تتعدد وتتنوع المقالات والآراء والتحليلات التي تتناول مشهد الانتخابات الرئاسية بصورة تبتعد فى معظمها عن الموضوعية فى طرح الأفكار والأمانة فى عرض المعلومات على القارئ أو المستمع.. هذا بالإضافة إلى وسائل إعلام قوى الشر وعصابات الإخوان التى تلوث الآذان والأعين وتفسد القلب والعقل بالأفكار المغلوطة والحجج الكاذبة والمعلومات المضللة وهذا دأبهم دائماً ولن يتغيروا ولو بعد حين. وبداية أرى أنه من المهم التذكير بالحقائق التالية: لم يكن أحد يتصور أن تحكم مصر بقادة هذه الجماعة الإرهابية التى لها من التاريخ المخزى ما يكفى والتى تتاجر باسم الدين وتخدع البسطاء بشعارات وهمية وحجج كاذبة ولا بأس من شراء الأصوات بالسلع التموينية. وجاءت ثورة 30 يونيو وما بعدها لتثبت وعى ووطنية وعمق ثقافة الشعب المصرى الذى أدرك أن وقوع البلاد تحت سيطرة هذه العصابة الإرهابية لهو ضياع للهوية المصرية بكل ما تحمله من تاريخ وحضارة وثقافة، وكذلك تكريس للدولة الدينية والفصل بين عنصرى الأمة و إخضاع البلاد لأبشع أنواع الحكم الفاشى الدموى. واجه الرئيس السيسى مصاعب وتحديات هائلة واختار أن يواجه ويفتح جميع الملفات فى وقت واحد من خلال التعامل مع قضية بناء الوطن من ناحية وخوض معركة الشرف والكرامة ضد قوى الإرهاب من جهة أخرى وتوالت الإنجازات فى مجالات عديدة على سبيل المثال لا الحصر: تحديث تسليح القوات المسلحة، والطرق والكبارى، واستصلاح الأراضى، وقناة السويس الجديدة، ومشروعات الصوب الزراعية، ومشروعات المزارع السمكية، ومساكن لذوى الدخل المحدود وساكنى المناطق الخطرة، والتأمين الصحى الشامل، وأنفاق قناة السويس، ومشروع الضبعة للطاقة النووية، ومشروعات الغاز والبترول، وعلاج مرضى فيروس C. وغيرها من الإنجازات التى تابعناها جميعاً فى مؤتمر حكاية وطن. طوال السنوات الأربع أوفى الرئيس السيسى بكل ما وعد به وبذل الجهد الخارق من أجل تثبيت دعائم استقرار الدولة والحفاظ على أمنها وتحقيق قدر مناسب من النمو الاقتصادى فى إطار برنامج اقتصادى إصلاحي شامل وبالتالى فقد قدم أوراق اعتماد غاية فى القوة لكى يكون مرشحاً معتبراً لرئاسة مصر خلال السنوات الأربع القادمة. السؤال الآن ..وماذا بعد؟ ماذا عن أجندة الرئيس السيسى خلال الفترة 2018 2022؟ ، وماهى توقعات ما يحمله برنامج الرئيس السيسى الإنتخابى خلال تلك الفترة؟ والواقع أنه بعيداً عن وضع الأولويات وترتيب الموضوعات والإشكاليات، فإنى أتوقع أن يتضمن برنامج الرئيس أو رؤية الرئيس النقاط التالية: 1 منظومة التعليم : هناك شبه إجماع على أهمية وحيوية وخطورة هذا الموضوع وتأثيره على مستقبل الأجيال بمصر فى إطار الدعوة الدائمة نحو تجديد الخطاب الدينى وتوفير مستوى للتعليم يتناسب مع احتياجات أسواق العمل الداخلية والخارجية. ويهمنى فى هذا الإطار طرح الأفكار التالية: منظومة التعليم ما قبل الجامعى فى حاجة إلى تطوير شامل يشمل المنهج والمعلم وطرق التدريس وأساليب التقويم، وذلك فى إطار حوار مجتمعى جاد يهدف إلى تحديد خصائص مخرجات تلك المنظومة، فمثلاً فى دولة مثل الصين هناك حالة اتفاق على أن مخرجات هذه المرحلة تتضمن تخريج طالب يجيد لغتين خلاف اللغة الصينية كتابة وقراءة ومحادثة، كذلك يجيد مهارات التعامل مع الحاسب الآلى بكل تفاصيله مع تمتعه بحالة سلوكية تقوم على احترام وتقديس قيمة العمل. هذه المنظومة الجديدة قد لا تقوم بالضرورة على استخدام أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا طرق التدريس والتوصيل، وذلك فى ضوء محددات الإمكانيات المتاحة . بل يمكن أن تقوم على مدخلات عملية تعليمية تقوم على المزج بين أساليب مختلفة لتقديم المادة العلمية مع التركيز على تدريب المعلمين الذين يعتبروا حجر الزاوية فى هذه المنظومة. المنظومة الجديدة للتعليم قبل الجامعى لا يمكن أن توضع بعيداً عن إسهامات وأفكار المتخصصين فى التربية والعلوم الحديثة و تكنولوجيا المعلومات ، وكذلك إسهامات كل من له اهتمامات بالعملية التعليمية ولا يجب إقصاء فئة على حساب أخرى مع التأكيد على الاهتمام بتجارب الدول المتقدمة فى هذا الشأن بغرض الاستفادة من نتائج التطبيق وليس النقل الحرفى للتجربة. منظومة التعليم الجامعى فى حاجة إلى تطوير شامل ويكفى أن نقول إن القانون الذى ينظم الجامعات المصرية يعود عمره إلى خمسين عاماً، حيث حدثت خلال تلك الفترة تطورات جذرية فى محيط التعليم العالى تؤكد على ضرورة وجود قانون جديد غير تقليدى ينظم أمور الجامعات المصرية بعيداً عن النصوص التقليدية المفرغة من المضمون والتى استنفدت أغراضها من سنوات طويلة. مصر من الدول القليلة جداً على مستوى العالم التى تعتمد على مجموع الثانوية العامة كمعيار وحيد لدخول الجامعة، كما أنها من الدول القليلة جداً التى مازال بها مكتب مركزى لتنسيق القبول بالجامعات. كل هذه الأمور تغيرت فى معظم دول العالم منذ عشرات السنين ونحن مازلنا متمسكين بها ونظن أنها العدالة والحل الأمثل. ربط التعليم العالى بالصناعة أصبح من أهم خصائص الدول المتقدمة الحديثة، فنحن فى بلد لا يمتلك رفاهية العلم للعلم، ولكنه العلم لتطبيق وحل المشكلات و زيادة الإنتاجية وتحقيق قفزات فى مجال اقتصاد المعرفة. 2 منظومة الصحة: من المؤكد أن إحدى أولويات برنامج الرئيس هو التطبيق الشامل المتكامل لمنظومة التأمين الصحى الجديدة اعتمادا على القانون الجديد ولائحته التنفيذية وهذه من أصعب المهام التى سوف تواجه الحكومة وتحدثنا التجارب العالمية أن هذا الموضوع استغرق سنوات طويلة ولكننا فى مصر تعودنا مع القيادة السياسية على تخطى حواجز الزمن واختصار المسافات والعوائق وتحقيق الإنجازات عالية الجودة فى زمن قياسى . التطبيق الفعال لمنظومة التأمين الصحى الجديدة لها جوانب مالية وإدارية وفنية واجتماعية، فهناك إعادة هيكلة جذرية واجبة التنفيذ لمقومات المؤسسات الصحية بمصر سواء على مستوى مستشفيات وزارة الصحة بأنواعها المختلفة وكذلك المستشفيات الجامعية والمستشفيات الخاصة وذلك بهدف تفعيل مواد قانون التأمين الصحى الشامل وتقديم الخدمة الصحية المتكاملة. 