دولة التلاوة… صوت من الجنة، جمع أجمل الأصوات التى سمعناها جميعًا، بتلاوات متنوعة لا تُصدَّق من شدة نقائها وعذوبتها، وقد غمرنى شعور كبير بالسعادة عندما رأيت الناس يتابعونه بشغف وتركيز لافت، وهو ما يؤكد حاجتنا إلى المزيد من هذه البرامج الرائعة، لكنى فى الوقت نفسه أدركت أن معظمنا يقرأ القرآن بطريقة غير صحيحة، فالقرآن قائم على أحكام دقيقة كالتجويد والإدغام والإقلاب، والحروف المرققة والمفخمة… وهى كلها قواعد أساسية تُبرز روعة وجلال كلام الله. فأين نحن من تلك المكانة العظيمة للقرآن الكريم؟. يجب أن نتدبر آياته وأحكامه بعمق، وأن نقف أمام آيات العذاب بخوف وتضرع، وأمام آيات الرحمة بحسن ظن وثقة ورجاء فى أن الله سبحانه وتعالى سيرحمنا برغم أخطائنا، فهو رب السماوات والأرض. ومصر بالفعل دولة التلاوة؛ فحين نسمع القراء نشعر وكأننا نستمع إلى القرآن للمرة الأولى، لما فيه من جمال وعمق وروحانيات تكشف لنا أمورًا كنا نجهلها. ولهذا يجب الاهتمام بحصص الدين فى المدارس وتفعيلها بشكل حقيقى، مع تخصيص جزء منها للتلاوة الصحيحة وتدبر الآيات، فالأجيال الجديدة تعانى من ضعف واضح فى قراءة القرآن الكريم، ولا يجب أن يقتصر هذا الدور على الأزهر الشريف وحده. فالأزهر — بلا شك — له فضل كبير فى تعليم القرآن والتجويد والأحكام الشرعية، ويقصده الطلبة من مختلف أنحاء العالم، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون للمدرسة دور فعال فى تعليم الأطفال قواعد التجويد والقراءة الصحيحة، ليشعروا بحلاوة التلاوة وتدبر المعانى. وهى فرصة لكل من يشعر بأنه بعيد عن الله؛ يمكنه أن يبدأ اليوم ولو بحفظ آيتين يوميًا يستعين بهما فى صلاته، ليزداد خشوعه وقربه من الله، فكما نحرص على تعلم اللغات والبرمجة لأنها تنفعنا فى الدنيا، فإن تعلم القرآن وتدبره وحفظ آياته ينفعنا فى الدنيا والآخرة معًا. لابد أن يقف الإنسان مع نفسه قليلًا، ليفكر فيما فعله فى حياته، وهل هو راضٍ عنه أم لا. دولة التلاوة صحوة قلبية تُذكرنا كم أننا مقصرون فى حق أنفسنا، وفى حق كتاب الله العظيم، وفى تعلم تلاوته بالشكل الصحيح.