على مدى أكثر من 40 يوما، احتضنت الشارقة مهرجان الفنون الإسلامية، فى طبعته 22 تحت شعار "مدى"، والذي تنظمه دائرة الثقافة ويختتم أعماله غدا 21 يناير 2020. ونظم المهرجان في دورته الحالية 253 فعالية بين معارض وورش فنية ومحاضرات وجداريات، شارك فيه 108 فنانين من 31 دولة عربيةً تتصدّرُها الإماراتُ، ومصر والسعوديةُ،ُ.. كذلك من دولٍ أجنبيةٍ منها: كولومبيا، وإيطاليا، والمملكةُ المتحدةُ، والأرجنتين. ولأول مرة تشارك دولتي بلاروسيا وأستراليا...وضم المهرجان مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية التشكيلية والتركيبية والنحتية والجداريات والخط العربي وأعمال فنية معاصرة وغيرها من الأعمال التي تعكس روعة الفنون الإسلامية. جانب من فعاليات مهرجان الفنون الإسلامية وقال محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشئون الثقافية ومدير المهرجان، إنه يقوم على محاور تاريخيّة، وجماليّة، وإنسانيّة، تكشف عن تاريخ الفن الإسلامي العريق عن طريق استقطاب خيرة الفنّانين العالميّين، وقدّم تجهيزات أشبه ما تكون بحلقة وصل بين ما هو قديم مغلّف بغطاء عصريّ وحداثيّ، وتذهب الدورة الحاليّة إلى تقصي الجمال المُخبّأ في الطبيعة والكائنات والأشياء، ويمثل الشعار "مدى" القدرة على منح الفنانين المخيلة والمساحة الواسعة على إنجاز الأعمال وفق مفهوم الفن الإسلامي، وينطلق الفنان من خلاله نحو عوالم بصرية تتوارى خلف المكان. أشارت فرح قاسم مسئولة المهرجان إلى أنه يستقطب جميع فئات المجتمع، وأوضحت كيف يعمل على الانتشار، وكيف يؤثر الفن الإسلامي على الفنان غير المسلم، باستضافة فنانين غير مسلمين لتقديم أعمال لها علاقة بالفنون الإسلامية، وعمل دراسات وبحوث إلى أن يصلوا للعمل الفنى من خلال شعار المهرجان "مدى"، الذى يدل على الشيء العميق والمستمر بلا نهاية، وهو استكمالاً لشعارات المهرجان السابقة التى يترجمها الفنانون بحسب رؤيتهم، مؤكدة أن نجاح المهرجان وصل إلى الغرب وأمريكا، وبريطانيا، بالإضافة إلى وجود ضيوف من الأرجنتين، ولأول مرة من بيلاروسيا. جانب من فعاليات مهرجان الفنون الإسلامية وفى جولة بين أروقة المهرجان - الذي افتتحه الشيخ سلطان القاسمي بمتحف الشارقة للفنون- للتعرف على الفنانين وأعمالهم التى تنوعت فى مضامينها الفنية، مما يعكس توق الفنانين المشاركين لتقديم رؤاهم والتعبير بصرياً عن مفاهيمهم الجمالية ذات الصلة بالفنون، وتجسيد تلك المفاهيم فى أعمال فنية جميلة تعبر عن شعار المهرجان- كان لنا هذه اللقاءات: تألق الفن المصري كان لمصر حضور متميز؛ حيث شارك أكثر من خمسة فنانين تصدرت أعماهم المهرجان منهم: الفنان المصرى أحمد عسقلانى والذى تتميز أعماله باستخدام مادة الخوص التى تعيش مئات السنين ويقول عن معرضه بعنوان "مناجاة" إن السبحة كعمل فنى يكشف العلاقة الروحانية بين الإنسان وربه بوصفها أداة للتواصل الروحانى مع الخالق ومنها يتعلم المؤمن معنى الصبر فيمنح التسامح والرضا، وتتسم أعمال أحمد بحجمها الكبير إذ يبلغ طول السبحة أربعة أمتار تنقسم إلى ثلاثة قطع متنوعة تبهر الناظرين. وعن معرضه "روح المدينة" للفنان أحمد قرعلي، قال أنه يتكون من طبقات متتالية من قماش الشيفون، وهو فى الأساس، عمل مركّب يتخلّله النور الساكن الذى يجسّد العديد من المعانى والدلالات. وهو مزيج متجانس بين التشكيل بالضوء والتجهيز فى الفراغ. ويعدّ العمل نحتاً، حيث تمّ تفريغ النحت من كتلته ما جعله طائراً فى الهواء، بالخامات الجديدة " الشيفون والنور". ويشكّل النور ثلاثة