حسنا فعلت الهيئةُ القومية لسكك حديد مصر بأن فرضت غرامة فورية علي المُدخن داخل القطارات تبلغ خمسين جنيها، وتُحصل تلك الغرامة أضعافا كثيرة إذا نزل المدخن من القطار وحُرر له محضرٌ بعدم الدفع. ورغم تذمر كثير من هذا القرار؛ لأنه أتى مُخالفا لهواهم، إذ إنه أرغمهم على الإقلاع عن التدخين في المواصلات العامة حفاظا على صحة المواطنين، وصونا للقطارات من كثير من الكوارث التي تنجم عن تلك العادة الرذيلة المسماة التدخين، إلا أن الحكم على أي قرار يكون بمقدار ما يُحققه من فائدة، ويدفعه من أضرار وأخطار!. والمتأمل بعين الإنصاف يجد أن فرض هذا القرار فيه كثير من الفوائد ليس للمدخن وحده، بل للمجتمع ككل، ففيه صونٌ لصحة المدخن التي هي نعمة لا يعرف قيمتها إلا من حُرمها من العجزى والمرضى، الذين حبسهم المرض عن القيام بأعباء الحياة، وطرحهم على الأَسرة ينتظرون الموت ليُخفف عنهم ما يعانون من آلام وأوجاع!. كما أن فيه حفاظا على صحة المتأثرين بالتدخين السلبي ممن شاءت أقدارهم أن يجلسوا في أسفارهم بجوار مُدخن لم يرقب فيهم ذمة ولا رحما، فينفخُ في وجوههم زفيره الملوث بدعوى الحرية، مُعللا قبح صنيعه بأنه كان لزاما على المضار أن يستقل وسيلة مواصلات خاصة، ويترك لأصحاب المواصلات العامة حرية أن يفعلوا ما يشاءون، ناسيا أن حرية المرء يجب ألا تتعارض مع حقوق الغير؛ لأنها متى تعارضت تتحول إلى جُرم وتعدٍ؛ لا بد له من قانون يردعه. وأخيرا فإن في تطبيق ذلك القرار الصائب صونا لثروات البلاد التي تُقدر بالملايين، بل بالمليارات تنفق على تلك العادة السيئة التي لا طائل منها سوى المرض والفقر لأصحابها، والإضرار بالمجتمع ككل. إن ما تُنفقه الدولة من مليارات سنويا في علاج ضحايا التدخين، أكثر بلا شك مما تضخُه شركات التبغ من أموال، ومن ثم فإنها تجارة خاسرة تتطلب أن تعيد الدولة النظر في نشاط تلك الشركات. إن قرار هيئة السكة الحديد بمنع التدخين هو خطوة على الطريق الصحيح، يجب أن تعمم في جميع وسائل المواصلات، والأماكن المغلقة، والميادين العامة والمتنزهات، حفاظا على الصحة والممتلكات. وليس العبرة بسن القانون وفقط، بل العبرة بآليات تنفيذه والحرص على تطبيقه، فكم من قانون صدر ولكنه للأسف (مجرد حبر على ورق)؛ لأنه لم يجد من يفرضه على أرض الواقع، وهذا ما لفت إليه الشرع بقوله: من لم يزعُه القرآن يزعه السلطان. فحسنا فعلت سكك حديد مصر، ويا حبذا لو فعلت مثلها باقي المصالح والمؤسسات لتصير مصرُ بلا تلوث. Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى