«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء طيار ممدوح حشمت :حقيقة الحفلة التى أقيمت فى المطار للقيادات يوم النكسة
نشر في أكتوبر يوم 09 - 10 - 2011

ا*ستطاعوا تحويل الهزيمة فى يونيو 67 إلى نصر ساحق فى أكتوبر 73، وعلى الرغم من الخسائر التى منيت به القوات الجوية عقب الاجتياح الإسرائيلى إلا أن نسور مصر استطاعوا أن يردوا لإسرائيل الصاع صاعين وأكثر.. أكتوبر التقت اللواء طيار ممدوح حشمت ليروى لها شهادته للتاريخ عن تفاصيل ما حدث يوم 5 يونيو فى المطارات المصرية وكيف وقعت النكسة؟. وكيف استطاع نسور مصر تحقيق النصر فى أكتوبر 73.
*الطائرات الإسرائيلية قصفت طائرة حسين الشافعى ونائب الرئيس العراقى على الممر
*بعد عو دتنا من الجزائر شاهدنا حجم الدمار الذى لحق بطائراتنا ومطاراتنا
«التحقت بالكلية الجوية فى 18 أكتوبر1961 وتخرجت 1/4/1965 كطيار مقاتلات». بهذه الكلمات يستهل اللواء طيار ممدوح حشمت رواية ذكرياته ل«أكتوبر»؛ مضيفًا:
وبعد تخرجى التحقت بوحدة تدريب المقاتلات والتى كانت تتمركز فى مطار كبريت شرق البحيرات المرة، وفور انتهاء فرقة التدريب القتالى على الميج-15 تم توزيعى على مطار غرب القاهرة لكى التحق بفرقة تدريب على الطائرة المقاتلة ميج- 21، وهى تعتبر أحدث المقاتلات فى مصر والشرق الاوسط بأكمله، وبعد انتهاء فرقة التدريب على الميج- 21، تم توزيعى على سرب مقاتلات ميج- 21 وخدمت فيها فترة سنتين حتى 15 مايو 67 عند إعلان الطوارئ انتقلنا من مطار غرب القاهرة إلى مطار فايد ثم حدثت معارك 5 يونيه 67 وكنت موجودا فى فايد.
النكسة
5 يونية كان فى بدايته يوما عاديا، فقد كنا فى حالة طوارئ مستمرة منذ 14 مايو، وأود أن أشير إلى أنه فى ذلك اليوم لم يكن هناك حفلة فىالمطار مثلما قيل فى الصحف بعد ذلك، نعم كانت هناك حفلة فى مطار أنشاص، لكنها كانت مقصورة على الرتب الكبيرة من الموجودين فى المطار فقط.
لكننى كنت واحدا من الطيارين المتواجدين فى مطار فايد وهذه الحفلة لم تمسنى من قريب او بعيد ولم تؤثر على أدائى بأى شىء وهذا تسجيل منى للتاريخ ولكيلا يتم تحميل تلك الحفلة مسئولية أداء الطيارين فى النكسة.
ولكى تكون الصورة واضحة، فقد كنا ثمانية طيارين فى حالة الاستعداد الأولى فى المطار،مع بداية أول ضوء اربعة من طائرات الميج-21 وأربعة من طائرات السوخوى. كان معى حسين عصمت، وأيضا سمير عزيز لكن لا أتذكر قائد التشكيل لاننا كنا من أصغر الطيارين، فقد رفضنا النوم فى الميس (مكان نوم الطيارين)، فمن المفترض أن نغادر اماكن نومنا قبل اول ضوء لكى نستلم مهمة الطوارئ، ولاننا كنا متحمسين جدا وروحنا المعنوية عالية بشكل كبير، فقد قررنا الا ننام فى الميس، وأن ننام فى غرفة الطوارئ نفسها حتى نكون أقرب لطائرتنا ونستطيع ايضا أن نكسب 15 دقيقة، وعلى ذلك فقد امضينا ليلتنا فى غرفة الطوارئ، وفى الصباح كانت الميج- 21 تقوم بعملية تسخين للمحرك، لأن المحركات يجب أن تدور لكى تسخن كل صباح،حيث كانت الميج- 21 الموجودة فى مصر من أول الطرازات طراز(أف13) نهارى وكانت تحدث لها مشاكل فى دوران المحرك، فتم الاتفاق على عمل ادارة لمحركات الطائرات كل أول ضوء، وبالفعل ذهبنا وعملنا ادارة للمحركات وعدنا مرة أخرى لغرفة الطوارئ، ونظرا لأن حالة الجو كانت ضبابية بشكل كبير، فقد انتظرنا حتى تتحسن الرؤية لكى نركب طائرتنا ونربط الأحزمة انتظارا لاى طوارئ.
