عبدالناصر وعامر مسئولان عن هزيمة 67 وفي أعقاب الهزيمة، خرج عبدالناصر معلنا التنحي من منصبه، إلا أن المظاهرات عمت أرجاء البلاد مطالبة بعدم التنحي، وأصدر عبدالناصر بيانه الشهير في 30 مارس 1968 لمحاسبة المسئولين عن الهزيمة، فكان هذا البيان بداية لمرحلة جديدة في الصراع بين عامر وناصر، ليتم الإعلان في 14 من سبتمبر من العام نفسه عن وفاة عامر »منتحرا« بسبب الهزيمة، إلا أن كثيرا من المحللين رجحوا وفاته بالسم، لينتهي أول صراع »صامت« بين الرئيس والمشير دارت حلقاته داخل الأروقة المغلقة وعززت من غموضه علاقة ود وصداقة بين عامر وناصر. قبل أن ندخل إلي تفاصيل وفاة المشير عبدالحكيم عامر.. وهل مات منتحرا أم مقتولا.. دعونا نتوقف أولا عند الحدث الأهم والذي أدي إلي هذه النهاية للمشير عامر.. ألا وهو نكسة 67.. ودور الرئيس عبدالناصر في هزيمة حرب يونيو 67. لقد استفاد اليهود من حرب يونيو 67 استفادة كبيرة جدا علي يد الرئيس جمال عبدالناصر، وفي مجالات شتي مما لم يكن يخطر لهم علي بال، سواء في حينها أو بعدها وحتي الآن.. ويري الباحث والمحلل السياسي أحمد عبدالمجيد أن الإجراءات التي اتبعت في حرب يونيو 67 تكاد تكون متماثلة مع الإجراءات المتبعة في حرب 1956 مع اختلافات بسيطة في التفاصيل.. ومن ذلك: 1 - علم الرئيس عبدالناصر المسبق بوقوع الحرب: لقد ثبت أن الرئيس عبدالناصر كان علي دراية سابقة بوقوع الحرب.. وسنتكلم هنا بإيجاز عن ذلك، ثم دوره بناء علي هذا العلم في هذه الحرب، التي كان عند عبدالناصر معلومات كثيرة أكيدة ودقيقة عن قرب وقوع العدوان، وبصورة أوضح بكثير من حرب 1956.. نسوق منها: - وصول معلومات وتفصيلات عن استعداد إسرائيل العسكري للحرب، وتحديد 5 يونيو للهجوم علي مصر، وذلك عن طريق مندوب المخابرات المصرية المزروع في إسرائيل والمسمي »رأفت الهجان«. - إعطاء كولونيل فرنسي تفاصيل خطة الهجوم علي مصر وساعة وتاريخ الهجوم علي مصر للمفوض المصري بباريس »عز الدين شرف« الذي سافر للقاهرة لإبلاغ شقيقه »سامي شرف« مدير مكتب الرئيس، والذي قام بدوره بإبلاغ عبدالناصر بذلك في نفس اليوم. - جاء علي لسان الفريق أول محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية عام 1967 أنه في أحدالاجتماعات العسكرية التي عقدت برئاسة عبدالناصر في 2 يونيو 1967، أعلن فيه أن معلوماته التي حصل عليها شخصيا من مصادر دولية كبيرة كالهند تؤكد هجوم إسرائيل يوم 4 أو 5 يونيو.. وتقرير المخابرات أكد أن إسرائيل ستهجم يوم 5 يونيو. وقال عبدالناصر في هذا الاجتماع: »إن علينا ألا نبدأ بالهجوم ونتلقي الضربة الأولي وأن روسيا أكدت أن خسائرنا لن تزيد علي 15٪«. اعترافات عبدالناصر هذه المعلومات وغيرها وصلت إلي علم عبدالناصر، ويؤكد ذلك قوله في خطاب 23 يوليو 1967 والذي أشار فيه إلي اجتماعه بالقادة العسكريين الكبار بمبني القيادة العامة للقوات المسلحة.. حيث قال: »وقلت في هذا الاجتماع يوم 2 يونيو أنه لابد لنا أن نتوقع ضربة من العدو خلال 48 ساعة إلي 72 ساعة لا تتأخر عنها أبدا علي أساس ما كانت تشير إليه دلائل الحوادث والتطورات، وقلت أيضا في هذا الاجتماع: »إنني أتوقع أن يكون العدوان يوم الاثنين 5 يونيو، وأن الضربة الأولي ستوجه إلي قواتنا الجوية«.. وحدث ما تم ذكره تماما من ضرب القوات الجوية في التاريخ المذكور. 2 - استجابة عبدالناصر لنداء روسياوأمريكا وانتظار الضربة الأولي: قبل اندلاع حرب الأيام الستة عام 1967 طلب كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةالأمريكية من عبدالناصر ضبط النفس وعدم المبادأة بالعدوان، وقد استجاب عبدالناصر لذلك رغم علمه بتوقع الحرب، وانتظر الضربة الأولي، حتي وقعت دون أن يكون هناك أدني استعداد من جهته لذلك. يقول عبدالناصر في المؤتمر الصحفي يوم 28 مايو عام 1967: »مستنيين« (منتظرين) تاركين المبادأة لهم«! ولايفوت عبدالناصر أن ذلك خطة العسكرية الإسرائيلية أن تكون هي دائما البادئة، نظرا لوضعها وحجمها، إذ »إن فرصة إسرائيل الوحيدة في التغلب علي خصمها الذي يفوقها في العدد والعدة تكمن في أن تكون البادئة بالهجوم«. وأكد عبدالناصر في اجتماع القادة يوم 2 يونيو 1967 أن الوضع سيحل سلميا عن طريق أمريكاوروسيا، وسيرسل زكريا محيي الدين إلي أمريكا لذلك. ويقول محمد حسنين هيكل في مقاله »بصراحة«: »إن المواجهة المسلحة مع إسرائيل أصبحت واقعة لا محالة، ولكننا سننتظر الضربة الأولي منها، ونرد عليها بضربة ردع حاسمة«. أوامر عبدالناصر! 3 - الإجراءات العسكرية في المعركة: أهم ما نلاحظه في سير هذه المعركة هي أوامر عبدالناصر بتخفيض حمولة الطائرات من الذخيرة بنسبة 25 في المائة، والسماح لإجازات الطيارين بنسبة 15 في المائة، علي أن تنفذ هذه التعليمات اعتبارا من 5يونيو 1967! وزاد الأمر غرابة ووضع علامة استفهام كبيرة علي تصرف عبدالناصر هذا بالذات هو إصداره أمرا للمشير عبدالحكيم عامر ومعه طائرتان تحملان طاقم القيادة العسكرية بالكامل بالتوجه إلي سيناء، وإعطاء أوامر للدفاع الجوي بمنع التعرض لأي هدف طائر علي مستوي الجمهورية من الساعة الخامسة من صباح يوم 5 يونيو 1967. وبدأ الهجوم صباح هذا اليوم والطيران الإسرائيلي يسبح في سماء الأجواء المصرية بطلاقة وحرية، دون أن تتعرض له الصواريخ أو المدفعية المضادة للطائرات، تنفيذا للتعليمات الصادرة في اليوم السابق للعدوان. وقصفت الطائرات الإسرائيلية المطارات المصرية، والطائرات رابضة في ممراتها.. وفي خلال ساعات دمرت المطارات بنسبة 80 في المائة. فالأمر في الاستعداد لمعركة 1967 في منتهي الغرابة، وفي غاية الدهشة والفوضي والتسيب! ويقول الفريق أول محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية في عام 1967: »جريمة كبري ولايمكن أن أصفها بأقل من ذلك، تلك التي ارتكبوها في حق الشعب المصري وهم ينفذون مشروع التعبئة العامة لمعركة 5 يونيو 1967، عندما قاموا بكل الهزل بإرسال تشكيلات قوات الاحتياط بملابسهم المدنية إلي مسرح القتال دون أسلحة أو أغذية أو أدوية! بل بدون توفير مياه الشرب لهذه القوات.. أرسلوا مئات الدبابات دون وقود، ودون إبر ضرب النار إلي سيناء وأطقم دبابات (ث 34) يرسلونها إلي دبابات (ث 54) ودبابات جديدة خرجت من المخابرات بشحومها وبدون بطاريات أو ذخيرة، وبينها دبابات شيرمان الغربية التي حصلت عليها مصر سرا فبل الحرب بفترة قصيرة، تشكيلات برية دفعوا بها إلي سيناء، دون أن يكون لدي قادتها خرائط بمواقعهم، أو أوامر بواجباتهم القتالية! كما شحنوا إلي الجبهة وحدات الحرس الوطني دون مهام لها، فتحولوا إلي عبء خطير إداريا وقياديا وإنسانيا، ولم يرسلوا إليهم بكميات من الأغذية تكفي أسبوعا ولا حتي يوما واحدا ولا بمياه شرب ولا بالدواء تحسبا للأمراض المفاجئة، أعادوا والكلام مايزال للفريق أول محمد أحمد صادق قادة من الجبهة ودفعوا آخرين بدلا منهم علي مستوي التشكيلات الكبيرة والصغيرة كذلك دون أن يكون لهؤلاء القادة الجدد أدني فكرة عن تنظيم التشكيلات التي سيتولون قيادتها.. واستمر ذلك حتي نهار 4 يونيو.. وظلت مستودعات الذخيرة والبترول واحتياطات الغذاء الجافة متناثرة في جبهة سيناء كما تستلزم حالة السلم دون نقلها إلي مستودعات أخري، خشية التدمير أو السقوط في إيدي العدو الذي استخدمها وهو يزحف متقدما نحو الضفة الشرقية للقناة، وبين هذه المستودعات مخازن الذخيرة. 4 - انسحاب يونيو 1967: وصدرت أوامر الانسحاب الفوضوي غير المدروس، وبدون خطة، مما أربك القوات المصرية في صحراء سيناء المكشوفة، وأصبحت هدفا سهلا للطيران الإسرائيلي مما عرضها للإبادة، وتركها الأسلحة والمعدات والعربات ثم ملاذها بالفرار في اتجاه القناة والنجاة بنفسها. وبعد.. فقد كانت نتائج الحرب في 67 أن احتلت إسرائيل سيناء بأكملها حتي قناة السويس، هذا بخلاف مرتفعات الجولان السورية والقدس والضفة الغربية.. وإلي جانب الخسائر الباهظة في الحرب من ألوف القتلي والجرحي والأسري، ومئات الملايين ثمن المعدات والأسلحة المختلفة، والتجهيزات العسكرية والمدنية مما كان له أكبر الأثر علي اقتصاد مصر، فأدي بها إلي الخراب الذي وقع بها، فعانت ويلاته ومصاعبه.. ولاتزال تعانيه حتي اليوم.