حسناء الجريسى انطلقت فعاليات الدورة ال26 من مهرجان الفنون الإسلامى بالشارقة بالتزامن مع اليوم العالمى للفنون الإسلامية، 18 نوفمبر الماضى، وتستمر حتى نهاية يناير القادم. تعرض أعمال الفنانين المشاركين ببيت الحكمة، ومتحف الفنون، ومركز التصاميم بجامعة الشارقة، وتتميز بالمزج بين الأصالة والحداثة، لتؤكد العنوان العريض لهذه الدورة وهو «سراج» حيث يرتبط بقيم روحية وجمالية وإبداعية. «السراج» لهب بارد يرمز إلى نور القلب ونور الروح والجمال حقل تأملى تشكَّل من صور تتخطى الواقع وتثريه، فالخيال يبتدع حياة وروحاً جديدين، وهو شعار يقارب أحد المفاهيم الجمالية فى الفنون الإسلامية، وتعبير عن رؤية تحتفى بالضوء بوصفه عنصراً جمالياً أساسياً فى تكوينات الفن الإسلامى وتجلياته البصرية. وتعد هذه الدورة دورة الفضاءات والمشهديات الجمالية التى كثفت أفكارها لتقدم صورة إبداعية جديدة تمزج بين اللمسة التاريخية، والحس الفنى المعاصر فى تجهيزات ومشغولات تنبض بالجمال والابتكار بشكل يعكس روح الفن الإسلامى الأصيل. يتضمن المهرجان 114 فاعلية و473 عملاً ل170 فناناً من 24 دولة من مختلف أنحاء العالم. وتستمر أنشطته على مدار 70 يوماً. وقد تأسَّس هذا المهرجان عام 1998 كمبادرة رائدة من مبادرات مشروع ثقافى تنويرى يرعاه ويدعمه حاكم الشارقة د. سلطان بن محمد القاسمى، فهو حدث فنى كبير يُنظَّم كل عامين وفق رؤية تسعى لإعادة إحياء إرث فنى عريق تمتد جذوره إلى بدايات الحضارة الإسلامية. الأعمال الفنية على اختلاف أشكالها من منحوتات ومجسَّمات وصور ورسومات وأشكال فنية، تندرج تحت شعار المهرجان، ذلك أنه من شروط المشاركة أن يُصنَع العمل خصيصاً للمهرجان وبشكل يتناسب مع شعاره، لذلك تميزت كل الأعمال بالجودة العالية، وبالتفاصيل التى جذبت المشاهدين فضلاً عن ارتباط الأعمال هذا العام بآيات من القرآن الكريم، وحتى أغلب الفنانين الأجانب حرصوا على تقديم أعمال كترجمات لآيات من القرآن، عكس أغلبها تصورات مختلفة لآية «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح». الأستاذ والتلميذ والجديد فى هذه الدورة استحداث معرض «الأستاذ والتلميذ»، وتقديم ورش للخط العربى قدمها الفنان الإماراتى محمد المندى مع طلابه. وكذلك معرض «انعكاس» للفنان التركى د. عمر فاروق تاشكله وطلابه، الذى غلب على لوحاته اللونان الذهبى والأزرق الداكن، وكل عمل يحكى قصة تعكس الجمال الكامن فى الحياة، حيث تتميز أعماله بالزخارف النباتية والرومية والسحابية وكذلك الزخارف الهندسية. ونُفِّذت الأعمال بنهج حر واستخدام أدوات حديثة. ويشارك الفنان الفلسطينى سيف محيسن المتخصص فى الرسم بالفحم بسبع لوحات تنطق بالحياة وتعبر عن مرارة الفقد والوجع لكنها تحمل فى طياتها بصيصاً من الضوء ونظرة إيجابية للحياة. يبحث الفنان عن معانى النور وتجلياته فى النص القرآنى، ويستنبط منها ترتيبات مادية ومكانية خاصة به. يقول محيسن إن طريقته فى الرسم تعتمد على نقل ما يراه بعينه فى الحياة والواقع وليس من وحى الخيال. وضرب مثلًا على ذلك بلوحته «الكف» التى يقطر منها الزيت، مشيرًا إلى أنها مشهد من الواقع حيث كان يشاهد والدته وهى تجمع الزيتون وتعصره، وتلفت انتباهه قطرات الزيت على كفها، وهو يؤمن بأن الكف، والزيت، والعمل الذى قدمه، يجسد حياته، حيث استطاع من خلال اللوحة أن يبرز رسالة عن الانتماء للوطن. نور على نور ومن ضمن الأعمال الجاذبة للانتباه عمل «نور على نور» للفنانة الكويتية آسيل اليعقوب، وقد استمدته من سورة النور الآية «35» حيث يعتمد العمل على ظاهرة فيزيائية دقيقة ونظام كونى متعدد الطبقات من الأوعية والأنوار. العمل عبارة عن بلورة كبيرة حرصت الفنانة على أن تملأها بزيت الزيتون (حوالى 500 كيلو) حيث يضرب شعاع من الليزر الأخضر زيت الزيتون ويصدر الكلوروفيل الكامن فيه توهجاً فلوريسنتياً أحمر، يدخل الضوء كشىء ويخرج كشىء آخر، لا بتغيير قسرى بل بتفاعل دقيق. وتقول آسيل إن هذا العمل يؤكد أن الهداية الإلهية ليست مفروضة بل كامنة، حاضرة فى لحظة الكشف والمشاهدة