أرباع الخامة، وهو ما يحدّد الأشكال كلّها، وإذا اختلف الضوء من أى اتّجاه يختلف التكوين كلّه. وعن مشروعه بعنوان "مبنى ينمو" ويعد أكبر عملى فنى بالمهرجان؛ حيث يصل ارتفاعه عشرة أمتار وتم التجهيز له لمدة عام. ويقول عنه قرعلي إنه جزء من مشروع نحتيّ أكبر يستكمله تباعاً فى كلّ عرض، ويشير إلى أنه يحاول تطوير الشكل المعماريّ فى الحضارة الإسلاميّة من وجهة نظر نحّات، متخيّلاً مدينة كاملة مستوحاة من هذا الإرث الفنّى. أما الفنان سامح الطويل فيسأل جوجل الذى استلهم منه اسم وفكرة معرضة وهو عبارة عن تطبيق رقمى ذكى يعمل على طرح أسئلة عدة عن الإسلام على محرك البحث جوجل، ويقوم بطباعة النتائج المصورة أوتوماتيكيا باستخدام طابعات مثبتة فى سقف المعرض إلى أن تمتلئ القاعة بالصور وتعد الأسئلة المعدة مسبقا من أهم الاستفهامات حول الدين الإسلامى من وجهة نظر الفنان والمتخصصين. يسعى معرض الفنّان إسلام على "كتب خارجة عن النسق" لإضافة محتوى بديل إلى هذه الهياكل مع الحفاظ على مظهرها وسلامتها بإعادة استخدام الهياكل القديمة للكتب ومنحها حياة جديدة ككتب الفنانين المعاصرين، ويخطط إسلام لإنشاء سلسلة من الكتب النحتية الفريدة ذات التاثيرات الثقافية المختلفة. جانب من فعاليات مهرجان الفنون الإسلامية فضاء غير محدود وأشارت الإماراتية عزة القبيسى فى عملها "تراكيب"، إلى أنه يسلط الضوء على تطوّر المعرفة المنقولة حول كيفيّة إنشاء الأنماط الإسلاميّة وأغراضها الزخرفيّة التى أظهرت الهويّة الإسلاميّة، حيث تنمّ الأشكال والتصاميم عن المنطقة التى أتت منها، خاصّة إذا كانت الأنماط هى أنماط الأزهار. ويستعيد الفنان السورى محمد حافظ من خلال معرضه"رحلات من حاضر غائب إلى ماض مفقود" ذكريات الطفولة فى بلده الأصلى، ويظهر فى أعماله وجهات نظره المتباينة عن بلاده التى مزقتها الحرب مستخدما أدوات بسيطة كالأساس المصغر ومكونات الراديو القديم وشخصيات الحركة ليترك فى نفس المشاهد لأعماله الانطباع المتولد عن العمل بين السخط والقلق. ويدعو أنطونيوساراجينو من إيطاليا فى عمله " اللانهائية" إلى استكشاف الأقواس الشاسعة فى تصميم المساجد بحيث تعطى صفوف الأعمدة والأقواس انطباعا مرئيا للفضاء غير المحدود بوصفه استعارة للتقدم فى الحضارة الإسلامية وتعظيم الرمزية الروحية والجاذبية البصرية والتقدم نحو حضارة مثالية. وحول عملهما الفنى"دراسة التراكيب" لوييد كافانو، وستيفان نوين من الولاياتالمتحدة، قائلين: عندما ننجز تجهيزاً فنّيّاً، يكون هدفنا مراعاة كلّ مساحة المعرض وتنشيطها باستخدام العمل الذى يملأ المعرض، وبالنسبة لهذا العمل فإنّنا نتصوّر إنشاء نموذج نفق طبيعيّ (شجرة) يسير عليها المشاهد، ويعبر من خلالها عندما يدخل مساحة العرض، ومع خروج المشاهد من النفق ونظره إلى المكان الذى جاء منه، سيرى نظاماً جذّاباً يُحاكى الأنماط المتكرّرة المميّزة للفنّ الإسلاميّ. وتبحث جيني كريمنس من الولاياتالمتحدة عن الجمال فى عملها "البحث عن الجمال "حيث تقوم بتصنيع الأشياء بتفاصيل يدويّة دقيقة تتناقض مع بساطة الموادّ المستخدمة، ومن خلال إعادة استخدام أدوات تسويقيّة تعود إلى ثقافة المستهلك، فتقول قمت بتمزيق أظرف ومغلّفات وكتالوجات يصعب إعادة تدويرها لأنّ أحبارها تحتوى على تركيزات عالية من المعادن الثقيلة، ومن ثمّ استخدمت هذه الموادّ فى أعمالى، حيث عملت على لفّ وطيّ وخياطة الأجزاء الممزّقة، وحوّلتها إلى نقوش منحوتة متآلفة، لتصبح أعمالاً مستقلّة وأعمالاً تركيبيّة تجذب المشاهد إلى عوالم صغيرة، ولكن لانهائيّة كأنّها المدى. وذكرت الفنانة الفنزويلية ماجدالينا فرنانديز أنها استلهمت فكرة عملها من الحركة المستمرة للبحر وكثافة مياهه لتمثل الأمواج، حيث يستحضر معرضها الحركة الإيقاعية للأمواج فى البحر من خلال تجسيد اتجاهاته المختلفة وقوته المتفاوتة حيث يبدأ الفيديو بوحدات هندسية أساسية وبسيطة تتحرك فى شبكات عضوية تقترب فى اللحظة التى تندفع فيها الموجة للتحرك بعيداً عن المسار الذى تخلقه فى الرمال مع عودة المياه إلى البحر. ويدعوالفنان الصينى لى هونجبو فى معرضه "إزهار" إلى الكف عن الاذى والكراهية والمعاناة الدموية التى تولد النزاع الذى يقود إلى الحرب من خلال لغة بصريّة لافتة، تعكس حيويّة "هونجبو" وطاقته الكامنة فى الأشياء، ويؤدّى العمل المكون من الورق مهمّته فى جذب المشاهد وخلق الدهشة لديه، حيث يتداخل اللون، وينسكب فى أفضية المعرض والجهات جميعها، على شبه كبير من ظاهرة طبيعيّة تدعو إلى التأمّل. صلاة مستمرة ويستعرض الفنان الإسباني خوسيه كارلوس تجربته الفنية التى حملت عنوان "التراث" والتى تنتمى إلى ثقافة تراثية، حيث استخدم لوح أموى جلدى مذهب لقناعته بأنه صلاة مستمرة مليئة بالضوء، وتعج بالفروع والأوراق المقدسة وتعبيرات الليالي المظلمة، قائلاً: إن اللوح الجلدى المذهب هو مشهد من الأشكال التى تنتهى بها المطاف فى الجمال الذى يمتد منذ بدء العمل عليه وحتى الانتهاء بإنجازه حد الكمال. وحول عمل الفنان الأمريكي ايريك ستاندلي "الجوهر لا ينتظر" فهو يشكل تجربة فنية لافتة تتيح للمتلقى أن يلامس جوهر الأشياء ومشاهدة تصاميم هندسية لافتة نفذت بطريقة معاصرة، من خلال إنشاء تجهيزات متعددة الطبقات باستخدام الليزر المستند إلى التحكم العددى بالكمبيوتر، ويسعى العمل إلى تقديم أمثلة مادية للجوهر قبل الوجود، إذ يتجاوز النموذج الأصلى الدلالة المحلية والفورية، كما يستدعى القلب ليشهد على الشيء اللامتناهى. أما الفنانة الإندونيسية سينتا تانترا فقد استلهمت اسم معرضها "من أفق إلى أفق" من مقطع شعرى للشاعر جلال الدين الرومى، حيث يجسد العمل الجمال الطبيعى لشعر الرومي محتفياً فى الوقت نفسه بالضوء والألوان والطاقة والحياة فيما يندرج فيه زخارف وألوان إسلامية، هذا وتتمحورأعمال سينتا حول لغة الألوان والأشكال العالمية التى تعود إلى فترة ما بعد الحداثة وتستلهم رؤيتها فى الوقت نفسه من تراث بلادها وتقاليدها. أما العمل الفني المعنون "نحن موجودين عندما ننعكس فى الآخرين" للأخوين ماريو وديانا رودريغز، يسعى إلى إثبات علاقة البشر بالطبيعة والكون كجزء من نفس قوة الخلق والوعى العالمى الذى يحكمنا، مؤكدين أن كلمة "نحن" هى لا متناهية فى حد ذاتها كما أنها تعبر عن التفرد، وعن كون المرء جزءاً من الكل، بالإضافة إلى خلق دهشة طبيعية فى مواجهة اتساع الكون من خلال الإستعانة بعنصر الضوء. هذا وأتاح المهرجان للمتلقى التنقل بين ربوع إمارة الشارقة لمتابعة فعالياته من معارض، ومحاضراتٍ، وجدارياتٍ، استضافتها دائرةُ الثقافةِ بالتعاون مع 28 جهةً فى الشارقةِ، منها مركزُ مرايا للفنونِ، والقصباءُ، ومسرح المجاز، وكلّيّةُ الفنونِ فى جامعةِ الشارقةِ، ومتحفُ الشارقةِ للخطِّ، وبيوتُ الخطّاطينَ، وجمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، ودائرة الشئون الإسلامية، وغيرها من الجهات الرسمية، بالإضافة إلى تنظيمُ 160 ورشةً فنيةً فى الخط الأصيل والكوفى والنسخ والثلث، وغيرها من الخطوط، بإشراف أساتذة من دولٍ عدة، كذلك عرضُ خمسةَ عشرَ عرضاً تسجيلياً لتجاربَ فنيةً متنوعةً.