شاهد عيان كان ضمن المجموعة التي توغلت في صحراء النقب داخل إسرائيل في حرب67, ولم تكن قد تخطت بعد الحدود, رأي الموت رأي العين, سجل حرب الاستنزاف وما حدث فيها, ووثقها ليرويها ويبصرها للأجيال القادمة, في شهادة لله ثم للتاريخ, شارك في خمس حروب: حرب67, وحرب الاستنزاف, والإعداد لحرب أكتوبر73, ثم كإعلامي في حرب أفغانستان, وحرب تحرير الكويت. يعد-حسب تقدير مراكز الدراسات الاستراتيجية العالمية-من الخبراء والمؤرخين للحروب العربية- الإسرائيلية, وأيضا في القضية الأفغانية. إنه عصام دراز, المؤرخ العسكري, والأديب والروائي, الذي فتح لنا خزانة أسراره, وبنك معلوماته, حيث قام بعملية توثيق للتاريخ العسكري وسجل120 شهادة للمقاتلين في هذه الحروب, وكون قاعدة معلومات نادرة عما حدث في ميادين المعارك الحقيقية. أين كان موقعك في حرب67 ؟ وهل بالفعل ترك الجنود مواقعهم وهربوا كما يتردد وكما عرض في الإعلام العالمي؟ كنت حينذاك ضابط استطلاع, وللأسف وضعني القدر في منصب حساس جدا, فكنت ضابط الدورية رقم واحد, وقائد استطلاع للفرقة الرابعة المدرعة, وبالتالي كانت مهمتي في منتهي الخطورة, حيث كنا نسمي بقوة الضاربة للقوات المسلحة, لأنها قوات استراتيجية ومختصة بتطوير الهجوم. كان قائدي في هذا الوقت اللواء كمال حسن علي. والحقيقة أن الحديث عن حرب1967 يرهقني نفسيا. فمن ناحية الجانب المعنوي, كنا في غاية الحماسة, وكنا علي استعداد لاختراق الحدود, وكانت قوات الاستطلاع يجب أن تكون خفيفة, أي دون اصطحاب مركبات مجنزرة أو مدرعات, حتي نستطيع أن نتسلل ونحصل علي المعلومات. كنا في غاية الحماس, وعلي استعداد للتضحية بلا حدود. إن أسرار حرب1967, في الواقع, كثيرة جدا, ولم يذع عنها شيء حتي الآن إلا من خلال كتابي( ضباط يونيو يتكلمون) الذي أصبح مصدر معلومات رئيسيا في العالم كله عما حدث في سيناء. فما شاهده العالم عن بعض العساكر والجنود الذين يظهرون بالملابس الداخلية له أسباب, حيث لم يترك جندي واحد ولا ضابط واحد في القوات المسلحة موقعه هاربا. فما حدث أنه صدر أمر بالانسحاب في صباح السادس من يونيو. وبصدور الأمر. بدأت القوات تخرج من مواقعها ومن الخنادق والمواقع, وأصبح الجيش عرضة للإبادة علي الطرق المكشوفة من قبل الطائرات, فحدث تكدس علي الطرق, فحدث ما شاهده العالم. إلا أنني قمت بتسجيل بطولات خارقة للعادة تصل إلي حد الأسطورة في يونيو67, ومنهم طيارون. فبرغم الاستهزاء بهم والادعاء بأنهم كانوا ساهرين ومخمورين بصحبة النساء في المطارات ليلة5 يونيو, فإن منهم طيارين استطاعوا أن يتصدوا للهجوم الجوي الإسرائيلي, برغم الممرات المدمرة, وكان الإقلاع من الممرات الفرعية ممنوعا, إلا أنهم تجاهلوا هذا, واستطاعوا أن يقلعوا. وأذكر أن الطيار نبيل شكري أقلع من ممر مدمر, حيث قام بقياس المسافة ما بين ردم ونقطة الإقلاع, ووجد أن هناك احتمالين: إما أن يرتطم بالردم أو لا, إلا أنه تجاهل الاحتمال الأول, وأقلع واستطاع أن يسقط طائرة إسرائيلية. وإجمالا, استطاعت عشرون طائرة أن تقلع في الموجة الأولي لمواجهة الهجوم الجوي الاسرائيلي المباغت, فاستشهد معظمهم, ولم يتبق منهم سوي ثلاثة أو أربعة أشخاص, وقد التقيت بهم. أما فيما يخص الحفل الذي ادعوا أن الجنود كانوا ساهرين فيه ومخمورين, فقد كان مجرد حفل تنظمه إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة, وذلك يعني أن كل مطرب أو مطربة قادمين للحفل يجب أن يحمل تصريح أمن, محددا به الزمان والمكان, فلم تكن هناك أي تجاوزات أو مخالفات في الحفل. وقد حصلت علي شهادات ذات قوة علي مر التاريخ تبرئ الجيش المصري إلي الأبد. كما أن هناك شيئا لا يعرفه أحد, ألا وهو وجود قوة صاعقة مصرية داخل إسرائيل في5 يونيو1967, حيث وصلت هذه القوة للأردن يوم3 يونيو, ومنها إلي إسرائيل بقيادة البطل جلال هريدي, وكان هدفها تدمير القواعد الجوية الإسرائيلية, لكن للأسف صدرت لهم الأوامر بالعودة إلي قواعدهم قبل تنفيذهم للعملية, وكانت إشارة العودة من خلال الراديو( جلال وحلمي عودا لقواعدكما), وقد استمع الشعب المصري جميعا لهذا الأمر, ولكن لم يفهموا شيئا, ولم يعرف من هما جلال وحلمي. ولماذا صدر لهم قرار بالعودة, ما داموا في قلب إسرائيل ؟ كان القرار موازيا لقرار الانسحاب في مصر, ورئي وقتها ألا ندخل في معارك مفتوحة, مادمنا فقدنا الطيران, لكن الجنود أنفسهم كانوا معترضين علي هذا القرار, وكان قائد هذه المجموعة المقدم جلال الهريدي, وهو مؤسس الصاعقة, وقد كرمه الفريق السيسي منذ عام, وأعطاه لقب( فريق), لأنه سجن بعد الهزيمة, ومر بمحنة كبيرة جدا, نتيجة سوء ظن بعض الأشخاص, ونتيجة لقربه من المشير عامر. برأيك, كشاهد عيان, ما هو السبب الرئيسي الذي أدي إلي نكسة67 ؟ السبب الرئيسي أن الجيش لم يكن مستعدا, ولم تكن هناك نية للحرب من البداية. ففي هذا التوقيت, لم تكن هناك نية للقيادة السياسية لاتخاذ مثل هذا القرار. فقرار الحرب قرار سياسي, وليس عسكريا, حيث لا يمكن لقائد الجيش أن يأخذ قرار الحرب, فالجيش ينفذ فقط الأوامر. فإذا جاء قرار الحرب والجيش غير مستعد, تحدث الكارثة, لأن نصف الجيش المصري كان يحارب في اليمن, وهذا معناه انشغال قيادات الجيش بمن يحاربون في اليمن, وبالتالي قل التدريب, مما أدي إلي انخفاض الكفاءة. والطبيعي أنه لا يمكن أن تخوض أي دولة حربين في وقت واحد, وحتي الولاياتالمتحدة, فما بالك بمصر؟. والجدير بالذكر أيضا أن إسرائيل لكي تحارب بهذه الكفاءة في67, استعدت منذ عام1957, فتدربت علي الحرب, وقامت بعمل ماكيتات للقواعد الجوية المصرية, ومنها عرفت زوايا الهجوم المناسبة, ومواقع قوات الدفاع الجوي بالتفصيل. أما في مصر, فلم نكن مستعدين لهذه الحرب, فكان هناك استرخاء عسكري, لذا كان من المفروض ألا نساير إسرائيل ذات المستوي العالي من الكفاءة. وبالتالي عندما مرر السوفيت أخبارا بحشد لقوات الجيش الإسرائيلي علي حدود سوريا, أمر عبد الناصر بحشد الجيش المصري, ودفعه إلي سيناء فجأة. وبرغم ورود معلومات مؤكدة بأنه لا توجد حشود إسرائيلية علي الحدود السورية, فقد استمر حشد الجيش ودفعه إلي سيناء وهو غير مستعد بالمرة. وكان في ظن عبد الناصر أنه يمكن تحقيق النصر السياسي في مثل هذا التوقيت, لأنه كان هناك استقطاب بين السعودية وملك اليمن القديم, وكانت الأردن ضد مصر. وعندما تحرك الجيش المصري بهذه الصورة, كان يمثل نوعا من التهديد لإسرائيل, أو استعراض قوة, ولكن لم تكن هناك نية للحرب علي الإطلاق. بل إنه عندما تساءل القادة عن سبب الحشد, كان عبد الناصر يقول إنها مظاهرة عسكرية. وفي موعد الحرب, استطاع أحد ضابط المخابرات العامة الحصول علي معلومة استعداد إسرائيل للحرب قبلها بثلاثة أيام, وأكد أن إسرائيل ستهاجم, واستطاع الحصول علي هذه المعلومة عن طريق تجنيد بعض من اليهود الشرقيين المدنيين الذين يعملون بإحدي القواعد العسكرية الإسرائيلية, حيث علموا أنه بعد ثلاثة أيام ستحارب إسرائيل مصر, وذلك عن طريق ملاحظتهم تركيب نوع من أنواع الذخيرة في الطائرات والدبابات, التي لا يتم تركيبها إلا لو كانت هناك حرب بالفعل, حيث إنه لا يمكن تركيبها وإنزالها مرة أخري من الطائرات. ولأن الصورايخ ثقيلة, فهي تؤثر في عجل وأجنحة الطائرة, وقد قاموا أيضا بفتح مخازن الذخيرة المخصصة للحرب, وبدأ الموضوع يمثل مظاهرة عسكرية لإثبات قوة مصر, لكن العسكريين كانوا رافضين ذلك, ومنهم من كان يدرك أن إسرائيل من الممكن أن تبيد الجيش في أي وقت, لو قامت بضربة وقائية. كما أن المعلومات في هذا الوقت لم تكن دقيقة, فالمعلومات حول القوة الحقيقية لإسرائيل كانت غير واضحة, ونحن لم نكن مهتمين بالمعلومات. وهنا, حدث الخداع من الاتحاد السوفيتي, حيث مرر خبر حشد الجيش الإسرائيلي علي حدود سوريا, وزار الفريق فوزي الحدود السورية, وقرر أنه لا توجد حشود, وأبلغ عبد الناصر بذلك. وبرغم ذلك, استمر الحشد. وقد جاء ملك الأردن, الملك حسين, قبل الحرب بأربعة أيام للتعاون مع مصر, وقد طلب من عبد الناصر أن يختار عبد المنعم رياض قائدا للجبهة الشرقية الأردنية. هل تري أن جمال عبد الناصر هو المسئول الأول والأخير عن هزيمة يونيو؟ علميا, القرارات السياسية للحرب هي المسئولة عن الهزيمة, وكان جمال عبد الناصر هو المسئول عن القرارات السياسية, والجيش كان المنفذ, وكان عاجزا عن فعل شيء, وقد أعلن جمال عبد الناصر في قاعدة أبو صوير أن إسرائيل ستحارب في الحالات التالية: إذا حشدنا الجيش, وإذا طردنا قوات الطوارئ الدولية, وإذا أغلقنا الممرات, فاعترض الطيارون, وطلبوا أخذ زمام المبادأة وضرب إسرائيل, فأشار عبد الناصر إلي أننا يجب أن ننتظر أن تضرب إسرائيل ضربتها الأولي, ثم نقوم نحن بالضربة الثانية, فرفض كل من المشير ومحمود صدقي هذا الرأي, وكان رأي صدقي أنه إذا ضربت إسرائيل أولا, فلن نستطيع نحن أن نرد عليها, لأن ميزانية الجيش تأثرت بسبب حرب اليمن. إلا أن جمال عبد الناصر رد عليه قائلا إن الروس يقولون إن الخسائر15% فقط, فرد محمود صدقي بأن ذلك سيتحقق في حالة وجود( الدشم), وسأله عبدالناصر عن السبب في عدم بناء الدشم, فأجاب الفريق صدقي بأن ميزانية الدشم كانت تحول كل عام إلي حرب اليمن, وهذا الحديث ذكر في المحكمة, وشهد عليه شهود. ويذكر أن محمود صدقي لم يتمكن من الاستقالة اعتراضا, وإلا عد ذلك خيانة في وقت الحرب, وهنا سيكون الجزاء هو الإعدام. وقد بدأت الحرب عندما تم إغلاق مضايق تيران, وكان ذلك نوعا من أنواع الحصار, أي بداية الحرب الفعلية, ومن ثم كان ذلك سببا شرعيا وقانونيا لإسرائيل أمام العالم للحرب, ولهذا نفذت ضربتها بتأييد دولي. وما السبب الذي حدا بالرئيس عبد الناصر لاتخاذ قرار الحرب؟ هناك علامات استفهام, فهناك من تدخل كالاتحاد السوفيتي. أما بالنسبة للأفراد, فأمتنع عن ذكر أسمائهم, منهم من مات, ومنهم من لا يزال علي قيد الحياة. عبد الناصر اعتمد علي الرأي الواحد, واعتقد أن إسرائيل أضعف من أن تحارب, فحرم نفسه من معرفة الحقيقة, وعزل نفسه عن الواقع الحقيقي. وهذا أثر في قراراته السياسية المتتالية التي أدت إلي الهزيمة.