهيب، وكان رساما يجيد الرسم.. وضعت صورته على الفرنك الفرنسي، وترجمت أعماله لمعظم لغات العالم، وتحولت لأفلام ومسلسلات تليفزيونية ومسرحيات. تعرض لمآس بحياته وقاومها ولم ينهزم، وكان مثالا لمقولته الرائعة: كن قويُا لأجلك، فالحياة تهلك الضعفاء دائمًا. عانى هوجو المشكلات بين والديه قبل انفصالهما، واضطر للعيش مع والدته رغم اختلافهما سياسيا حتى انفصل عنها، ثم توفى بعض أولاده، كتب ديوانا أطلق عليه اسم «أولادى»، ثم غير الاسم ليصبح «تأملات»؛ تأرجحت قصائده بين الوجع واليقين بحتمية التماسك، وكان تجسيدا لحكمته الصادقة: الألم ثمرة، والله لا يضع ثمارا على غصن ضعيف لا يقدر على حملها. كما ماتت زوجته وصديقة طفولته، واضطر لترك فرنسا وللعيش بالمنفى، وكان صلبًا ويرفض الانهيار، وعندما كان يعانى «فرار» الإبداع كان ينعزل عن الناس ويجبر نفسه على الكتابة وكيف لا يفعل؟ وهو القائل: سر العبقرية هو أن تحمل روح الطفولة إلى الشيخوخة مما يعنى عدم فقدان الحماس أبدا. شارك بالحرب الفرنسية البروسية، ونفى خارج فرنسا 15عاما، ثم عاد لباريس واحتل مكانته كأديب فرنسا الأول، وانخرط بالحياة السياسية، وانتخب عدة مرات فى مجلس العموم ثم بمجلس الشيوخ، وكان يردد: لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء، وتنبه لأهمية التعليم فى بناء الإنسان وحماية المجتمع، وقال: من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن.. لا يذكر هوجو إلا ويقترن اسمه ب «البؤساء» و«أحدب نوتردام». استغرق فى كتابة البؤساء بعد وفاة ابنته، وكتبها بالمنفى وكان عمره 60عاما ، وترجمت على الفور إلى تسع لغات، وكتب فى مقدمتها: «فطالما توجد لا مبالاة وفقر على الأرض؛ كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائما». تتناول رواية «البؤساء» الخير والشر والعدالة والأخلاق فى فرنسا فى القرن التاسع عشر، وتقدم تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية، وتأثير حروب نابليون، وتحكى قصة رجل أمى بسيط سرق رغيفا من الخبز لإطعام أطفال أخته السبعة، ولم يرأف به القاضى وحكم عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، وأنهكه السجن فهرب ، وقبض عليه وحوكم مجددا، وأضيفت سنوات جديدة لسجنه، ثم هرب ثانية وقبض عليه، وصدر عليه حكم جديد، وكرر الهرب حتى أصبح مطالبا بالسجن تسعة عشر عاما بسبب سرقة رغيف، وبعد انتهاء حبسه خرج للحياة، بعد أن التهمه اليأس والبؤس، ودفع أثمانا باهظة لقاء جرم بسيط، وتعرض لسوء المعاملة من المجتمع لسابقة سجنه، فزادت رغبته بعقاب المجتمع، وتعرض لظلم دخل على إثره السجن وهو بريء، ثم هرب وعاش مطاردا بقية عمره. أما رائعته «أحدب نوتردام» فتوضح أن قبح المظهر قد يخفى جمال الروح ونقاء القلب، وهو الجمال الحقيقى للإنسان من خلال قارع أجراس كاتدرائية نوتردام، صاحب الوجه القبيح والقلب الجميل، وكيف عانى طيلة عمره ظلم الناس له لقبحه، وأحب امرأة جميلة احترمت إنسانيته، ولم تسخر كالآخرين منه لإعاقته، ولمظهره، ويظهر هوجو فى رائعته كيف تمتع الأحدب بصفات جميلة لم يقترب منها الساخرون منه.