لا تستطيع مصر بحكم أشياء كثيرة، أن تنعزل عن العالم، أو أن تغلق الأبواب على نفسها، فمصر دائما وأبدا هى مفتاح المنطقة، ورمانة الميزان، وجنودها خير أجناد الأرض، وامتد نفوذها إلى أعماق إفريقيا وإلى أبواب أوروبا، وحضارتها كانت ولاتزال منارة العالم التى ينهل منها، ويحاول حتى الآن فك أسرارها، وكشف غموضها، فإذا نهضت مصر نهض العالم العربى كله، وإذا توعكت ومرضت لا قدر الله ضربت الفوضى العالم العربي، ورأينا كل من هب ودب يطمع فيه مستغلا حالة الضعف المصري، هذه هى حكمة التاريخ التى تعلمناها على مدى العصور والأزمان، من هذا المنطلق كان إصرار الرئيس عبدالفتاح السيسي، على المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العام الماضي، وفى دورتها الحالية ليستعرض ويوضح رؤية مصر حول تطورات الأوضاع الدولية والتطورات الإقليمية، ومواقف مصر تجاه هذه القضايا، بالإضافة إلى شرح تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية فى مصر. الأوضاع الإقليمية ملتهبة، فلاتزال المنطقة تعانى الفوضى والاضطرابات، بدءا من العراق ومرورا بسوريا وليبيا والصومال وجنوب السودان، وانتهاء باليمن، وهناك الصراع العربى الإسرائيلي، وجمود الموقف بسبب التعنت الإسرائيلي، وعدم رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو، فى أن يكون شريكا فى عملية السلام، وبرغم كل ما يظهره الرئيس محمود عباس من مرونة، فإن المراوغة الإسرائيلية أدت إلى إصابة الموقف على الساحة الفلسطينية بالشلل والجمود، بما ينذر بانفجارات جديدة إذا لم يتحرك المجتمع الدولى للضغط على إسرائيل ومحاصرتها، لقبول حل الدولتين، وإحلال السلام العادل والدائم القائم على قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن. لقد قطعت مصر خطوات مهمة خلال العامين الماضيين فى رحلة الخروج من سيناريو الفوضى الخلاقة، الذى ضرب المنطقة كلها بهدف إعادة تقسيمها وتفتيتها، إلا أن الإرهاب الأسود مازال يبث سمومه ويزهق الأرواح البريئة ويسيل الدماء الطاهرة على أرض سيناء، وحتى وقت قريب كان العالم، يقف موقف المتفرج، معتقدا أن الأزمة خاصة بمصر أو بغيرها من الدول التى يضربها الإرهاب الأسود، ووقتها حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من خطورة الإرهاب على العالم وأنه ظاهرة عالمية يجب مواجهتها بكل قوة، ودعا إلى قمة عالمية لمواجهة الإرهاب، والآن بدأ العالم يفيق بعد أن اكتوى بنيران الإرهاب الذى لم يفرق بين دول كانت متعاطفة معه وترعاه مثل تركيا، وبين دول أخرى رافضة له مثل فرنسا وروسيا، غير أن الإفاقة جاءت متأخرة بعد أن تمدد الإرهاب وأقام له دولة «داعش» فى العراقوسوريا، ولذلك فمن المتوقع أن ينصت العالم إلى رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كيفية التوحد ضد الإرهاب لاستئصال «شأفته» من العالم، وليت العالم يتحرك بقوة تجاه هذا الملف الذى لعبت أجهزة مخابرات الدول الكبرى دورا هائلا فى إشعاله، وعلى هذه الدول تحمل مسئولياتها لإطفاء نيران الإرهاب التى أشعلتها، حينما كانت تعتقد خاطئة أن خطرها مقصورا على دول المنطقة دون غيرها، غير أن النيران تمددت وأحرقت أصابع من أشعلها. لابد أن يساند العالم مصر وهى تواجه الإرهاب، بعد أن نجحت فى توجيه ضربات قاصمة وموجعة له، وبات يلفظ أنفاسه الأخيرة، غير أن العالم يجب أن يتحمل مسئولياته تجاه مصر بمساندتها اقتصاديا وعسكريا، وألا يكتفى بموقف المتفرج، كما ظل يفعل فى فترات كثيرة سابقة لأن تطهير مصر من الإرهاب هو بداية قطع دابره من المنطقة كلها. يرتبط بملف الإرهاب، الموقف فى ليبيا حيث البوابة الشرقية لمصر، ومن هنا يأتى الاهتمام المصرى بمراقبة الموقف هناك ودعمها لكل تطلعات الشعب الليبى فى التخلص من الإرهاب وإحلال السلام، وأن تعود ليبيا كما كانت دولة قوية موحدة يعيش شعبها فى أمان، ويبنى مستقبله فى دولته دون تدخل أو شروط من أحد. من المهم أن يساند العالم الجيش الوطنى الليبى بزعامة المشير خليفة حفتر، وأن يرفع عنه حظر الأسلحة ليتمكن من ملاحقة الإرهابيين ودحر الإرهاب، فى إطار من التعاون والتفاهم مع البرلمان الليبى وحكومة الوفاق. نفس الحال فى سوريا، فالقصة الآن تتعلق بوحدة سوريا وسلامتها بغض النظر عن الأشخاص، وللأسف أخطأت كل الأطراف فى سوريا بما فيها النظام وفصائل المعارضة، لكن تبقى القضية الأهم هى الحفاظ على وحدة سوريا وليت الاجتماع المقرر حولها يخرج بنتائج إيجابية سيرا على اتفاق التهدئة الموقع بين أمريكا وروسيا، ليضمن سلامة ووحدة الأراضى السورية، وأن يكون هناك انتقال آمن للسلطة بعيدا عن الإرهابيين والمتطرفين. الموقف المشتعل فى المنطقة للأسف الشديد يصب فى خانة إسرائيل، ومن هنا فلايمكن أن تكون إسرائيل بمعزل عما يجرى فى الأراضى السورية أو الليبية أو العراق، حتى وإن لم يكن بشكل مباشر، فهناك حليفتها الكبرى أمريكا التى تغذى تلك الصراعات، والتى بدأتها بغزو العراق، وهى لا تريد حتى الآن للأزمات أن تنتهي، لأنها لو أرادت لفعلت، لكنها تريد أن تقوم الشعوب بتصفية نفسها بنفسها لأجل عيون إسرائيل وراحتها وحلمها القديم الذى يمتد من النيل إلى الفرات. يؤكد ذلك ما فعلته الحكومة الأمريكية وأعلنته الخارجية الأمريكية أخيرا، من تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية أمريكية لإسرائيل، تصل إلى 38 مليار دولار خلال 10 سنوات، لضمان تفوق إسرائيل العسكرى على الدول العربية، فى وقت يقوم فيه مجلس النواب الأمريكى بسن تشريع ينتهك حصانة الدول، ويسمح بابتزاز دول مثل السعودية والإمارات ومصر. مصر السادات أطلقت نداء السلام وحققته على الأرض، ومصر السيسى تمد يدها بالسلام لكل دول العالم، وتدفع بالسلام بين إسرائيل وفلسطين، غير أن دول العالم، وخاصة الولاياتالمتحدة، مطالبة بالإنصات لنداء السلام والدفع به والدفاع عنه قبل فوات الأوان. الأمر المؤكد أن مصر ماضية فى طريقها يد تبنى وتتقدم نحو الإصلاح الاقتصادي، وأخرى تبنى قوتها العسكرية وتحافظ على تفوقها من أجل نشر السلام ودحر الإرهاب والدفاع عن الأمن القومى العربي. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة