* إغلاق خليج العقبة وسحب قوات الطوارئ الدولية وارتباك القرار.. أبرز الأسباب * صادق: معلومات «خاطئة» عن حشود إسرائيلية على الحدود السورية تفجر الأوضاع بالمنطقة * عبد الناصر توقع العدوان الإسرائيلى 5 يونيو وطلب عدم الهجوم وانتظار «الضربة الأولى»
* قواتنا فى سيناء كانت قادرة على الصمود والقتال قبل «قرار الانسحاب» * عامر وبدران فوجئا بإعلان عبدالناصر التخلى عن السلطة لصالح زكريا محيى الدين * طائرتا عامر والشافعى تمنعان «الدفاع الجوى» من الرد على الغارات الإسرائيلية * المشير أصدر قرارا بالانسحاب من سيناء.. وحاول إلغاءه بعد «فوات الأوان»
قضى الفريق أول محمد صادق الفترة بين عامى 1963 و1965 فى ألمانياالغربية ملحقا حربيا لمصر، نجح فى تكوين شبكة من العلاقات مع العسكريين هناك من مختلف الأسلحة، ولم ينس التواصل مع الطلبة المصريين، والجالية المصرية. كان المصريون فى الخارج يبحثون عن المعلومات التى تنقصهم عن أحداث كثيرة، وحرص على أن يطلعهم على الحقائق، وكان ذلك من أهم عوامل الثقة التى ربطت بينهم، ونهج الأسلوب نفسه مع الألمان. تجمعت لديه خيوط أول صفقة أسلحة ألمانية لإسرائيل، وأعد خطة جريئة لإحباطها بعد أن أوهم مصادر معلوماته بأن مصر على علم تام بتفاصيل الصفقة، وأسرار العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل، والضغوط التى تمارسها الولاياتالمتحدة لتزويد إسرائيل بهذه الصفقة، وكذلك الضغوط التى تمارسها إسرائيل لابتزاز ألمانيا عسكريا وماليا واقتصاديا بحجة «التكفير» عن «الهولوكوست». طلب لقاء عاجلا مع مدير المخابرات الألمانية، وأخبره أنه تسلم رسالة من القاهرة تستفسر عن صفقة الأسلحة الألمانية الإسرائيلية التى تضم دبابات ومدافع وسيارات وغواصات وزوارق. صُعق الرجل من هذه المعلومات، وطلب من صادق محاولة تهدئة الموقف. كما التقى صادق وزير الدفاع الألمانى، وأبلغه أن الرئيس عبدالناصر مستاء للغاية من الموقف الألمانى، ويريد ردا واضحا. وأخبر المسئول الألمانى أن مصر ستتخذ موقفا تجاه ألمانيا، وسيكون ذلك الموقف نتيجة للمعلومات الخاصة بهذه الصفقة. جرت محاولات عديدة للمساومة على تهدئة الموقف، ومنع مصر من اتخاذ موقف متشدد، ووصل الأمر إلى عرض ألمانيا دفع 70 مليون مارك لمصر، مقابل ألا يعلن عبدالناصر قطع العلاقات مع ألمانياالغربية. وأدارت مصر حملة إعلامية وسياسية واسعة ضد ألمانيا ودورها فى مساندة إسرائيل عسكريا، وأسفرت الحملة عن تجميد الصفقة. أما الإنجاز الثانى المهم لصادق فى ألمانياالغربية فقد تمثل فى تهريب قائد نازى كبير إلى مصر، بعد أن أودعته السلطات الألمانية السجن رهن المحاكمة، مقابل حقائب من الوثائق عن اليهود والصهيونية وإسرائيل. وفى الوقت نفسه نجح صادق فى الكشف عن الوجه الحقيقى لقيادات جماعة الإخوان فى ألمانيا. ففى مؤتمر صحفى حضره عدد كبير من المصريين الموجودين بألمانيا فضحت زوجة قيادى إخوانى «العلاقات النسائية» لقيادات الجماعة. كانت هذه المرة الأولى التى يتعرف فيها الطلبة المصريون فى ألمانيا على الصورة الحقيقية لزعامات إخوانية، الأمر الذى أدى إلى تراجع النشاط الإخوانى بين الطلبة والجالية المصرية هناك. لم يمر عامان على عودة صادق من ألمانيا حتى وقعت «نكسة يونيو 1967» الذى يتناولها فى هذه الحلقة من مذكراته المهمة. الحقائق تجزم بأن قواتنا المسلحة الباسلة «بريئة» تماما من نكسة 1967. حين توليت إدارة المخابرات الحربية فى نهاية عام 1966، شرعت مع بعض القادة والضباط الأكفاء الذين اخترتهم لمعاونتى فى تكوين عدة خلايا من أبناء سيناء للعمل داخل إسرائيل للحصول على معلومات. وكانت تلك الخطوة من أولى الخطوات التى أقدمت عليها لتطوير الجهاز وزيادة فاعليته، وقد أتت بعد أن تعرفت على النقص الواضح فى المعلومات المتوافرة بالإدارة عن العدو. وهذه المجموعة من أبناء سيناء تم تدريبها بشكل جيد لتتمكن من إنجاز المهام التى ستكلف بها. وكان الهدف المخطط لعناصر هذه المجموعة، الحصول على معلومات محددة يجرى تكليفهم بها وفقا لاحتياجات الإدارة لاستكمال النقص فى المعلومات عن العدو. قصة الحشود «الوهمية» وانفجر الموقف فجأة بعد أن أبلغ الروس عبدالناصر بأخبار الحشود الإسرائيلية على الحدود السورية، وعندما أمرت عناصر مختارة ومدربة بالتوجه إلى الحدود الإسرائيلية السورية عبر إسرائيل للتأكد من صحة هذه المعلومات، كنت أتوقع النتيجة التى عادوا بها، وهى أنه لا صحة لهذه المعلومات. وقد كتبت تقريرا بهذه النتيجة لكل من المشير عامر وشمس بدران وزير الحربية، كما أطلعت عبدالناصر على هذه المعلومات. وبعد عودة الفريق أول فوزى رئيس الأركان من سوريا وتأكده من عدم وجود أى حشود إسرائيلية على الحدود السورية، كنت أتوقع أن تخف درجة حرارة الأزمة، ولكن القيادة المصرية واصلت اندفاعها على طريق التصاعد بالأزمة، ودونما اعتبار لتوزع القوات المسلحة بين مصر واليمن وما هو قائم من عدم اتزان استراتيجى فى أوضاع القوات المسلحة أو للخطة الدفاعية «قاهر» التى صدق عليها عبد الناصر فى نوفمبر 1966 بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة أو حتى للظروف الدولية والإقليمية والمحلية غير المواتية. كان من الضرورى أن تراعى القيادة السياسية احتمال إقدام إسرائيل على خوض تجربة الحرب خاصة وهى تعلم يقينا حقيقة الأوضاع المصرية المناسبة لها تماما، وتأكدها أنها لن تجد ظروفا دولية أو إقليمية أفضل من تلك الظروف لتحقيق انتصار عسكرى وسياسى سهل على القوات المصرية والنظام السياسى المصرى. وأعتقد أن عبدالناصر بكل خبرته وسعة أفقه وذكائه لم يكن لتغيب عنه هذه الحقائق، ولم يكن بغافل عن أن إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية إنما يمثل إعلانا للحرب على إسرائيل بجانب كونه تغييرا لأمر واقع بالقوة، وهو مالا يمكن أن تقبل به إسرائيل بسهولة. وستظل علامات الاستفهام المحيطة بهذه الفترة بدون إجابات مقنعة. أسباب تدهور الأوضاع بعد أن أصدر عبدالناصر أمرا بحشد القوات المسلحة فى سيناء اعتبارا من يوم 15 مايو 1967 أقدم على خطوة رئيسية تالية ساعدت على تدهور الأوضاع فيما بعد وقادت إلى اندلاع معركة يونيو، فقد طلب سحب قوات الطوارئ الدولية المتمركزة على حدودنا الشرقية فقط. وكان بعض العرب «الثوريون والرجعيون» يهاجمون عبدالناصر من هذه النقطة ويتهمونه بأنه يحتمى خلف قوات الطوارئ الدولية، كما أن المشير عامر خلال زيارته لباكستان أرسل برقية مفتوحة يطلب فيها من عبدالناصر سحب قوات الطوارئ الدولية. ورأى عبدالناصر أن بدء عملية الحشد العسكرى فرصة ملائمة لسحب هذه القوات، ولإنجاز هذه المهمة أرسل الفريق فوزى رئيس الأركان خطابا إلى الجنرال «ريكى» قائد قوات الطوارئ الدولية لسحب قواته يوم 16 مايو أى فى اليوم التالى لعملية الحشد. وكنت وأنا أبدى اعتراضى على الحشد العسكرى فى ظل هذه الظروف لا أجد من بين القادة من يدعم موقفى. لقد وجدت من يعترض على انتظار الضربة الأولى وفى مقدمتهم الفريق أول محمد صدقى محمود قائد القوات الجوية، ولكن أحدا لم يعترض على أمر الحشد العسكرى فى سيناء. انتظار الضربة الإسرائيلية وفى اجتماع القادة برئاسة عبدالناصر يوم 2 يونيو 1967قدمت تقريرا مزودا بخريطة تبين توزيع القوات الإسرائيلية، وجاء فيه أن العدو يستطيع بدء الهجوم فجر 3 يونيو أى بعد ساعات، أو فجر 4 يونيو على الأكثر. وعلق عبدالناصر بصوت مسموع وهو يقرأ التقرير قائلا: المرجح أن إسرائيل ستهجم 5 يونيو ، ثم طالب بتقوية الدفاعات المصرية فى منطقة رفح لمواجهة تجمع ضخم للعدو عند مثلث رفح العريش أبوعجيلة. وفى هذا الاجتماع طالب عبدالناصر بانتظار الضربة الأولى، بعدها توجه القوات المسلحة ضربتها، وقال إنه لا يريد أن يخاطر بالاصطدام مع الولاياتالمتحدة إذا ما قامت مصر بالضربة الأولى. وقد اعترض صدقى محمود على انتظار الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى، ليقوم وقواته بالضربة الثانية، ودار نقاش حول نتائج هذه الضربة الإسرائيلية، وأن مصر والقوات المسلحة والقوات الجوية لن تتحمل هذه الضربة. وفى ذلك الوقت كانت القوات الجوية المصرية تعانى قلة المطارات وتخلف طائراتها بمسافات كبيرة عن طائرات العدو، وتخلف تسليحها أيضا، بالإضافة إلى قلة عدد الطيارين والأطقم المعاونة من المهندسين والفنيين. وكانت هذه الصورة شديدة الوضوح أمام جميع القادة خاصة قادة القوات الجوية، فقد دارت معركتان جويتان فى ديسمبر عام 1966 بين مقاتلات مصرية ومقاتلات إسرائيلية، ولم يذع عن المعركتين أى شىء، وظلتا من الأسرار بالنسبة للمصريين على الأقل. فى المعركة الأولى قاد المقاتلات المصرية طيارون مصريون، أما فى الثانية فقد قاد المقاتلات طيارون سوفيت، وأسفرت المعركتان عن خسارة كاملة للطيارين والطائرات، وأوضحت هذه النتيجة تفوق الطيارين الإسرائيليين، وتفوق المقاتلات الإسرائيلية، وكان هناك احتمال أن يكون الذين قادوا المقاتلات الإسرائيلية من الطيارين الأمريكيين المدربين جيدا، وأثبتت هاتان المعركتان الجويتان أن القوات الجوية لا تمتلك عناصر السيطرة الجوية فى تلك الفترة. وكان على القوات الجوية وهى فى تلك الحالة أن تتحمل نتيجة الضربة الأولى، وأن تكون مستعدة لتوجيه الضربة الثانية.. أما الدفاع الجوى، وكان تابعا لقيادة القوات الجوية فكان بعيدا عن أن يكون مستعدا أو مؤهلا لمواجهة القوات الجوية الإسرائيلية خلال توجيه ضربتها الأولى، وبالرغم من ذلك فقد بدأت الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران الدفاع الجوى مقيدة بسبب وجود طائرة المشير عامر فى الجو، حيث توجه إلى سيناء للاجتماع بالقادة وتفقد القوات فى نفس توقيت اندلاع النيران، كما كانت هناك طائرة أخرى تقل السيد حسين الشافعى ورئيس وزراء العراق والوفد المرافق فى طريقهم لزيارة الجبهة. ومعنى النيران مقيدة، أنها تلقت أمرا بعدم إطلاق نيران مدافعها على الطائرات أو الأهداف الموجودة بالجو، ولتلك الأسباب العديدة عندما نفذت إسرائيل ضربتها الجوية صباح يوم 5 يونيو كانت النتيجة الحتمية إنهيار وتدمير قواتنا الجوية على