ومع ظهور الشمس، وجدنا الشبورة مازالت كثيفة، وأبلغنا برج المراقبة بأن الرؤية لا تزيد على 200 متر، وأضاف الضابط لنا (خليكو مستريحين لحد ما الرؤية تتحسن وهنبأه نبلغكم).
فسألت ضابط برج المراقبة «طب ياسيدى عندك يومية طيران إيه؟؟»
فرد الضابط «احنا عندنا الميج حجرتين حجرتين (كذا وكذا) وسوخوى(كذا وكذا) وفيه عندنا كمان 4 طيارات ميج-19 جيين من المليز علشان الورش بتاعتهم عندنا جيين يعملوا صيانة»
وعندنا فى حالة الطوارئ يكون الطيران شق تدريبى وشق عمليات، التدريب يكون فى يومين الطائرات للتدريب.
اما العمليات تكون مخططة ومحددة كجدول يومى مثل المظلات والحالة الأولى وإلخ يكون لكى شىء جدول وبه اسم الطيار ووقف التنفيذ وكان هذا الحال من يوم 15 مايو حتى 5يونيو.
وعادة عندما ينضم طيارون جدد إلى أى مطار،فاننا نقوم بطلعات متعددة لاستطلاع المنطقة والتعرف عليها وتكون هنالك طلعات تدريب مكثفة لحفظ معالم المنطقة، ويمكن دمج طلعات التدريب مع طلعات المظلات الجوية والتى تكون هدفها هو حماية المطار من أى هجوم معاد، وكانت لنا منطقة مظلات أمامية داخل سيناء وقرب القناة، وكنا نطير فوق تلك المناطق، ونظرا لعدم وجود أى شواهد على حرب قريبة رغم الحشد العسكرى والاعلامى،فإننا كنا نقوم بأعمال المظلات كنوع من انواع التدريب، فرغم أن الطائرات تكون مسلحة بالصواريخ إلا أن شعورنا كان أننا لن نحارب،وأن ما يحدث ليس أكثر من حملات اعلامية وحربا نفسية متبادلة.
وكانت تعليمات القتال تقضى بأن كل طائرة تقلع يجب أن تكون مسلحة بصاروخين نعود إلى أحداث 5 يونيو،فبحلول الثامنة والربع جاء البلاغ بأن الرؤية أصبحت 2 كيلو متر، مما يعانى إمكانية الطيران، فدخلنا الغرفة واستكملنا ملابس الطيران وخرجنا للطائرات التى لا تبعد عنا أكثر من مائة متر، كان معى سمير عزيز وفريد حرفوش، وفوجئنا بطائرتين تطيران عكس اتجاه الممر ويقومون بالتسلق للارتفاع، وكان اول انطباع أنهما طائرات الميج-19 المقرر حضورها لاعمال الصيانة وهذا الشكل يدل على معنى هجومى، وبعد اجزاء من الثانية شاهدنا الطائرتين تقتربان تجاههنا وسمعنا صوت «طقطقة» ناتجة عن اصطدام الطلقات بدن الطائرات، وفجاة انفجرت طائرتى الحالة الاولى، وفى نفس الوقت ظهرت طائرات أخرى، طائرتان تقصفان منتصف الممر، وطائرتانن تهاجمان باقى طائرات الحالة الاولى.
فى تلك اللحظة ووسط ذهول تام قال ضابط برج المراقبة (يافندم السيد نائب رئيس الجمهورية بالطيارة اليوشن، عمل تاتش على أول الممر) فمن حظه انه هبط على اول الممر فقد كانت القنابل ضربت نصف الممر.
خرجنا بسرعة من حالة الذهول السريع إلى حالة الغضب والحنق فبدأنا نصيح ونسب اليهود الذين هاجمونا ونحن على الارض فى نهاية الهجمة كانت 4 طيارات حالة اولى قد حرقت و4 طائرات حالة ثانية دمرت تماما، ومنتصف الممر أنضرب الطائرة اليوشنزلت فى 500 متر فقط وكانت أمامها فجوات قنابل وأخبرنا الطيار ألا يحرك طائرته، ونزل الوفد الرسمى من الطائرة سريعا وسط أصوات الانفجارات والحرائق حوله فى أنحاء الممر وانطلقت مع فاروق حماد بسيارته وأحضرنا الوفد الذى كان به حسين الشافعى نائب الرئيس والطاهر يحيى نائب الرئيس العراقى والحاشية الخاصة بهما، ولاحقا اصطحبناهم إلى نادى الضابط فى فايد وسط حالة من الذهول الكامل.
احتراق ثلاث طائرات
بعد الهجمة الاولى ب 8دقائق وجدنا الموجة الثانية فوق رأسنا، وقامت بنفس عمل الموجة الأولى تماما، حيث قصفت الممرات وتقاطعاتها، ثم بدأت تضرب طائراتنا الواقفة على الأرض الواحدة تلو الأخرى.
بعد أقل من أربعين دقيقة من الهجمة الأولى، كانت طائرات الميج-21 كلها قد دمرت تماما، الطائرات الوحيدة المتبقية فى مطار فايد كانت سوخوى والتى كان عليها شباك تمويه فصدرت لنا الأوامر بأن تتحرك مع سيارات حسين الشافعى والوفد المرافق له إلى نادى ضباط فايد ثم ننطلق بعد ذلك تجاه مطار المنصورة، لوجود طائرات عاملة فى المنصورة عندما وصلنا المنصورة لم نجد غير ممر وكشك صغير به جهاز لاسلكى، والفلاحين تتحرك فى ارجاء المطار بحرية تامة فلم يكن مطارًا بمعنى الكلمة، وقابلنا عقيد طيار على زين العابدين وكان قادما من الغردقة وهبط بميج- 21.
وهناك قدموا لنا وجبة غداء من (الجبنة.. والقته) كان ذلك حوالى الساعة 2 ظهرا، وبعدها صدرت لنا أوامر أخرى مختصرة جدا (روحو أنشاص) فوصلنا انشاص قبل آخر ضوء بنصف ساعة وكان بالمطار ميس السرايا وكان هناك قصر قديم للملك فاروق خارج المطار مخصصا لمعلمى الطيارين، فدخلنا على الميس وبدأنا نستمع للقصص من باقى الطيارين فسمعنا أنه كانت هناك طلعات من انشاص وان نبيل شكرى أسقط طائرة فوق المطار، وأن طيارين شاهدوا لورى جيش قادما من الإسماعيلية ومعلق على مقدمة اللورى جثة طيار يهودى قتيل.
فجلسنا نستمع للحكايات ومن طلع ومن ضرب ودخل علينا آخر ضوء، والله كنا بنلم العيش من ارض الميكروباص علشان نأكله من كتر الجوع وقلة الأكل، وفى النهاية دخلنا للنوم ولم تكن هناك كهرباء أو سراير، تصرف كل منا وفق مهاراته الخاصة فى التأقلم، ونمت بدون ان اعرف من ينام فى نفس الغرفة أو كم عدد من ينام بجوارى.
وبعد منتصف الليل بقليل دخل قائد سربى والذى عرفته من صوته وكان اسمه (اموزيس) وسأل فى الظلام عن افراد سربى، فقمت وانا لا أكاد أرى أمامى، ولا ارى سوى ضوء مصباح قائدى ونزلت مع قائد سربى وركبت الميكروباص مع سمير عزيز وحرفوش وتوجهنا لمطار القاهرة الدولى ووجدنا قائد القاعدة كان اسمه حسن سليم قائد لواء الأنتونوف والذى أخبرنا بأن نتوجه للنوم فى عنابر الحجر الصحى، وبالفعل نمنا على أسرة المرضى ولم تكن طريقة مريحة للنوم لكنها افضل المتاح.
وفى اليوم التالى وجدنا قائد سربنا اموزيس يصرخ بصوت عال ويكاد يشد شعر رأسه قائلا (الحقونى تعالوا شوفوا الراجل المجنون بيقول إيه) واستكمل (الراجل إدانى صورة فيها صحرا وممر فى النص بس.. قال بيقول اطلعوا اضربوا الممر ده فى إسرائيل، ولما قلت له معناش قنابل، قال لا.. اضربوا الصواريخ عليه بس، قلت له يافندم الطيارات مش هتوصل رد على لا-لا هتروح انشاء الله) هل تتخيل شكل الحوار، فضابط عمليات كبير يطلب من قائد سربى ضرب ممر على الارض فى إسرائيل بصواريخ ورغم أن الوقود لن يكفى وصولنا، إلا أن ضابط العمليات كان مصرا.
وعندما نزلنا إلى مكتب قائد القاعدة وجدنا حشدا من القادة وكبار طيارى الميج- 21، كل طيارى الميج-21 كانوا هناك تقريبا.
وبحلول الساعة 6 صباحا تلاشت الافكار بخصوص توجيه هجوم نحو مطار فى إسرائيل، اخبرونا بأن عدداً من الطيارين للتوجه إلى الجزائر وعددا آخر سيتجه إلى العراق بطائرات النقل، ووقع الاختيار علىَّ للتوجيه إلى الجزائر ضمن عدد يشمل معى اموزيس والذى كان قائد السرب وحوالى 12 منهم اموزيس، زيدان، سمير فريد، عز الدين أبو الدهب، فوزى سلامة تيسير، سمير عزيز، فريد حرفوش، سيد صقر، وسمير عبد الله وركبنا الطائرة وحلقنا إلى الجزائر.
وهناك وجدنا عددا محدودا من طائرات الميج- 21 لا تكفى عددنا، فتم تسليمنا عددا من طائرات الميج 17 لاستكمال العدد والذى يعادل عدد الطيارين، وكانت مشكلتى انا وحرفوش أننا لم نطير ابدا على الميج 17، فأخذنا سمير عبد الله وبدأ يشرح لنا الاجهزة المختلفة فى الطائرة ووظيفتها المختلفة فى درس سريع جدا، وتحركنا على الممرات الفرعية لكى نعتاد على الطائرة. وهنا يجب أن أشير إلى أن الأخوة الجزائريين قابلونا بحماس منقطع النظير لا حدود له وحلوا لنا كافة المشكلات، فالطائرات فى أحسن حال لها وعمرها 30 دقيقة (الفلاينج تيست) فقط، اى أنها مازالت بحالة المصنع ولم تطر قبلا.
كان الجو سيئا جدا هناك فى الجزائر وزاد سوءا عندما انتقلنا إلى الجنوب فى مطار آخر، كان مليئا بالعقارب، فأعطونا أكياس مراتب وأخبرونا ان ننام داخلها خوفا من العقارب وبأن ننام على سرير من الجريد لنفس السبب.
وانتقلنا إلى المطار التانى اسمه بوفريك يوم 8 يونيو وتنحى جمال عبد الناصر فى نفس اليوم وسمعنا الخطاب فى الإذاعة، فحضر إلينا الاشقاء الجزائريون والقوا بالقبض علينا، ووسط ذهول منا قاموا بترحيلنا إلى مدينة اخرى ووضعونا فى مطار اسمه بليدا تحت حراسة مسلحة فى تصرف غريب جدا وغير مبرر حيث كان السباب والشتيمة هو الرد الوحيد عن أى استفسار منا.
وفى اليوم التالى تراجع جمال عبد الناصر عن قرار تنحيه فأفرج الاخوة الجزائريون عنا وبدءوا يمدحون فينا ويرفعون روحنا المعنوية، وعرفنا أن سبب التغير فى المعاملة يرجع إلى تنحى الرئيس جمال عبد الناصر، وأنهم اعتبروا ذلك هزيمة لرجل ساعد فى تحرير بلادهم ولم يقبلوا منه الاستسلام للهزيمة، فكان موقفهم عربيا خالصا لكنه غريب أيضا.
وطرنا يوم 11 فى طريق شاق يتخلله عدة محطات لتموين الوقود ونزلنا فى الجزائر العاصمة ثم تونس فليبيا ثم دخلنا الحدود المصرية فنزلنا مرسى مطروح والقاهرة الدولى يوم 12 يونيو مساء كنا 12 طيارة، و11 طيارا مصريا وطيار جزائرى اسمه الزيتونى جاب الله، رجع معانا بالطيارة عمل بيها حدثة فى القاهرة وحطم الطائرة تماما.
كان يوم عودتى هو أسوأ يوم فى حياتى، فقد عرفت مدى حجم الدمار والخسائر التى حاقت بنا، وعرفت أن عددا كبيرا من دفعتى قد استشهدوا وشاهدت الوجوم والكآبة تطل بكل وضوح من العيون، وكان الفزع والتخبط والارتباك هى السمة السائدة، فلو اصطدم طرفا الشباك الخشبى ببعضهما البعض، تجد الجميع منبطحا على الأرض فزعا وخوفا، وبعد فترة تجد طائرة ميج 21 تصطدم على الأرض بطائرة اليوشن للنقل فتزداد معاناتنا النفسية ويتردد فى العقول قول واحد (هو احنا ناقصين بلاوى)، وبعد فترة يقلع تشكيل من أربع طائرات وبعد دقائق تعود طائرة واحدة فقط فتزداد معنوياتنا تحطيما، فكان بلا ادنى شك أسوأ يوم مر على فى حياتى كلها، وزاد من معاناتى الشخصية أننى لم يكن معى طائرة، فقد عدت من الجزائر بطائرة ميج 17 ولم تكن تخصصى وفى نفس الوقت لم يكن هناك فائض فى طائرات الميج 21 فظللت مشاهدا فقط لما يحدث أمامى.
ويستكمل اللواء طيار ممدوح حشمت شهادته فى الحلقة القادمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.