بين عوالم الموسيقى وجماليات العمارة، ينسج المعمارى الروائى أحمد القرملاوى، خيوط سرده الفريد، ليؤكد مكانته كأحد أبرز الأصوات المؤثرة فى المشهد الثقافى المعاصر، فمنذ حصده جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2018، عن روايته «أمطار صيفية»، مروراً بأعماله اللافتة مثل: «نداء أخير للركاب» التى حازت على جائزة أفضل رواية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2019، و»ورثة آل الشيخ» التى نال عنها جائزة «كتارا» للرواية العربية عام 2021، نجح «القرملاوى» فى بناء لغة بصرية خاصة تدمج بين البحث التاريخى والعمق الإنسانى، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والإيطالية والبرتغالية والأوكرانية. وفى هذا الحوار، نبحر معه فى تفاصيل روايته الأحدث «الأحد عشر»، الصادرة عن دار ديوان للنشر، لنكشف أسرار تركيبتها الفنية، ونناقش رحلته الإبداعية .. كيف نشأت فكرة إعادة سرد قصة أبناء يعقوب و»داينا»، ولماذا اخترت معالجتها من منظور مغاير؟ - كانت الفكرة الأساسية أن أحكى قصة يوسف عليه السلام، لكن من منظور الإخوة، حيث يُنظَر إليهم طوال الوقت باعتبارهم نماذج للشر المحض، فى مقابل أخيهم يوسف رمز الخير الخالص والنقاء التام. وكروائي، حثَّتنى هذه السردية التاريخية على محاولة التعرُّف على دوافع الشخصيات وإعادة النظر فى طبقاتها النفسية التى نتجتْ عنها تلك القصة المدهشة. وأثناء البحث التاريخى ومحاولة التعرُّف على عالم أبناء يعقوب، وقعَتْ أمامى هذه القصة الأكثر درامية من قصة يوسف، فقد اكتشفتُ أن لهم أختًا تُدعى «داينا» وأن لديها قصة تُبرز طبائعهم العنيفة ودوافعهم النفسية المعقدة بدرجة أعمق، فتحوَّلت الفكرة إلى إعادة بناء هذه القصة التى لم يُذكَر من تفاصيلها إلا أقل القليل. «الأحد عشر» تمزج بين الواقع والأسطورة وتضم بناء سرديًّا معقدًا، ما التحديات التى واجهتك فى نسج هذه الطبقات السردية المتداخلة؟ - لا أحب البنى السردية البسيطة والمباشرة، ودائمًا ما أسعى لتقديم شيء مبتكر على المستوى التقنى والسردي، فقيمة الفن الروائى لا تقتصر على الحكاية بل تشمل الطريقة التى تُروى بها هذه الحكاية، كما أن الجمع بين أكثر من زمن وأكثر من قالب سردى فى هذه الرواية بالتحديد صنع صراعًا متعددَ الطبقات، وما تُسمّيه «تحديات» هو بالنسبة لى متعة إضافية أثناء الكتابة، فلكل زمن ولكل عالم لغة مناسبة، ولكل تقنية سردية آليات وحدود وإمكانات، والتنقل بين هذه المكونات بطريقة متناغمة يُحقق للكاتب متعة فنية هائلة. الرواية تستلهم وقائع من القرن السابع عشر قبل الميلاد؛ كيف تعاملت مع البعد التاريخى ل»شكيم» وما حولها، وهل تعتبر العمل رواية تاريخية أم عملاً أسطورياً؟ - لا يوجد عمل سردى مقطوع الصلة تمامًا بالتاريخ، حتى تلك الأعمال التى تبدو مفارقةً للواقع تستلهم تفاصيلها من التاريخ الإنسانى والطبيعة البشرية وتبنى عليهما. وقد استعنتُ بالعديد من المراجع التاريخية لتصوُّر العالم الذى تدور فيه أحداث الرواية والتعرُّف على العقائد والطقوس وتفاصيل المعيشة فى هذا المكان من العالم فى تلك الحقبة الزمنية، غير أن الأحداث خيالية فى مُجملها وذات طابع ملحمي، ما يجعلنى أقرب إلى وصفها بالعمل الملحمى ذى النكهة التاريخية. استخدامك تقنيات متعددة فى الرواية، منها: تعدد الأصوات السردية، والتناوب الزمنى بين الماضى والحاضر، والمونولوج الداخلى لتعميق الشخصيات، ما تعليقك؟ - جميعها تقنيات سردية وجدتُها ضرورية لبناء العالم الروائى الذى تصوَّرتُه، ولحَكْى القصة التى أردتُ حَكيها بالطريقة التى تحقق لى المتعة أثناء الكتابة وكذلك للقارئ المتخيَّل الذى صارت تربطنى به علاقة تقوم على الثقة والترقُّب، كما أننى أجد فى تقنية تعدد الأصوات مساحة للتنويع ودراسة الشخصيات وتقديمها على مستويات أكثر عمقًا وصدقًا، أما اللغة فلا أؤمن بأن للكاتب لغة واحدة ومعجمًا لغويًّا وحيدًا يستقى منه مفرداته، بل أرى أن اللغة مَعين واسع نأخذ منه ما يناسب العالم الروائى والإطار الزمنى والشخصية التى نرى العالم من منظورها والإيقاع السردى المرغوب. بالنظر إلى رواياتك السابقة: «أمطار صيفية»، و»نداء أخير للركاب»، و «ورثة آل الشيخ»، كيف ترى تطور مشروعك الروائى من عمل لآخر؟ - أترك تقييم التطور للقراء والنقاد، أما ما يهمنى ككاتب فهو متعة اللعب والتجريب وخوض تجربة مختلفة فى كل مرة أُقدِم فيها على كتابة عمل روائى جديد، ولو أننى نظرتُ للروايات التى أقدِّمها كمشروع أسعى إلى تطويره والبناء عليه لفقدتُ قدرًا من المتعة والحرية والعفوية فى تعاطِيّ مع الكتابة.