قال عالم الاقتصاد المفكر الكبير سمير أمين، إن هناك تناقضًا كبيرًا بين نمط العولمة الاقتصادية المسيطر على العالم و منطق الدولة الوطنية و القومية، وأن هذا التناقض يؤدي إلى تصفية كيان الدولة. وأضاف «أمين» خلال الندوة التي أقامتها دار العين مساء أمس- الثلاثاء، لمناقشة كتابه «قضايا الشيوعية المصرية» إن العولمة ظاهرة قديمة قدم الإنسانية، لكنها دخلت في مرحلة جديدة انطلاقاً من التغيير الذي حدث في الفترة من 1975 – 1990، وأن هذا التغيير في الكيف، هو المسيطر على الأمور حتى الآن. وأوضح المفكر الكبير أن هذا التغيير أدى إلى تمركز السيطرة على رأس المال الاحتكاري، وسيطرة الاحتكارات المعممة على جميع النظم الإنتاجية الحالية، وأن هذا يعني امتصاص الفائض المنتج وتحوله إلى ريع احتكاري أو استعماري، و من ثم يحدث التفاوت الكبير في الأجور. و تابع «أمين»: هذا النمط من العولمة الاقتصادية المسيطر على العالم لا مستقبل له، لأنه يؤدي إلى تصفية كيان الدولة، والمجتمعات حتى الآن لا تعرف طريقة أخرى للعيش خارج إطار الدولة، فلا يوجد تصور لإدارة المجتمع دون دولة، و لا يمكن إدارته من خلال المنظمات الأهلية أو السوق، و هذا التناقض أعتقد بل أؤكد أنه قاتل لهذا النمط من العولمة. و ذكر «أمين» أن تاريخ مصر الحديث به فترتي صعود؛ الأولى منذ عهد محمد علي حتى عهد الخديوي إسماعيل أي منذ عام 1805 و حتى 1879، والثانية للصعود كانت في الفترة من 1919 – حتى وفاة جمال عبدالناصر 1970، لافتًا إلى مرحلة ردة طويلة بين المرحلتين، تم فيها إعادة هيكلة المجتمع المصري بصفته منتمي إلى التخوم التابعة لنمط العولمة، وإعادة هيكلة الاقتصاد لكي يخضع للنمط الجديد من العولمة ولا يصبح طرف فاعل في هيكلتها. وأشار العالم الكبير إلى أن مطالب وطموحات المصريين واحدة منذ قرنين، وتتمركز في الرغبة في تحقيق الاستقلال الوطني، بمعنى أن تصبح مصر قادرة على أن تصبح فاعل في تكوين العولمة، والتقدم الاجتماعي وهو في رأيه جزء من الحركة الشعبية في إطار الرأسمالية الحديثة نحو الإشتراكية، أو بمعنى أوضح "العدالة الاجتماعية"، و ثالثًا الرغبة في الوصول إلى الديمقراطية. وعن المرحلة الناصرية قال «أمين»، إن الفترة من 1952 – 1955 لم تكن تمثل مشروعًا وطنيًا أو قوميًا، مؤكداً أن مصر في تلك المرحلة كانت تحاول أن تتكيف مع العولمة، بفتح الباب لرؤوس الأموال الأجنبية بالدخول إلى السوق المصري. و ذكر "أمين" أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم يكن يدرك خطورة الإمبريالية الأمريكية حتى مؤتمر باندونج، مؤكداً أنه كان يرى – في تلك الفترة- أن بريطانيا هي العدو الحقيقي، رغم أنها في ذلك الوقت كانت دولة امبريالية في الأفول، وكانت الولاياتالمتحدة هي القائدة للإمبريالية العالمية. وفي نهاية اللقاء الذي جمع الكثير من القامات الثقافية و السياسية، أكد المفكر الكبير أنه لا تغيير من دون الخروج من النمط الجديد من العولمة الاقتصادية وكذلك التخلص من الممارسات النيوليبرالية.