في أحد كتب الأدب الحديث وبتصرُفٍ أن أحد الثقات المشهودِ لهم بالصدق في القول والحيادية في النقل بلا تقليل أو تهويل، كان في زيارة إلى لندن، وأثناء سيره في أحد الشوارع رأى طُغمة (أى جماعة) من البشر يصطفون في طابور طويل. ينتهي بهم إلى منفذ لتوزيع المواد الغذائية، يصل إليه الناسُ عبر ذلك الصف، إذ يأتي اللاحقُ فيكون في عقب السابق دون مُزاحمة أو ضجيج، أو صياحٍ أو عويل، وإن شئت فقل دون أن تسمع لهم همسا، فلا يأخذ أحدٌ مكانَ أحد، فالكل يحترمُ الدور، سواء كان وزيرا أو خفيرا، غنيا أو فقيرا، رجلا مُسنا يتكأ على عصاه، أو شابا فتيا تهتزُ الأرض من تحت قدميه، طفلا أو امرأة أو فتاة، وتلك عادتهم في كل شيء أمام دور السينما وبيوت المسرح، أمام منافذ البيع أو شبابيك تذاكر المترو والباصات، أمام مكاتب البريد وأكشاك الجرائد وخلافه، فلا تقع عينُك إلا على النظام واحترام الآخرين.. يقول الكاتب : ثم عض صديقي راوي المشهد على شفتيه مُتعجبا، واسترسل: بل إن النظام انتقل بالتبعية من البشر إلى الحيوانات، إذ ألفيتُ في أحد الطوابير كلبا يحملُ في فمه سلة وبها النقود ومكتوبٌ بما هو مطلوب، وكلما خطى المُتقدم على الكلب خطوة كان الكلب في عقبه، دون أن يتخطى دوره، ودون أن تُحدث نفسُ من جاء بعد الكلب أن يسبقه ! وبعد أن فرغ صديقي من حكايته شرد ذهني للحظات قارنتُ فيها بين حالنا وحال ذلك المجتمع الذي عرف النظام في كل شيء، حتى إنه انتقل إلى الحيوانات، بينما نحن مازلنا نتخبطُ في دروب الفوضى والغوغائية والفهلوة، إذ رفع الناس شعار( وفاز باللذات كل فوضاوي غوغائى، طاعنٍ بسكين بارد في كبد النظام واحترام حقوق الآخرين)، وكان من نتيجة ذلك أن نرى أناسا فى قمة الأبهة يزاحمون ويصيحون، وكثيرا ما يكذبون لأخذ أماكن الآخرين، سواء أمام أكشاك الخبز، أو المُجمعات الاستهلاكية، أو بقالات التموين، فتجدُ نفسك بعدما وصلت بشق الأنفس لمنفذ الخدمة من يمدُ يده من فوق رأسك ليأخذ دورك، نفس الشيء يتكرر يوميا بمحطات المترو، إذ تجد وأنت واقف على درجات السلم الكهربائي من يأتي من خلفك مُندفعا يصعد في الدرج ليلحق القطار، غير مُكترث بالتطامه بك وربما وقوعك وإصابتك، وليست عيادات الأطباء بأحسن حالا، وغيرها من الأماكن والمصالح، التي صار الزحام فيها، والتعدي على حقوق وأدوار الآخرين هما اللغة السائدة .. بعدها أُبت إلى رُشدي ضاربا كفا بكف مُتعجبا من أناس لم يتعلموا النظام الذي تعلمته الكلاب في الغرب ! Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى;