حتى الآن لم تظهر أى علامات تشير إلى احتمال تورط النظام السورى فى ارتكاب جرائم تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية فى دوما والغوطة الشرقية، كما زعمت أمريكا فى تبريرها الضربة الجوية التى أقدمت عليها بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا. المشكلة ليست فى الضربة التى حدثت فقد كانت ضربة «فشنك» محدودة الأثر والفعالية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن فى العقلية التى لاتزال مسيطرة على أمريكا، وبعض حلفائها فى التعامل مع المنطقة العربية والتدخل الدائم فى شئون بلدانها، ومحاولة تغيير أنظمتها بالقوة العسكرية، فى وقت استبشرنا فيه خيرا بقدوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد أن أعرب عن غضبه من سلوك الإدارات الأمريكية السابقة، وتدخلها فى شئون الدول العربية، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حينما قام بتحميل تلك الإدارات السابقة مسئولية الفوضى التى تعانيها المنطقة، وما آلت إليه من سوء الأوضاع، وانتشار الخراب والدمار فيها. للأسف عاد ترامب ليرتكب الحماقات نفسها وينهج السياسات نفسها التى كان ينتقدها ويندد بها، ويرفضها جملة وتفصيلا. ظهر ذلك فى الموقف الأخير حينما أقامت الإدارة الأمريكية الدنيا ولم تقعدها تحت دعوى استخدام النظام السورى الأسلحة الكيماوية، وضرورة الانتقام منه وتأديبه، ولم تهدأ الأمور إلا بعد توجيه الضربة العسكرية، رغم أنه حتى الآن لم تنته بعد أعمال اللجنة التى تقوم بفحص المناطق المزعوم استخدام الأسلحة الكيماوية بها، وبالتالى لم تظهر نتائج هذه الأعمال. لقد وصلت بعثة من مفتشى حظر الأسلحة الكيماوية إلى مدينة دوما السورية، وعلى مدى الأيام الماضية قامت بالعديد من الجولات فى المناطق السورية، وطبقا لبيان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية فإن خبراء المنظمة قاموا بزيارة موقع الهجوم المفترض، وأخذوا عينات للتحليل ولاتزال البعثة تعمل هناك حتى الآن. على الجانب الآخر فإن هناك تقارير عديدة خرجت لتؤكد «فبركة» قصة الهجوم الكيماوي، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، مشيرا إلى أن السلطات السورية تخلصت من ترسانتها الكيماوية، وتتعاون من أجل القضاء على هذا النوع من الأسلحة، متهما واشنطن «بفبركة» هذه الأخبار للتدخل فى الشأن السوري، كما خرج السفير الأمريكى السابق فى سوريا بيترفورد ليؤكد نفس الاتجاه وزيف ادعاءات الكيماوى على شاشة فوكس نيوز الأمريكية قائلا: صحفيون غربيون زاروا مدينة دوما للبحث عن الحقيقة، ولم يعثروا على دليل بوقوع هجوم كيماوى فى المدينة، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب استند إلى معلومات مضللة فى قراره بقصف سوريا. أزمة الفوضى فى العالم العربى بدأت مع غزو العراق عام 2003 بعد أن قامت أمريكا وحلفاؤها باستصدار القرار رقم 1441 فى الثامن من نوفمبر عام 2002، والخاص بالتفتيش على الأسلحة فى العراق وتحذير العراق من عواقب وخيمة نتيجة استمرار انتهاك التزاماته. هذا القرار ورغم أنه لم يشر إلى غزو العراق من قريب أو بعيد فقد استخدمته الولاياتالمتحدة كذريعة للتدخل فى العراق والإطاحة بالنظام العراقي، فى وقت رفضت فيه العديد من الدول المشاركة فى الغزو بسبب عدم وجود قرار صريح وواضح من مجلس الأمن بذلك، بالإضافة لعدم استنفاد جميع الوسائل السلمية من أجل اتمام مهمة المفتشين الدوليين للتأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل. تم غزو العراق واحتلاله وتفتيته رغم أن التقارير النهائية خرجت لتؤكد عدم وجود أسلحة للدمار الشامل فى العراق، وانما كان الأمر كله يتعلق بالتكهنات والشائعات. الحقيقة أن الأمر كان يتعلق بقرار معد سلفا، وسابق التجهيز لضرب العراق وغزوه، وتدميره، وسقوط دولته، و«لبننته» والأخيرة