الأرض. ولم يتأخر الهجوم البرى، وكان يمكن للقوات الموجودة بسيناء أن تصمد وأن تقاتل بعد أن فقدت الغطاء الجوى، وأن تلحق بالقوات الإسرائيلية المهاجمة قدرا كبيرا وموجعا من الخسائر، وأن تحول بينها وبين تحقيق هذا الانتصار السهل إذا ظلت فى مواقعها ولم يصدر لها أمر بالانسحاب . عامر لصادق : امسك أعصابك بعد سماعى خبر الانسحاب بهذا المستوى، اتصلت تليفونيا بالمشير عامر مستفسرا عن الحقيقة، فأبلغنى أنه أصدر فعلا أمر انسحاب، فقلت له إنه انسحاب له خطورته على الرجال، وإن الجيش بهذا الأمر قد ضاع، وإن القوات بالجبهة ستواجه كارثة حتمية ومروعة. وظل المشير صامتا، فسألته، وأين هو الخط الذى ستنسحب إليه القوات وتتمسك به ؟ ولم يقل المشير أكثر من «امسك أعصابك .. إمسك أعصابك»، ثم قال إننى أعطيت أوامر لبعض الوحدات والتشكيلات لتقوم بهجوم مضاد، والفرقة رقم كذا ستبدأ هجوما مضادا، فسألته عما اذا كان يعلم أن قائد تلك الفرقة موجود فى الإسماعيلية الآن، وأنه قد وصل إليها منذ ساعات ؟ وعاد المشير ليطلب منى أن أمسك أعصابى .... أصدر المشير أمرا بالانسحاب لأكثر من 400كتيبة، وبعد أن وضعت سماعة التليفون اتصل بى المشير عامر بعد فترة وسألنى هل هناك إمكانية لإيقاف الانسحاب .. ؟ فأجبته: إننى شخصيا لا أستطيع أن أفعل شيئا، لأن القادة لا يأخذون أوامرهم منى أو من مكاتب ادارة المخابرات الحربية الأمامية. وطلبت منه أن يحاول عن طريق هيئة العمليات أو قادة سيناء المحليين لكى يوقفوا الانسحاب أو أن تتمسك القوات بخط المضايق على الأقل. واستدعى المشير عامر عددا من القادة ورئيس هيئة العمليات وكان الوقت قد تأخر لمعالجة الموقف كانت الصورة شديدة القتامة، فالطوابير الإسرائيلية المدرعة تتسابق للوصول إلى مداخل المضايق الثلاثة من اتجاه الشرق، وطابور آخر يتقدم على الطريق الساحلى ليغلق المضايق الثلاثة من ناحية الغرب. كانت الخطة شديدة الوضوح، فالطوابير الثلاثة تقوم بدور المطرقة، أما الطابور المتقدم على الطريق الساحلى فسيقوم بدور السندان، وما بين المطرقة والسندان خططوا للإجهاز على القوات الموجودة بالجبهة. وكانت القوات الجوية الإسرائيلية تمتلك السيطرة والسيادة التامة فوق مسرح العمليات وعلى الجانب الآخر كان الانهيار أوضح ما يكون خاصة بالمستويات القيادية، وقد بدأ الأمر بالتخبط وعدم وضوح الهدف، وتداخلت خطوط القيادتين السياسية والعسكرية، فالقيادة السياسية اندفعت على طريق الحرب بالرغم من كل التحذيرات، كما كانت صاحبة قرار إغلاق خليج العقبة، بعد أن طلبت وأصرت على سحب قوات الطوارئ الدولية، ورغم علمها أن هذا القرار يعنى الحرب، ثم واصلت التدخل للخروج على الخطة الدفاعية «قاهر» بإصرارها على تحريك قوات للدفاع عن غزة شمالا والكونتيلا جنوبا، مما أدى إلى تغيير أوضاع القوات الدفاعية بالجبهة، وفرض إجراء تحركات طوال الفترة التى سبقت الحرب، والأخطر أن معظم المستويات القيادية كانت تعمل وكأن الأمر مجرد مظاهرة عسكرية. وتأكد للقادة المجتمعين برئاسة المشير صعوبة إلغاء أمر الانسحاب أو حتى وقف انسحاب بعض القوات. عرقلة تقدم المطرقة وأمام تقدم القوات الإسرائيلية على الساحل الشمالى، طلبت من القيادة العامة أن تأمر بتحريك قوات بسرعة إلى الإسماعيلية ولو كانت عدة سرايا لايقاف تقدم هذه القوات لبعض الوقت وبما يسمح لقواتنا أو لجزء منها بإتمام انسحابها قبل أن تصل القوة المتقدمة لغلق المضايق من ناحية القناة ولتشكل السندان الذى خططت له القيادة الإسرائيلية حتى تواصل قوات المطرقة أداء دورها ولكى تضع القوات المنسحبة بين المطرقة والسندان. وتمكنت من توفير عدد من العربات المدرعة الموجودة للاستطلاع وجمعت قوة صغيرة من الضباط والصف والجنود تحت قيادة البطل إبراهيم الرفاعى، وتحركت هذه القوة من القاهرة إلى الإسماعيلية لتعبر القناة تحت ظروف الانسحاب ثم تتقدم على الطريق الساحلى باتجاه الشمال. وأبلغت المشير عامر بأننى أرسلت هذه القوة وأننى حددت لها المهمة، أن توقف تقدم العدو على المحور الساحلى لعدة ساعات. وفعلا اشتبكت القوة مع قوات العدو، وقد نفذ الرفاعى المهمة بنجاح، وعرقل تقدم القوات الإسرائيلية لمدة خمس ساعات . وفى مساء نفس اليوم 7 يونيو ، شكل الرائد محمود عادل قائد ثان مكتب مخابرات العريش بالتنسيق معى، قوة من المتطوعين الفلسطينيين واثنين من الضباط المصريين، أثناء وجوده بمكتب مخابرات الإسماعيلية، وعاد بهذه القوة إلى سيناء لعرقلة تقدم القوات الإسرائيلية على الطريق الساحلي. وقاموا بزرع ألغام على الطريق الاسفلتى فى عدة مناطق، بحيث يصعب على القوات المتقدمة تجنبها. وانطلقت صواريخ (شميل) المضادة للدبابات لتصيب عددا كبيراً منها مما أدى إلى توقفها. وبذلك تم إتاحة الوقت لانسحاب آلاف من القوات إلى غرب القناة. إعداد خطاب التنحى وكان الإعلان عن قبول وقف إطلاق النار يفتح الباب أمام الرأى العام لمعرفة بعض الحقيقة عن هذه الكارثة، حيث كان المواطنون فى مصر يعيشون أوهاما جميلة عن انتصارات عسكرية حققتها القوات المسلحة وخسائر عسكرية إسرائيلية كبيرة من الطائرات، فقد ظلت وسائل الاعلام تتابع إعلان هذه الأنباء السعيدة التى لا علاقة لها بالواقع. وفى نفس الوقت الذى أمر فيه عبدالناصر بتأمين الجبهة الداخلية والقوات المسلحة، طلب من الأستاذ هيكل رئيس تحرير «الأهرام» كتابة خطاب التنحى الذى كان من المقرر أن يلقيه مساء التاسع من يونيو بعد إعلان قبول مصر وقف إطلاق النار بيوم واحد. وكان واضحا من تصرفات عبدالناصر ومن الإجراءات التى أمر باتخاذها، عزمه على إنهاء هذه الازدواجية فى السلطة التى استمرت طويلا أيا كانت الوسيلة أو الطريقة التى تحقق له ذلك. وأعتقد أن الرئيس عبدالناصر كان بحاجة لتبرير هذه النكسة بقوله للرأى العام المصرى على الأقل إن مصر لم تكن تواجه إسرائيل وحدها، بل كانت تواجه قوى عظمى، لذا كانت الهزيمة. ولم تمض 24 ساعة على خطاب التنحى حتى تراجع عبدالناصر عن هذا القرار وهو يحمل تفويضا شعبيا جارفا بالاستمرار. وتابع المشير عامر وشمس بدران ومن معهما ما يجرى من أحداث، وأدرك الجميع مدى مهارة ودهاء عبدالناصر. كان عبدالناصر والمشير اتفقا على أن يتنحيا سويا ويتيحا الفرصة لقيادة أخرى لكى تجرب حظها، وأن يكون شمس بدران هو الشخصية المناسبة لخلافة عبدالناصر على كرسى الرئاسة، وعاش شمس بدران حلم المنصب وبدأ يستعد له بعد أن أصبح فى متناول يده، إلى أن سمعا الجزء الاخير من الخطاب و فوجئا بالرئيس يعلن تخليه عن السلطة لصالح زكريا محيى الدين، حينها أدركا بعض ما يدبره عبدالناصر . فى الحلقة الرابعة.. «الثلاثاء» المقبل السادات يواجه «مجموعة» فوزى وعلى صبرى الكل يتنصت.. ورئاسة الجمهورية تتحفظ على «التسجيلات»