وزير التعليم العالي: البحث العلمي قاطرة التنمية والدولة تضعه في صدارة أولوياتها    عضو بالشيوخ: توجيهات الرئيس السيسي قطعت الطريق على محاولات التشكيك    وزارة التموين تحقق زيادة في توريد القمح المحلي أكثر من 4 ملايين طن    وزير السياحة يبحث مع سفير هولندا بالقاهرة تعزيز التعاون المشترك    رئيس الجمارك يوضح آلية التسجيل المسبق للشحنات الجوية «ACI» ويؤكد استمرارية دور المستخلص إلكترونيًا    «كوانتم إنفستمنت بي في» تزيد حصتها في شركة إيديتا للصناعات الغذائية في صفقة تبلغ قيمتها 1.26 مليار جنيه    تهديد إسرائيلى جديد ينسف اتفاق وقف إطلاق النار فى القطاع    مدفيديف مندهش من تصريحات السياسيين الأوروبيين بشأن السلام    وزير الدفاع الإيطالي: لا خلافات داخل الحكومة بشأن المساعدات المقدمة لأوكرانيا    دعوى أمام محكمة أمريكية تطعن في إنهاء حماية مواطني جنوب السودان من الترحيل    نيجيريا تتقدم على تنزانيا بهدف في الشوط الأول بكأس أمم أفريقيا 2025    القبض على المتهمين بسرقة هاتف محمول من شخص بالقاهرة    الأرصاد الجوية ترصد تفاصيل الظواهر الجوية المتوقعة غدا الأربعاء .. اعرف التفاصيل    موعد ومكان عزاء الماكيير الراحل محمد عبد الحميد    أحمد رفعت: «بعتبر نفسي أقل الفنانين حصولًا على أجر»    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    حسام عبدالغفار: التأمين الصحي الشامل يحظى باهتمام كبير من الدولة    غرفة العمليات الحكومية الفلسطينية تحذّر من خطورة الوضع الإنساني بقطاع غزة    أبو الغيط يدعو إلى التفاعل الإيجابي مع مبادرة السلام السودانية المقدمة لمجلس الأمن    المصرية للاتصالات تختار "نايس دير" لإدارة خدمات الرعاية الصحية لموظفيها    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    محافظ المنيا يتابع الجاهزية الطبية ويشيد بجودة الخدمات المقدمة    إحالة للمفتي.. الحكم علي عاطل قام بخطف طفله وهتك عرضها في البحيرة    تعرض محمد منير لوعكة صحية ونقله للمستشفى.. اعرف التفاصيل    مؤتمر أدباء مصر يُكرم الدكتور أحمد إبراهيم الشريف تقديرا لمسيرته الإبداعية    جامعة عين شمس تناقش مقترحات الخطط الاستثمارية للعام المالى 2026/2027    لأول مرة تجسد شخصية أم.. لطيفة تطرح كليب «تسلملي» | فيديو    وكيل تعليم القاهرة يتفقد مدارس إدارة منشأة ناصر التعليمية    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    رمضان 2026 |خالد مرعي مخرج «المتر سمير» ل كريم محمود عبدالعزيز    ألمانيا: إيداع سائق السيارة المتسبب حادث السير بمدينة جيسن في مصحة نفسية    رئيس "سلامة الغذاء" يستقبل نقيب الزراعيين لتعزيز التعاون المشترك    وكيل وزارة الشباب والرياضة بالفيوم يستقبل لجنة «المنشآت الشبابية والرياضية» لمتابعة أعمال مراكز الشباب بالمحافظة    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مليار مشاهدة.. برنامج دولة التلاوة فى كاريكاتير اليوم السابع    حكام مباراة الثلاثاء ضمن منافسات الدوري الممتاز للكرة النسائية    وزير الدفاع الإسرائيلي: إسرائيل لن تنسحب أبدًا من قطاع غزة    محمد منير بخير.. مصادر مقربة تكشف حقيقة شائعة تعرضه لوعكة صحية    وزير الدفاع الإسرائيلي يطرح احتمال إنشاء مستوطنات في شمال غزة    مودى ناصر يوقع على رغبة الانتقال للزمالك وإنبى يحدد 15 مليون جنيه لبيعه    رئيس جامعة المنوفية والمحامي العام يناقشان آفاق التعاون المجتمعي    ميناء دمياط يضخ 73 ألف طن واردات في يوم حيوي    أمم إفريقيا - مؤتمر محرز: لا أعذار.. نريد كتابة تاريخ جديد لمنتخب الجزائر    أمم إفريقيا – مؤتمر مدرب السودان: أحيانا أسمع وفاة أحد أفراد أسرة لاعب في الفريق    محافظ شمال سيناء يفتتح عددا من الوحدات الصحية بمدينة بئر العبد    هذا هو موعد جنازة الماكيير الراحل محمد عبد الحميد    وزير التعليم في جولة مفاجئة بمدارس إدارتي ببا وسمسطا بمحافظة بني سويف    ضبط شخصين بالمنيا لاتهامهما بالنصب على المواطنين    البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باخوميوس بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون    «الصحة» توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية النفسية    ضبط صاحب شركة بالإسكندرية لتجارته غير المشروعة بالألعاب النارية والأسلحة    الأهلي في اختبار صعب أمام المحلة بكأس الرابطة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    وزارة التعليم: أحقية المعلمين المحالين للمعاش وباقون في الخدمة بحافز التدريس    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    أمم إفريقيا - ياسر إبراهيم: أحب اللعب بجانب عبد المجيد.. ونعرف جنوب إفريقيا جيدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفاشية فى الجنوب المعاصر
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 08 - 2014

اعتمد اندماج أمريكا اللاتينية فى الرأسمالية المعولمة فى القرن التاسع عشر على استغلال الفلاحين، الذين تراجعت مكانتهم إلى مستوى عمال السخرة، وتعرضوا لممارسات وحشية من كبار ملاك الأراضى. ونجم عن تعزيز هذا التكامل فى القرن العشرين ظاهرة «تحديث الفقر». كما أدت الهجرة السريعة من الريف إلى أشكال جديدة من الفقر فى الأحياء الحضرية الفقيرة المعاصرة، جاءت لتحل محل الأشكال القديمة من الفقر الريفى. وفى نفس الوقت، تم تحديث أشكال السيطرة السياسية على الجماهير عبر إقامة الديكتاتوريات، وإلغاء الديمقراطية الانتخابية، وحظر الأحزاب والنقابات، ومنح المؤسسات الأمنية «الحديثة» جميع حقوق الاعتقال والتعذيب، من خلال أساليبهم الاستخبارية. وخدمت دكتاتوريات أمريكا اللاتينية فى القرن العشرين الكتلة الرجعية المحلية (كبار ملاك الأراضى، البرجوازية الكومبرادورية، والطبقات المتوسطة أحيانا التى استفادت من هذا النوع من التنمية الرثة)، ولكنها خدمت، قبل كل شيء، رأس المال الأجنبى المسيطر، وتحديدا رأس المال الأمريكى، الذى، لهذا السبب، قام بدعم هذه الدكتاتوريات، إلى أن أطيح بها خلال تفجر الحركات الشعبية، مؤخرا.
•••
وبداية من الثمانينيات، حلت التنمية الرثة كإحدى سمات انتشار الرأسمالية الاحتكارية، محل النظم الوطنية الشعبوية فى عصر باندونج (19551980) فى آسيا وأفريقيا. واتخذت هذه التنمية الرثة أيضا أشكال أقرب إلى كل من تحديث الفقر وتحديث العنف القمعى. وتقدم تجاوزات نظم ما بعد الناصرية والبعثية فى العالم العربى أمثلة جيدة على ذلك. ولا ينبغى لنا أن نجمع فى خانة واحدة بين الأنظمة الشعبوية القومية فى عصر باندونج، والأنظمة التى خلفتها وقفزت إلى قطار النيوليبرالية المعولمة، بدعوى أنها جميعا نظم «غير ديمقراطية». فعلى الرغم من الممارسات السياسية الاستبدادية، استفادت نظم عصر عدم الانحياز، من الشرعية الشعبية التى تحققت لها بسبب كل من إنجازاتها الفعلية، التى أفادت غالبية العمال، وكذلك مواقفها المعادية للامبريالية. وسرعان ما فقدت الديكتاتوريات، التى خلفتها، هذه الشرعية عندما قبلت الخضوع للنموذج النيوليبرالى المعولم وما صاحبها من تنمية رثة. وأتاحت السلطة الشعبية والوطنية، وإن لم تكن ديمقراطية، الفرصة لعنف الشرطة كذلك، فى خدمة المشروع النيوليبرالى، ومكافحة المشروع الشعبى، والمشروع الوطنى.
وقد أثارت الانتفاضات الشعبية الأخيرة، ابتداء من عام 2011، المطاعن والشكوك فى الديكتاتوريات. ولن يتمكن أى بديل من تحقيق الاستقرار إلا إذا نجح فى الجمع بين الأهداف الثلاثة التى اندلعت من أجلها الثورات: استمرار تطبيق الديمقراطية فى المجتمع والسياسة، واتخاذ خطوات اجتماعية تقدمية، وتأكيد السيادة الوطنية.
ونحن لا نزال بعيدين عن ذلك. ولهذا السبب، هناك بدائل متعددة ممكنة منظورة على المدى القصير. فهل يمكن أن تكون هناك إمكانية لعودة نموذج وطنى شعبوى كما كان الحال فى عهد باندونج، ربما مع لمحة ديمقراطية؟ أو تبلور أكثر وضوحا للجبهة الديمقراطية، والشعبية، والوطنية؟ أو الانغماس فى الوهم المتخلف، الذى يتخذ فى هذا السياق، شكل «أسلمة» السياسة والمجتمع؟
•••
وفى إطار الصراع المشوش إلى حد كبير حول الاستجابات الثلاث الممكنة لهذا التحدى، كان اختيار القوى الغربية، الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، هو تقديم الدعم التفضيلى إلى جماعة الإخوان المسلمين و/أو غيرها من منظمات الإسلام السياسى. ولا شك أن السبب فى ذلك بسيط وواضح وهو أن هذه القوى السياسية الرجعية تقبل ممارسة السلطة فى إطار النيوليبرالية المعولمة (وبالتالى التخلى عن أى احتمال لتحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى). وهذا هو الهدف الوحيد الذى تسعى إليه قوى الإمبريالية.
وبالتالى ينتمى برنامج الإسلام السياسى إلى نوع الفاشية الموجود فى المجتمعات التابعة. وهو يشترك مع جميع أشكال الفاشية فى اثنتين من الخصائص الأساسية:
عدم تحدى جوانب أساسية من النظام الرأسمالى (وفى هذا السياق لا يرقى إلى تحدى نموذج التنمية الرثة المرتبط بانتشار الرأسمالية النيوليبرالية المعولمة).
اختيار أشكال الدولة البوليسية المناهضة للديمقرطية، فى الإدارة السياسية (مثل حظر الأحزاب والتنظبمات، وفرض الأسلمة القسرية على القيم الأخلاقية).
وهنا يتقبل خيار معاداة الديمقراطية الذى تتخذه القوى الإمبريالية (بينما تطرح كذبا الخطاب المؤيد للديمقراطية، وسط طوفان الدعاية التى نتعرض لها) «التجاوزات» المحتملة من الأنظمة الإسلامية. وهذه التجاوزات محفورة فى «جينات» وسائط تفكير هذه النظم، مثلها مثل غيرها من أنواع الفاشية، وذلك للأسباب نفسها: الطاعة العمياء للقادة، والالتزام المتعصب بدين الدولة، وتشكيل قوات قمع تستخدم لإخضاع المواطنين.
ففى الواقع، وهذا يمكن ملاحظته بالفعل، لا يحقق برنامج «الإسلاميين» تقدما إلا فى سياق حرب أهلية (بين، السنة والشيعة، على سبيل المثال) ولا ينجم عن ذلك غير الفوضى الدائمة. من ثم، فهذا النوع من السلطة الاسلامية، ضمانة لأن تظل المجتمعات المعنية عاجزة تماما عن إثبات نفسها على الساحة العالمية. فمن الواضح أن الولايات المتحدة تخلت عن سعيها للحصول على شىء أفضل «حكومة محلية مستقرة وخاضعة لها» لصالح «ثانى أفضل الخيارات».
وتجرى هناك تطورات وخيارات مماثلة، خارج العالم العربى المسلم، كما هو الحال فى الهند على سبيل المثال مع الحكومة الجديدة المنتمية لحزب بهاراتيا جاناتا.
•••
والخلاصة، أن الفاشية عادت إلى الغرب والشرق، والجنوب؛ ومن الطبيعى أن ترتبط هذه العودة بانتشار الأزمة النظامية للرأسمالية الاحتكارية. ويستلزم لجوء المراكز المهيمنة على هذا النظام المعرض للضغط، لخدمات الحركة الفاشية سواء كان اللجوء فعليا أو محتملا قدرا أعظم من اليقظة، من جانبنا. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الأزمة، وبالتالى، يصبح التهديد باللجوء إلى الحلول الفاشية خطرا حقيقيا. كما أن تأييد هيلارى كلينتون لدعوات الحرب الأمريكية لا يبشر بالخير بالنسبة للمستقبل القريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.