هى المصيبة الكبرى التى وقعت فى العراق، وحتى الآن لم تنج منها، بعد أن تم زرع الفتنة الطائفية ما بين شيعة وسنة وأكراد. صحيح أن العراق الآن بدأ فى التعافى لكن المشكلة الكبرى هى سرطان «الطائفية» و«المحاصصة»، و«الفتنة» التى دخلت إلى الجسد العراقى وسكنت فيه، وتحتاج إلى عقود طويلة قبل طردها من هناك ليعود العراق كما كان واحدا، موحدا، لكل الشعب العراقي. الحال نفسها حدثت فى ليبيا حينما قامت أمريكا وحلفاؤها باستصدار القرار 1973 من مجلس الأمن، والذى قضى بفرض منطقة حظر جوى فوق ليبيا، ويجيز استخدام «كل الإجراءات اللازمة» ضد نظام الزعيم الراحل معمر القذافى لمنع قواته من شن هجمات على المدنيين. هذا هو الادعاء الذى تم استخدامه لشن هجمات على ليبيا ليسقط النظام الليبى هو الآخر وتتحول ليبيا إلى فوضى منذ سبعة أعوام حتى الآن دون بريق فى نهاية النفق المظلم الذى تعيش فيه، فهناك أكثر من دولة وأكثر من حكومة، وهناك جيش وطنى يتزعمه المشير خليفة حفتر يحاول جاهدا إعادة إصلاح ما أفسدته أمريكا والحلفاء فى ليبيا، لكن لاتزال المهمة شاقة ومعقدة أمامه حتى الآن. الذين تبنوا حصار ليبيا وضربها يرفضون حتى الآن رفع حظر توريد الأسلحة عن الجيش الليبي، ويضعون العراقيل أمام استكمال مهمة الجيش الليبى فى توحيد ليبيا.. ليس هذا فقط بل إنهم أخيرا أطلقوا حملة من الشائعات المغرضة الخبيثة حول مصير المشير خليفة حفتر. صحيح الأعمار بيد الله، لكن الشائعات هدفها المزيد من الفوضى داخل ليبيا، وعرقلة عودة الجيش الليبى لاستكمال مسيرة توحيد الفصائل الليبية تحت راية موحدة. الغزو المباشر كما حدث فى العراق والقصف الجوى لليبيا من قبل وسوريا الآن تكشف حجم التآمر على المنطقة العربية وشعوبها
سيناريو العراق وليبيا يتكرر فى سوريا بنفس الآليات، والهدف واحد، وهو سقوط النظام السوري، وتفتيت سوريا، وتدميرها لعقود طويلة قادمة، والإجهاز على ما تبقى منها إلى الأبد. للأسف فإن الوضع فى سوريا بات معقدا للغاية بعد أن تحولت إلى منطقة صراع دولى وإقليمى بالوكالة، فالقوتان الكبريان فى العالم (أمريكاوروسيا) تستعرضان قوتهما على الأراضى السورية، فهناك أكثر من 13 قاعدة عسكرية أمريكية تنتشر فى العديد من المناطق السورية، وتسيطر تقريبا على ما يقرب من 25% من مساحة سوريا بشكل مباشر أو من خلال الدعم والحماية لقوات سوريا الديمقراطية وبعض فصائل الجيش الحر، فى حين أن روسيا تقوم بدعم الرئيس السورى بشار الأسد وحكومته، وتقوم بدور كبير فى استعادة المناطق التى تسيطر عليها الفصائل المسلحة التى تتبع التنظيمات المتطرفة. إلى جوار القوى الدولية فهناك قوى إقليمية أخرى تلعب دورا كبيرا فى الأزمة السورية خاصة إيران وتركيا بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يزيد من حدة تعقيد الأزمة وصعوبة حلها مستقبلا. أما فيما يخص الفصائل السورية فهناك أعداد كبيرة من الفصائل المسلحة التى ترفع راية الثورة فى حين أنها تقوم بأدوار تبعية بالوكالة للأطراف الدولية والاقليمية، حيث يتصارع هناك العديد من التنظيمات الجهادية والتكفيرية مثل جبهة النصرة، ولواء صقور الإسلام، ولواء الإسلام، وجيش الإسلام، وتنظيم القاعدة، وداعش، بالإضافة إلى الجيش السورى الحر، وقوات حماية الشعب الكردية وقوات حزب الله، وغيرهم الكثير والكثير. هذا هو واقع الحال المرير فى سوريا نتيجة التدخلات الأجنبية، والتآمر على المنطقة العربية، والذى أدى إلى خلق هذا الواقع المأساوى والمرير الذى تعيشه الشعوب العربية فى العراق واليمن وليبيا وسوريا. الرئيس عبدالفتاح السيسى كان محددا وواضحا منذ البداية فى التعامل مع الملف السوري، وبخبرته الطويلة يعلم حجم المؤامرة التى تحاك ضد العالم العربي، لذلك فمصر مع وحدة الأراضى السورية، وعدم التدخل فى الشأن الداخلى السورى، وأن الشعب السورى هو وحده صاحب الحق الأصيل فى تقرير مصيره. موقف مصر ينبع من شعور الشعب المصرى بمعاناة الشعب السوري، وحجم تضحياته التى فاقت كل التوقعات منذ اندلاع أعمال الفوضى والعنف هناك وحتى الآن. القصة لا تتعلق بالرئيس بشار الأسد، لكنها تتعلق بوحدة دولة، ومعاناة شعب آن أن يجد بريقا من أمل لنهاية تلك المعاناة.. دروس قاسية ومريرة عاشتها الشعوب العربية، ولاتزال المؤامرة مستمرة، سواء فى الدول التى وقعت فريسة للفوضى أو التى نجت منها. المشكلة فى رأيى لا تتعلق بالدول الكبرى والإقليمية التى تتآمر على الشعوب العربية وتريد للعالم العربى أن يتحول إلى ركام، لكنها تتعلق بالشعوب العربية ذاتها التى ينساق بعض من أبنائها للأسف الشديد إلى أداة لتنفيذ تلك الخطط التآمرية اللعينة التى نجحت فى العراقوسوريا واليمن وليبيا، ولاتزال تتربص بباقى الدول العربية، ولن تفشل تلك المخططات الشريرة إلا بإعادة ترتيب أوراق العقل العربى من جديد وعودة الوعى بأهمية الدولة الوطنية والحفاظ عليها مهما تكن الصعاب والتحديات. ----------------------------------------------
من السادات إلى السيسى
تحية إلى الرئيس الراحل أنور السادات بمناسبة أعياد تحرير سيناء التى احتفلنا بها يوم الأربعاء الماضي. السادات هو بطل الحرب والسلام، وهو الذى تثبت الأيام كل يوم عبقريته سواء فى قرار الحرب فى السادس من أكتوبر عام 1973، والذى استعاد به الكرامة والعزة إلى الشعوب العربية كلها، أو فى قرار السلام الذى كان وراء استكمال تحرير سيناء لتعود آمنة مطمئنة إلى أحضان الوطن. أنور السادات
لو تفهم العرب قرار السلام لكانت الآن دولة فلسطين قائمة، ولكانت الجولان فى أحضان سوريا، لكن ضيق الأفق، والعقول المظلمة أضاعت الفرصة، ولاتزال القدس أسيرة، والجولان محتلة رغم مرور كل هذه السنوات. الآن يقوم الرئيس عبدالفتاح السيسى بمعركة لا تقل أهمية عن المعركة التى قادها الرئيس السادات، حيث يقوم الجيش المصرى البطل بتطهير أرض سيناء من دنس الإرهابيين فى واحدة من أنبل وأشرف المعارك تمهيدا للمعركة الكبري، وهى معركة تعمير سيناء وتحويلها إلى عروس آسيا وإفريقيا. سلام على روح البطل الشهيد أنور السادات وكل شهداء القوات المسلحة والشرطة المصرية، وكل التقدير والعرفان للرئيس عبدالفتاح السيسى لاستكمال مهمة تطهير سيناء وتعميرها فى آن واحد. -------------------------------------------------------- عرفان ومعالجة آثار الأمطار الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد أن الدولة بجميع أجهزتها ستكثف من جهودها لتلافى حدوث الأزمة التى أعقبت هطول الأمطار مرة أخري، وفى السياق ذاته تم تكليف الرقابة الإدارية بإعداد ملف تفصيلى عن أسباب الأزمة وسيناريوهات الحل لعدم تكرار الأزمة، وعلى الفور قاد الوزير محمد عرفان رئيس جهاز الرقابة الإدارية فريقا ميدانيا لبحث الموقف على الطبيعة. الوزير محمد عرفان
ميزة الرقابة الإدارية الآن أنها تخترق كل الأزمات، وتضع سيناريوهات الحلول، وأساليب الوقاية وهو الدور الأهم لأن الوقاية دائما وأبدا أفضل من العلاج. لو تحرك كل مسئول فى دائرته بنفس السرعة التى تحرك بها الوزير محمد عرفان، بدءا من رؤساء أجهزة المدن، ومرورا بمديرى المرور، وانتهاء بالمحافظين والوزراء فور هطول الأمطار، لكان قد تم حل جزء كبير من الأزمة. صحيح أن الأمطار كانت مفاجئة وغزيرة، وصحيح أن مصر ليست دولة ممطرة، وتمر ربما سنوات دون أن تهطل الأمطار بغزارة، لكن فى كل الأحوال لابد أن تكون الأجهزة مستعدة لكل الأحوال الطارئة. نوم المحليات فى العسل لابد أن ينتهي، وأعتقد أن توصيات الرقابة الإدارية سوف تكون البداية للانتباه واليقظة. تحية إلى الوزير محمد عرفان ورجاله الذين يبذلون جهودا جبارة فى مختلف المجالات دون كلل أو ملل. لمزيد من مقالات بقلم :عبدالمحسن سلامة