ظل سمير أمين يناضل ضد هيمنة الامبريالية العالمية، وانفراد الولاياتالمتحدة بهذه الهيمنة رغم ارتباط الفكرة تدريجيًا بثالوث الامبريالية الجماعية من الولاياتالمتحدةالأمريكية واوروبا واليابان. ومن ثم يصبح عالم الجنوب ليس هو العالم الثالث فقط بل إنه يضم الدول البازغة الجديدة، والعالم الرابع. لذلك اهتم سمير أمين فى هذا الصدد دائما من تصديره لما يسميه مشروع باندونج 55 / 1975: والأساس فى ذلك هو تصور سمير أمين المسبق عن مرحلة مشروع باندونج (1955-1975) والتى شكلت فيها دوله الناهضة المواجهة الاولية مع الإمبريالية العالمية بأشكال مختلفة من المقاومة والمبادرات الاستقلالية للشعوب بين 1955/1975. والتى أعقبها تغير أو تحديث أساليب الإمبريالية فى السيطرة وسطوتها على النظام المالى المعولم ، وعلى احتكار أسلحة الدمار، ومناهج ترسيخ امبراطورية الفوضى. لم يقبل سمير أمين التصنيف الهزلى أو الأيديولوجى للعالم حول التراتب الرأسمالى الى سبعة أقطاب مثلا دون رؤية حقيقية لواقع المتغيرات فى النظام العالمى . لكن العوالم الأربعة عنده تضم، فى الأول: الثالوث الإمبريالى (الولاياتالمتحدة ، أوروبا، اليابان) ثم يأتى الثانى وهى الدول البازغة ليضم فى مقدمتها ( الصينوالهند والبرازيل) وبدرجات ما روسيا التى يحاول الثالوث إبقاءها فى التخوم مثل أوروبا الشرقية ...وفى تصنيفات أخرى لسمير أمين يسمى دولا متوسطة النمو فى وضعها مثل فنزويلا وماليزيا وجنوب إفريقيا...الخ وينطلق من ذلك التوسط إلى دراسة وضع العديد من الدول الأخرى مثل إيران وتركيا ومصر وغيرها. وعندما يأتى ذكر العالم الرابع فهى معظم دول الجنوب من أفريقيا والعالم العربى والاسلامى ، التى يعتبر الجنوب المهمش الذى يبقى مصدرا للموارد الرأسمالية، ممثلا بالضرورة لحالة الأ بارتيد على المستوى العالمى. وظل البازغون عند سمير أمين هم التحدى الأساسى للرأسمالية التى لا تشكل عنده إلا مرحلة عابرة فى التاريخ، لأن المستقبل بحكم التفاعلات العالمية سيكون للاشتراكية ولو على المدى البعيد . ولذلك يعطى سمير أمين أهمية لفهم الأزمات العالمية على أسس هذا التفاعل، ليقول بأن الأزمات الأخيرة 1980/2008 لم تكن أزمات مالية، ولكنها أزمة الرأسمالية الإمبريالية نفسها والخروج منها لابد أن يكون بالضرورة خروجاً من الرأسمالية المتأزمة وليس من أزمة الرأسمالية. والعولمة «المنتصرة» التى بدت أنها تحميها، تتعرض بدورها لأزمة تعدد الاستقطاب وليس لصعود خط العولمة المستمر منذ خمسة قرون . إذ كلما بدت أنها تحقق نهاية التاريخ بدت فى مواجهتها مؤثرات ثورية تهز قوائمها بشكل ملحوظ مثل ثورات روسيا والتحرر الآسيوى الإفريقى، وحركة بزوغ القوى الجديدة على الصعيد العالمى من قبل. سمى سمير أمين تجاربه فى مواقع عمل أو نشاط غير حكومى فى بلدان الجنوب بالمعارك من أجل إحياء مؤسسات دولية هى فى الواقع للبحث والتنقيب لتغذية الوعى العلمى والثقافى العام بمشكلات عالم الجنوب الذى عاش كناشط سياسى للدفاع عن مستقبلها. ومن أبرز هذه المؤسسات المعهد الأفريقى للتنمية والتخطيط (داكار) كما تم تأسيس المجلس الإفريقى لتنمية البحوث الاجتماعية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث، والمنتدى الاجتماعى العالمى. والمنتدى العالمى للبدائل: إن تحليل سمير أمين الدائم لخريطة النظم العالمية يلقى هو نفسه ببعض أبعاده ليفكر فيها مثقفو بلدان الجنوب وحركاتها الوطنية الشعبية، لأن سمير أمين كان يقول دائما، إنه ليس مفكرا فى الاقتصاد السياسى بقدر ما هو ناشط أيضاً على مستوى عالمى، لأن حركة التحرر من الإمبريالية العالمية الجماعية، هى أيضاً حركة عالمية جماعية بالضرورة ، والعلوم الاجتماعية عنده عالم مفتوح لا تحكمه الحتمية الفيزيقية التقليدية- مثلما أن أفق الاشتراكية مفتوح لاحتمالات عديدة واجتهادات نقوم بها جميعا. بالنسبة للتجربة الصينية, سفَّه سمير أمين القول أن سبب النمو الصينى هو الانفتاح على الخارج ودخول رأس المال الأجنبى، بينما عملية البناء الماوية هى التى وضعت الأسس التى بدونها ماكان الانفتاح قد حقق نجاحه الباهر، وقارن فى ذلك مع الهند، لأن النجاح انما يرجع فى الصين الى المشروع الصينى المستقل، وبقاء الصين خارج العولمة المالية... الخ. ومن هنا القول ان الصين قوة صاعدة حقيقية ومستقلة. وبالنسبة لتجربة روسيا انطلقت ملاحظات سمير أمين على النظام السوفيتى من مرحلته فيما بعد الحرب الثانية، ليس فقط النظر فى مقولة الحرب الباردة، ولكن فى جهد الخروج من العزلة التى فرضتها عليه الامبريالية من 1917 1991 . ومع ذلك بقيت العولمة الجديدة متعددة الأطراف: الغرب الامبريالى، الاتحاد السوفيتى، الجنوب المستقل. قدم سمير أمين فى أحدث أعماله عن مستقبل مصر 2015 بعض النقاط التى يستخلصها لمجمل بلدان تحرر أو تكتل بما يتطلب الآتى: اختيار طريق الاستقلال، حتى لو كان توافقيا مع القوى التى كانت مستفيدة من النظام . وحق تقرير مشاريعنا التنموية السيادية رغم رفض فقهاء العولمة، وذلك بالسير نحو التصنيع فى اطار بنية قضائية واجتماعية تقبلها الشعوب. وضمان الاستقلال الغذائى. والتعاون الأوثق بين دول جنوب/ جنوب. والتعامل مع مفهوم المجتمع الدولى باستقلالية وليس وفق سيادة محور العولمة. وإبراز طابع ومفهوم عدم الانحياز رغم تغير الظروف، ليبقى بمعنى عدم الانحياز للعولمة، التى يريدون فرضها علينا، واستعادة الحقوق المتساوية لجميع الدول لبناء عولمة عادلة. سمير أمين فى ساحة الفكر العالمى: لا نستطيع أن نصدر الآن تقييما يليق بمفكر يواصل العطاء والتطوير منذ أكثر من نصف قرن، مستوعبا تجارب وأفكارا وطنية، وإقليمية وعالمية, كماركسى، مصرى افريقى، وكمحاور عالمى، يكتب فى أصعب الأطروحات العلمية، عن التراكم ، وفائض القيمة ، كما يكتب مئات المقالات المدققة والثقافية ، من Monthly Review إلى أفريك آزى Afrique Asie إلى صحيفة الأهرام المصرية، وكذا فى دور النشر العربية والصينية والروسية والأوروبية. ومع رفقتى له على مدى أكثر من أربعين عاما ، فإننى أتابع ولا أزعم القراءة الكاملة لأكثر من خمسين كتابا يترجم معظمها تباعا لكل اللغات. ولم يتوقف سمير أمين عند حالة التفاؤل أو التشاؤم، وهو كمفكر وعالم يطرح علينا الكثير، وتساءل عن الكثير، وشاركنا فى الكثير من همومنا. وداعا للمفكر الكبير. لمزيد من مقالات حلمى شعراوى