عندما حاول المشير عامر الانتحار في بيت عبدالناصر بعد انكشاف مؤامرة الانقلاب ضد الرئيس بعد الهزيمة إن الحملة المقصودة التي تدعي أن المشير عبدالحكيم عامر قد مات مقتولا ولم يقدم علي الانتحار بشريط من سم الاكوانتين اللاصق تهدف إلي تشويه صورة الرئيس جمال عبدالناصر وإتهامه بقتل عامر بالسم بعد هزيمة يونيو 67 الكارثية التي تسبب فيها بقيادته الخاطئة.. ولعل الدليل علي ذلك ان عبدالناصر اراد إنقاذ عامر صديق العمر من الكارثة التي كانت تستوجب محاكمته بأن اعلن عن تحمل المسئولية عما حدث من الهزيمة.. وكل ما فعله أنه أقال المشير عامر من قيادةالقوات المسلحة، ورغم ذلك تمسك المشير بمنصبه وحاول الانقلاب عليه بعد ذلك.. وبينما تفرغ الرئيس عبدالناصر لاعادة بناء القوات المسلحة من خلال قيادة جديدة الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية والفريق عبدالمنعم رياض رئيس الأركان ولم يحاسب المشير علي تقصيره وإهماله في حماية الطيران المصري من الضربة الجوية الاسرائيلية وعدم إقامة ملاجئ خرسانية للطائرات.. وإعتمد علي شمس بدران والقيادات التي تمسك بها سنوات طويلة لأنها تدين بالولاء له.. وقد تحمل الرئيس جمال عبدالناصر الكثير من أخطاء عبدالحكيم عامر العسكرية والشخصية وذلك بسبب الضعف الانساني الذي كان يشعر به نحوه، ومثلا فشل الوحدة مع سوريا ووقوع الانفصال، فقد ترك عبدالناصر مسئولية الحكم في دمشق للمشير ورجاله ولم يعطي الاهتمام الواجب تجاه الأوضاع السائدة والحساسة في الجيش السوري وتصاعد الخلاف بين الضباط المصريين والقادة السوريين بعدما قام بنقل مجموعة من الضباط البعثيين إلي مصر في إطار الوحدة وكان من بينهم حافظ الأسد! وكان وقوع بين عامر وعبدالحميد السراج الذي كان عبدالناصر يثق فيه لأنه يؤمن الوضع الداخلي في سوريا من مؤامرات حزب البعث ضد الوحدة ، وقد عشت هذه الفترة العصيبة، وكان عامر يرفض إنفراد السراج بالمسئولية الأمنية والسيطرة علي جهاز المخابرات »المكتب الثاني« وتصاعد الخلاف إلي حد أن السراج قدم إستقالته إلي عبدالناصر ولم يستطع عامر ان يملأ الفراغ الأمني ووقع الانفصال وتم إبعاد عامر من دمشق وأصيب بصدمة بعد عودته إلي القاهرة و إعتكف في بيته لولا تدخل عبدالناصر وأقنعه بالعودة إلي القيادة العامة ! وترك المشير عامر معظم المسئولية لشمس بدران »العقيد مدير مكتبه« وبدرجة انه طلب من الرئيس تعيينه وزيرا للحربية لكي يتخفف من أعباء منصبه ويتفرغ لحياته الخاصة واضطر عبدالناصر لقبول ذلك بل وكان يضيف مسئوليات اخري سياسية إلي المشير بسبب ثقته فيه ورغم إستقالته الشهيرة التي قدمها إليه وإشترط عدة شروط للعدول عنها.. وصار المشير عامرهو نائب القائد الأعلي بالاضافة إلي منصب نائب الرئيس.. ولكنه لم يقدر هذه المسئوليات.. وتعرف علي برلنتي عبدالحميد الفنانة في عشاء خاص أقامه له صلاح نصر للترويح عنه بعد مسئوليته عن الانفصال وارتبط بها سرا بعلاقة خاصة من وراء ظهر عبدالناصر.. ولكن شعراوي جمعة وزير الداخلية علم بذلك من الأجهزة الأمنية التابعة له واضطر إلي إبلاغ الرئيس الذي غضب بشدة واستدعي المشير إلي بيته واستنكر علاقته مع برلنتي لأنها تسئ إلي وضعه في القوات المسلحة وإلي مسئولياته الأخري، ولم يستطع المشير إنكار هذه العلاقة مع فنانة وقال : أنها حياته الخاصة! وبمرور السنوات صار مكتب المشير مركز قوة ويتولاه الضباط غير المؤهلين والمقربون أمثال علي شفيق وغيره وإستغلوا نفوذهم في الكثير من التجاوزات، وبالتالي ساد عدم الانضباط في القيادات التي كان يختارها مدير مكتب المشير العقيد شمس بدران من دفعته حتي يضمن ولاءهم له.. ووقعت حرب اليمن وكانت سببا في استنزاف القوات المسلحة المصرية وتحولت إلي حرب عصابات مع القبائل في الجبال الوعرة وكانت بمثابة الفخ المنصوب للدبابات والمدرعات.. وان تلك الحرب أدت إلي إرسال وحدات عديدة إلي اليمن لمواجهة الموقف ولكن بلا جدوي وإستغلت إسرائيل ذلك في الخامس من يونيو 67 وشنت الهجوم علي سيناء لانشغال القوات المصرية بالقتال في اليمن ووقع عبدالناصر في الفخ الذي أطلقت عليه أمريكا »خطة إصطياد الديك الرومي« وبينما كان الجيش موزعا بين جبهتين وقيادة عبدالحكيم عامر غير مؤهلة لمواجهة الموقف.. مؤامرة الانقلاب ضد عبدالناصر لم يكن الرئيس عبدالناصر يتصور أن يصل الخلاف بينه وبين المشير عبدالحكيم عامر بعد هزيمة يونيو إلي حد أن يفكر عبدالحكيم في التآمر عليه ويخطط لإنقلاب عسكري ضده وحتي يعود إلي منصبه في القيادة العامة مرة اخري.. ولذلك عندما أبلغه سامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات.. بما وصل اليه من معلومات عن طريق ثلاث ضباط عاملين بالقوات المسلحة بما يدبره المشير بلاغ من عميد بالمدرعات وبلاغ من عقيد بالدفاع الجوي وبلاغ من ملازم طيار طلب منه أن يتحري الأمر بدقة وفي سرية وقال له: أنا لا أتصور هذا من حكيم »صديق العمر«! وكان ملخص المعلومات أن هناك مقابلات سرية للمشير عامر مع ضباط يجيئون إلي بيته في الجيزة بملابس مدينة وتتم في غرفة جانبية بحديقة البيت في الليل.. وبعدها تم إبلاغ شعراوي جمعة وزير الداخلية والفريق محمد فوزي القائد العام لأنه لم يكن لدي سامي شرف جهاز خاص للمراقبة، وكذا تم إبلاغ اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية أن هناك تطورات خطيراة من جانب المشير وتستدعي اليقظة التامة.. وتم سرا إستدعاء اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري لبحث موقف الضباط في الحرس وتأكد عدم وجود أي إرتباطات لهم بأشخاص مشكوك فيهم.. وكانت الخطوة التالية هي وضع أمين هويدي رئيس المخابرات العامة وقتها في الصورة..وأمر عبدالناصر بتشكيل لجنة خاصة من سامي شرف وشعراوي جمعة وأمين هويدي لتجميع وتقييم المعلومات وكانت في حالة إنعقاد دائم »ليل نهار« فقد كان الموقف أخطر مما يمكن السكوت عليه.. وتوالت المعلومات عن تردد بعض ضباط الصاعقة والمدرعات والمدفعية والطيران في منتصف الليل علي بيت المشير ودخولهم من أبواب جانبية ومن المشتل المجاور ولقاء عامر مع كل منهم علي انفراد حتي لا يثير الانتباه.. وبعد أسبوع بدأت المقابلات تتم في شقق خاصة في الزمالك وغيرها حتي لا تلفت الانظار وتم تأجير فيلا يملكها كبابجي في الدقي وتحيط بها أشجار عالية وفي شارع جانبي مواجه لبيت الجيزة.. وتوافرت المعلومات عن مؤامرة الانقلاب: اتصالات مع الضباط الموالين للمشير واستدعاء ميليشيات من بلدة عبدالحكيم عامر »أسطال« في المنيا إلي بيته فيلا الجيزة وتوزيع منشورات الاستقالة التي يهاجم فيها عبدالناصر وإعتصام شمس بدران وضباط آخرين في البيت ونقل الاسلحة التي كانت في بيت عامر في الحلمية إلي الجيزة وتحول البيت إلي ترسانة وتم ضبطها بعد ذلك بواسطة الشرطة العسكرية. وتم وضع خطة التحرك للإستلاء علي القيادة العامة وإعلان عودة المشير عامر إلي منصبه وتحديد إقامة الرئيس عبدالناصر في بيته في منشية البكري وتم ايضا توزيع الادوار علي الضباط المشاركين في امؤامرة حتي يمكن السيطرة علي وحدات الجيش.. وعندما إكتملت الصورة أمام الرئيس عبدالناصر كلف شعراوي جمعة وسامي شرف وأمين هويدي بوضع خطة لمواجهة الموقف وإفشال المؤامرة ولم يشأ أن يشرك الفريق فوزي والفريق عبدالمنعم رياض فيها حتي لا يحدث انقسام في القوات المسلحة في مرحلة إعادة البناء بعد الهزيمة.. وكانت مهمة صعبة وحساسة لأسباب تتعلق بعلاقة عبدالناصر وعبدالحكيم عامر.. ولكن كان لابد من حماية النظام ووضعت خطة أطلق عليها اسم كودي »جونسون« الرئيس الامريكي وقتها الذي يعادي عبدالناصر.. وتم حصار بيت المشير في الجيزة بينما تم إستدعاؤه لمقابلة عبدالناصر في بيته في منشية البكري، وحدثت المواجهة بحضور زكريا محيي الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وكان حديث عبدالناصر صريحا بعد هذه الصدمة وإنهار المشير عامر وحاول الانتحار وتم إنقاذه.. وحدث ما حدث وعاد عامر إلي بيته.. وتبين بعد ذلك أنه كان يضع شريطا لاصقا من سم الاكوانتين حول ساقه، ويبقي السؤال الغامض: من الذي وضع له السم في كوب عصير الجوافة بعد تحديد إقامته في إستراحة شارع الهرم؟!