قصة ارتباط جماعة الإخوان بتركيا بائسة من مبدئها لمنتهاها، بدأت بمحاولة مؤسسها بعث دواعى التخلف والاستبداد ونهب خيرات الأمة تحت راية الدين بعد أن زال ذلك كله بسقوط السلطنة العثمانية داعيًا لإقامتها مجددًا، وانتهت بأن صارت الجماعة اليوم إحدى أدوات تركيا الأردوغانية لاحتلال أراض عربية. وبعد مضى عشرات السنين لا تزال الجماعة تروج ذات الخدعة؛ فقديمًا على الرغم من جرائم العثمانيين وأن دولتهم جرت العرب إلى الرجعية والجمود بينما يزدهر العالم من حولهم، فقد وصم قادتها الحركات الإصلاحية بالعداء للإسلام ووصفوا محاولات التقدم للأمام بعيدًا عن شبح الاحتلال العثمانى بالردة الحضارية، وحديثًا رغم احتلال تركيا أراضى عربية وسعى أردوغان للمزيد من التوغل فى عمق سوريا وصولًا لشرق الفرات حيث حقول النفط فى منبج ودير الزور يدعى قادة الإخوان وحلفاؤهم كذبًا وسخفًا أنهم فى مهمة مقدسة خلف خليفتهم المزعوم. أحد قادة التنظيم الدولى للإخوان والذى يقوم بمهمة تكتيل الجماعة وحلفائها الإرهابيين فى مختلف البلاد العربية والإسلامية خلف الغازى التركى الجديد، وعد أردوغان من قلب مدينة عفرين السورية مع بداية احتلال الأتراك لها بالتفانى وتسطير الملاحم البطولية مباركًا احتلال أرض عربية بعد أن ظل يعزف طويلًا لحن تحرير القدس، والآن بعد مرور عام كامل على احتلال عفرين منذ يناير 2018م وضح للجميع أن غزوهم المدن العربية هو من جنس الغزو العثمانى الغشوم قديمًا بداية من الدماء التى تراق إلى تخريب البيوت والمرافق والآثار إلى نهب الثروات، حيث تم الاستيلاء على محاصيل الزيتون وسرقة زيتها وبيعه خارج سوريا علاوة على تحويل المنازل والمزارع لمقار عسكرية وفرض الضرائب وتحصيل الإتاوات، وهو نفس نهج المحتل العثمانى قديمًا كما وثقته كتب التاريخ الصحيحة، لا تلك التى حاولت غسل جرائم العثمانيين والتى زيفها بعض الخائنين للأمانة العلمية وللأوطان. بسبب حسابات مختلف الأطراف صارت طموحات الغازى التركى الذى قال إنه يتشبث بميراث أجداده فى كل مكان أضغاث أحلام؛ فقد كان المخطط هو تقاسم النفوذ بين تركيا وإيران ومعهما قطر بالمنطقة العربية، على أن تتمدد تركيا بالدول السنية بوصفها قادرة على الترويج لنفسها فى هذا المجال، والآن تفقد الدولتان إسناد الآخر مع إجبارهما على تقليص نفوذهما. وكما فشل أردوغان فى تحقيق مخططاته الاستعمارية فى الشمال السورى بورقة تكامل النفوذين التركى والإيرانى، يفشل فى المناورة بين أمريكا وروسيا؛ فطرف رافض لإبادته الأكراد وإخراجهم من مناطقهم ومن ثم احتلالها، وآخر يضغط فى اتجاه تضييق الخناق على التكفيريين المسلحين حلفاء أردوغان، الذى صار يذعن فى كل مرة لشروط واشنطن وموسكو بعد أشواط من التودد لهما، ويتراجع مجبرًا عن خططه فى السيطرة على شمال شرق سوريا، التى سعى بتنفيذها لضمان فوز حزبه الذى يعانى انهيار شعبيته فى الانتخابات البلدية نهاية مارس المقبل. قاومت الدول العربية مخططات أردوغان الاستعمارية وما كان تراجعه وانهزامه مع ميليشياته الإرهابية إلا بفضل ما شهدته مصر منذ يونيو 2013م إلى اليوم، ولا تزال الدول العربية تواصل تقويض النفوذين التركى والإيرانى فى العراقوسوريا، وتلاحق محاولاته عبر البحر الأحمر من بوابة السودان، وعبر الخليج العربى من بوابة قطر، وعبر خليج عدن والمحيط من بوابة الصومال. التجرؤ التركى على مصر أذلته الدولة المصرية التى رفضت حكم جماعة أرادت لعب دور الخونة الذين ساعدوا العثمانيين قديمًا فى غزو مصر واحتلالها مقابل منحهم الحكم والإمارة، وكانت هذه كلمات القائد العربى الذى قاد المقاومة ضد هذا الغزو الحديث، فقد أوضح الرئيس السيسى أن من يحمل السلاح ضد الدول العربية ومصر هو فقط الحلقة الأخيرة من سلسلة إجرامية تشمل من يموله ويسلحه ومن يستخدمه كمخلب قط لإنشاء مناطق نفوذ والتدخل فى الشئون الداخلية لدولنا العربية، ولا مجال لأن نستثنى أى حلقة من حلقات هذه السلسلة الإجرامية. يحدث العكس تمامًا اليوم بالمقارنة بالغزو والاحتلال العثمانى القديم؛ فقد صمد العرب دولًا وشعوبًا وها هم يناضلون فى سبيل تقدم ونهضة واستقلال بلادهم، بعكس وضعية العرب المنهارة تحت الاحتلال العثمانى قديمًا اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، وهو ما أوصل لاحتلالها من القوى الاستعمارية الغربية. وفى حين يستسلم لأردوغان فقط العملاء والخونة ممن هربوا إليه بعد رفض الشعب حكمهم، يصمد ويبقى الوطنيون الأحرار لينطبق عكس المقولة الشهيرة: راحت رجال الهيبة وبقيت رجال الخيبة. التى ترددت على ألسنة المصريين عندما ترحموا على أيام المناضلين الوطنيين أمثال السلطان البطل طومان باى فى مقابل بقاء وكلاء المستبد التركى أمثال خاير بك الذى أطلق عليه المصريون لقب خاين بك وهو أول والى عثمانى لمصر، أما اليوم فقد راحت رجال الخيبة وبقيت رجال الهيبة. لمزيد من مقالات هشام النجار