حيث تتقاطع أشعة الليزر مع الجهات كلها محيطة بوعاء مفتوح لتلقى الإضاءة من كل صوب، وكشجرة زيتون لا شرقية ولا غربية، مشيرة إلى أن الجسم الكروى فى مركز العمل يقاوم الاستقرار فى اتجاه واحد فلا يتوهج بالنار، بل باللقاء المادى والروحى فى آن واحد. الفضاء الفاصل وفى مركز التصاميم بجامعة الشارقة كانت مشاركة الفنانة الإماراتية رقية الهاشمى لأول مرة فى المهرجان، وعملها «الفضاء الفاصل» عبارة عن جذع نخلة أجوف لا ينتصب كشجرة بل يعلو كممر، كثغرة فى الزمن، وقد حرصت على ملء الفراغ داخله بلب من زجاج شفاف، تقول: «هذا العمل دعوة إلى إعادة اختبار الشعور وفهم أن الغياب قد يحمل بدوره معنًى، فالعمل لا يدعو إلى فعل بل إلى سكون، وإلى وقفة، وإلى حضور بسيط سعيًا إلى رؤى جديدة». معابر مضيئة «معابر مضيئة.. الأركان الخمسة» عمل فنى ضوئى للفنانة البريطانية رومانيا خانم وهى من أصول بنجلاديشية يرتكز على ترجمة اللغات البصرية التاريخية إلى صيغ معاصرة. ويستكشف عملها الإيقاع الروحى والدنيوى للعبادات الإسلامية، مستلهماً من السراج ذلك الرمز العريق للاهتداء والإيمان والتأمل. يتألف هذا العمل من خمسة ألواح ملونة من الأكريليك، نُحِتت بدقة متناهية باستخدام الليزر، وزينت بنقوش هندسية إسلامية، حيث يمثل كل لوح منها إحدى الصلوات الخمس اليومية: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. يتجذر هذا العمل فى عمق التقاليد الفنية الإسلامية، حيث لا ينظر إلى الضوء والهندسة بوصفهما زينة بصرية فحسب، بل باعتبارهما تعبيرا متجسداً عن الروحانية الخالصة. ويقدّم العمل تفسيراً معاصراً لقداسة الزمان والمكان. «منارة» عمل نحتى معاصر للفنانة سلمى المنصورى من الإمارات وهو يعيد تصوَّر التفاصيل الزخرفية التى خبت ملامحها فى العمارة الإسلامية لمدينة «غياثى»، الواقعة فى إمارة أبوظبى. مستوحياً هيئة المئذنة ووهج السراج التقليدى، ويتأمل هذا العمل رموز النور والهداية واليقظة الروحية، التى طغت عليها بساطة العصر الحديث. «ابق عينيك على النور» تجهيز فنى لفاطمة عبد الهادى من السعودية، وهى فنانة متمرسة فى مجال الطباعة الحريرية، ومعلمة كرَّست حضورها فى الحقل الإبداعى. يتكون العمل من ألواح شبكية معلقة مطبوعة تشكل بحد ذاتها حديقة خيالية، تحفظ الذاكرة فى طبقات من العطر والظل والصمت. يدعو هذا العمل المشاهد إلى التأمل فى سكون يلفه ما لا يُدرَك تماماً، وإن ظل حاضراً على نحو خفى. «رماد ونظام» «رماد ونظام» للفنانة روضة المزروعى من إمارة أبو ظبى، والعمل تأمل نحتى فى تقاطع الذاكرة والهندسة المقدسة. يكمن جوهره فى «السخام»، ذلك الفحم الطبيعى الّذى استعانت به المجتمعات البدوية قديما للإيقاد والتطهير والحفظ. وفى هذه النسخة، يعيد العمل تخيل «السخام» لا كبقايا متفحمة، بل كذكرى معلقة: كرة فولاذية مزدانة بنقوش دقيقة من الهندسة الإسلامية المعقدة، ومكسوة بطبقة من الفحم المسحوق. ويتمحور جوهر عمل «دائرة الضوء» حول السراج بما يحمله من دلالات ومعانٍ رمزية، حيث يقدم الفنان الكويتى محمود شاكر رؤيته فى عمل تركيبى من خلال استكشاف طاقة الضوء كعنصر جامع بين الروحانى والجمالى، حيث يتجاوز حضوره البعد المادى ليغدو رمزاً للتأمل والسمو. ويأتى عمل الفنانة ندا سلمان بور تحت عنوان «تكرار» ليقدم مقاربة بصرية مغايرة، إذ يستند إلى إعادة تشكيل أبسط الأشكال عبر تكرار خوارزمى منظَّم يضفى عليها معنى جديداً. وقد اعتمدت الفنانة فى إنجازه على مقاطع من الألمنيوم المعمارى، وهو عنصر متواضع وشائع فى البناء، لتعيد تأويله من خلال منظور الفن، والعمل يطرح تساؤلاً حول علاقة الفن بالعنصر المعمارى اليومى، وكيف يمكن للوظيفى أن يتحوَّل إلى حامل للدلالة والجمال. وقد فاز المصور المصرى مصطفى الشوربجى بالمركز الأول فى مسابقة الصور الفوتوغرافية. يقول: «أنا معتاد على التصوير فى الشوارع لكن خلال فترة المكوث الإجبارى فى المنزل بسبب وباء «كوفيد» التقطت هذه الصورة لوالدتى وهى تصلى، وقد تقدمت بها لأكثر من مسابقة وكل مره تفوز بالمركز الأول».