3 استكمال المشروعات القومية الجديدة: بخصوص ملف استكمال المشروعات القومية الجديدة، أرى أن هذا الملف له أولوية كبيرة، حيث أن المشروعات القومية الجديدة أسهمت بصورة كبيرة فى ايجاد واقع اقتصادي جديد يقوم على استكمال مشروعات البنية التحتية وتوفير فرص عمل للشباب وتكوين طاقات إنتاجية جديدة فى مجالات الصناعة والزراعة والثروة السمكية والخدمات، وذلك من خلال استكمال المشروعات القومية العملاقة حتى نجنى ثمارها كاملة وتساعد على رفع معدلات الناتج المحلى الإجمالي وتزيد معدلات النمو فى الدخل القومى. 4 إصلاح الجهاز الإداري للدولة: تأخرنا طويلاً فى فتح ملف إصلاح الجهاز الإداري للدولة ولعل من المفيد الإشارة إلى أن المشروعات القومية الجديدة التى أبهرت الجميع خلال الأربع سنوات الماضية تمت كلها بمعزل عن الجهاز الإداري للدولة، وكان للقوات المسلحة اليد العليا فى تخطيط وتنفيذ ومتابعة ورقابة أعمال تلك المشروعات من خلال التطبيق الدقيق لمعايير الوقت والجودة والتكلفة، ولنا أن نتصور ما كان سيحدث إذا قام الجهاز الإدارى للدولة بالإشراف على تنفيذ هذه المشروعات وحجم المأساة وخيبة الأمل التى كنا سنحصل عليها من وراء ذلك . الأمر فى حاجة إلى مبادرة قومية شاملة لإصلاح هذا الجهاز العتيق وهنا يجب أن نتذكر تجارب دول حولنا استطاعت أن تنجز هذه المهمة. 5 إعادة بناء منظومة الدعم: نتحدث منذ سنوات طويلة عن إصلاح وترشيد منظومة الدعم و يستمر الحوار فى المقارنة بين الدعم العينى والدعم النقدى. وأعتقد أن الفترة القادمة يمكن أن تشهد التركيز فى هذا الملف المهم. فمخصصات الدعم فى الموازنة العامة للدولة تتزايد عاماً بعد عام وأصبح الكل مقتنعا بأن نسبة لا يستهان بها من الدعم العينى تذهب إلى غير المستحقين فى بلد يعانى من محدودية الموارد. ولذلك أتمنى أن تشهد الفترة الثانية للرئيس السيسى اقتحاما حقيقيا لهذه المشكلة من خلال تحديد مستحقى الدعم على وجه الدقة وتحديد مبلغ الدعم النقدى المناسب لكل فئة من المستحقين وتحديد الآليات اللازمة لمنع تسرب الدعم إلى غير المستحقين وغيرها من الإجراءات التى تؤدى فى النهاية إلى ضبط الإنفاق وترشيد منظومة الدعم. 6 الرقابة على الأسواق والأسعار: ويبقى ملف الرقابة على الأسواق والأسعار هو محور تركيز الملايين من سكان مصرنا الحبيبة ومما زاد من أهمية هذا الملف بعض النتائج السلبية التى صاحبت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى من الارتفاع غير المبرر لبعض أنواع السلع والخدمات مما شكل أعباءً ضخمة على متوسطى ومحدودى الدخل. وعلى الرغم من الانفراجة المحدودة التى حدثت خلال الأشهر الثلاثة الماضية من انخفاض أسعار بعض أنواع السلع إلا أن ملف الرقابة على الأسواق والأسعار له أهمية كبرى 7 مؤسسات العمل السياسى بالدولة: بخصوص ملف مؤسسات العمل السياسى بالدولة يرى الكثيرين ضرورة إحداث تغييرات جوهرية فى أسلوب عمل الحكومة بحيث يتضمن تشكيل الحكومة الجديد نوابا لرئيس الوزراء بحيث يشرف كل نائب على مجموعة من الوزراء وتكليفه بمهام واختصاصات وملفات محددة مما يضمن التنسيق بين الوزراء ويسهل التكامل بين مختلف قطاعات الدولة ويفرغ رئيس الوزراء لمهام أخرى تتعلق بالتخطيط وإعداد الإستراتيجيات والسياسات ومتابعة التنفيذ وتقييم الأداء. ويتعلق هذا الملف أيضاً بالبحث عن آليات لتنشيط العمل السياسى بمصر على مستوى المجالس النيابية والمحلية وكذلك الأحزاب والتجمعات السياسية المختلفة مع إيمانى العميق بان هذا الجزء من الملف هو مسئولية الشعب نفسه فلا حجر على أحد فى ممارسة العمل السياسى فى إطار الدستور والقانون وعلى المهتمين بالعمل السياسى أن يبحثوا بعمق وهدوء عن أسباب ضعف كفاءة وفاعلية العمل السياسى بصورته المعروفة وأن يصلوا إلى حلول عملية قابلة للتنفيذ فى هذا المجال. ولكننا نأمل من السيد رئيس الجمهورية أن يساعد فى هذا المجال ويثير الانتباه بأفكار جديدة لدعم العملية السياسية ، وقد سبق للرئيس أن طرح بعض الأفكار المهمة خلال الفترة الماضية أظن أنها صالحة لإعادة طرحها فى صورة جديدة. 8 مقومات التحول من الاقتصاد النقدى التمويلى إلى الاقتصاد الإنتاجي التشغيلى: وهنا بداية يجب أن نسجل نجاحاً ملحوظاً قد تحقق فى مجال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل الذى قدمته الحكومة فى إبريل 2016 وما تبعه من قوانين جديدة جاذبة ومشجعة للاستثمار مع تطبيق قرار تعويم الجنيه ما أدى إلى : خفض معدلات البطالة وارتفاع معدلات النمو وزيادة الصادرات وخفض الواردات وزيادة حجم الاحتياطى الدولارى للبنك المركزى وغيرها من مؤشرات الاقتصاد الكلى ، وظهرت البوادر الإيجابية بشأن مستقبل الاقتصاد المصري فى معظم تقارير المؤسسات الدولية والدوريات العالمية، وصاحب هذا الآمال الكبيرة والطموحات المشروعة بخصوص تحول مصر إلى مركز إقليمى رئيسى لتداول الطاقة. الواضح فى كل ما سبق أننا اتبعنا حزمة من السياسات النقدية والمالية حققت نتائج إيجابية لا بأس بها. ولكن التحدى الحقيقى هو البحث عن المعوقات التى تمنع تحول الاقتصاد المصري من اقتصاد تمويلي إلى اقتصاد تشغيلى يقوم على الصناعة و الزراعة والخدمات ودعم الاستثمار وزيادة عدد المصانع العاملة وزيادة فرص العمل المتاحة للشباب مما يؤدى إلى زيادة الإنتاج والمبيعات والصادرات وخفض الواردات وانخفاض معدلات التضخم مما يحدث تحسنا حقيقيا فى مستويات المعيشة لأغلبية المواطنين . والمطلوب هو البحث عن هذه المعوقات والعمل على التغلب عليها وتحويل المخاطر والتهديدات إلى فرص متاحة والاستفادة من نقاط القوة وتجنب نقاط الضعف. هذه الملفات الثمانية لا تغنى عن القول بأن استمرار تثبيت دعائم استقرار الدولة ومحاربة الإرهاب بكافة أشكاله وتطوير وتجديد الخطاب الفكرى والديني، تشكل ركائز أساسية لابد من استمرار العمل عليها خلال فترة الأربع سنوات القادمة. الكاتب : رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب