ظلّت البيمارستانات مستشفيات عامة يتم فيها علاج كل الأمراض، حتى تدهورت أحوالها وهجرها الأطباء قبل المرضى، فجرى استغلال مبانيها لعزل المجانين، وتم تحريف الكلمة إلى مارستان ثم مورستان. ومع أن معاجم اللغة العربية، الوسيط، الرائد واللغة العربية المعاصرة، اتفقت على أن المارستان هي المَصحّة أو المستشفى أو دار المرضى، وجمعها مارستانات، إلا المعنى الشائع لا يزال هو «مأوى المجانين». وكان أكثر نزلائها ظرفًا في تاريخ السينما المصرية، هو الأستاذ محمد فؤاد أمين راتب، المعروف باسم الخواجة «بيجو». تطور مدلول الكلمات ومعانيها شائع في كل اللغات، بفعل عوامل اجتماعية أو تغيرات حياتية. لكن معنى كلمة «انسحب» ليس بين الكلمات التي طالها التطور وتغير معناها. وما زلما نقول انسحب من المعركة أي تراجع عن مواقعه، وانسحب من الاجتماع أي خرج منه. بما يعني أن المنسحب كان يشغل موقعًا وتركه، أو كان داخل قاعة الاجتماع وغادرها. ومع ذلك ظهر مواطنون عقلاء أقاموا مؤتمرات صحفية أو أصدروا بيانات، يعلنون فيها انسحابهم من انتخابات لم يتقدموا بأوراق ترشحهم لها من الأساس. والأكثر غرابة من ذلك هو أن تجد وسائل إعلام، يديرها عقلاء، اهتمت بهذا العبث، بزعم أن هؤلاء «مرشحون محتملون»!. لغتنا العربية يُسرٌ لا عُسر، وكلمة مُحتمَل، بضم الميم الأولى وفتح الثانية، تحمل معنيين، إما جائز الوقوع أَو عَدَم الوقوع، أو مُمْكِن، وقد تعني أيضًا يمكن تحمله، فيقال تعذيب محتمل وآلامٌ مُحتَمَلة. ويجري استخدامها بكسر لوصف القادر على التحمل. الأولى اسم مفعول من «احتمل» بدون همزة تحت الألف، والثانية من «إِحتمل» بوجود الهمزة، وبها يستقيم المعنى لو كانت لديك القدرة على التحمل، أو رأيت أن المرشح، الذي لم يترشح، هو خير مَنْ يمثلك في المورستان. أما لو لم تكن لديك القدرة، فيمكنك أن تضيف كلمة «غير» بين كلمتي «مرشح» و«محتمل»، لتكون صفة المذكور هي «مرشح غير محتمل»!. هو فعلُا خير مَن يمثلك في المورستان، لأنك لكي تتقدم بأوراق ترشحك لانتخابات الرئاسة، لابد أن تكون مصريًا من أبوين مصريين، لديك مؤهل عالٍ، و... و.... ألا تكون مصابًا بمرض بدني أو ذهني يؤثر على أدائك لمهام رئيس الجمهورية.. عليك تقديم خمسة وعشرين ألف تأييد من مواطنين أو تزكية 20 عضوًا في مجلس النواب. ثم تتقدم بطلب الترشح من 20 يناير إلى 29 يناير. ولا وجود لصفة «مرشح محتمل» قبل إعلان القائمة المبدئية لأسماء المرشحين، يوم الأربعاء 31 يناير. وبإعلان القائمة النهائية لأسماء المرشحين ورموزهم يوم 24 فبراير، يتحول المرشح المحتمل إلى مرشح فعلي. أما «المرشح المنسحب» فهو مَن ظهر اسمه في القائمة المبدئية وقام بسحب طلب ترشحه قبل يوم 22 فبراير. استنادًا إلى ما سبق، وبظهور مَن أعلنوا انسحابهم من الانتخابات الرئاسية المقبلة، نكون أمام تكرار سخيف ل«سكتش طلب وظيفة»، الذي رأينا فيه الخواجة بيجو يتقدم للحصول على وظيفة «باشكاتب»، يعرف مسبقًا، من الإعلان المنشور في جريدة يحملها، أنها تتطلب إجادة الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، غير أنه ينفي إجادته لأي من تلك اللغات، ليسأله محدثّه «لا تعرف إنجليزي ولا فرنساوي ولا طلياني أمال إيه اللي جابك هنا؟!» فيرد بمنتهى البراءة «عشان أقول لحضرتك ما تعملش حسابي في الشغلانة دي»!, لا أعتقد أنك قد تشاهد هذا «الاسكتش» إلا في مصر. لن تجد وسيلة إعلام إيطالية، مثلًا، تصف سيلفيو بيرلسكوني، الذي تولي رئاسة الوزراء في إيطاليا أربع مرات، بأنه مرشح محتمل أو يتعاملون مع إعلان نيته الترشح مجدًدا بأي قدر من الجدية. كما نجد وسائل إعلام روسية تمنح الصفة ل«أليكسي نافالني». والسبب ببساطة هو أن الأول ممنوع حتى سنة 2019 من تولي أي مناصب عامة، بعد إدانته في 2013 بالتهرب الضريبي. والثاني ألقت لجنة الانتخابات الرئاسية الروسية بملف ترشحه في سلة المهملات، لأنه ممنوع من ممارسة حقوقه السياسية، قبل سنة 2028 بسبب حكم قضائي (نهائي وبات) أدين فيه بتهمة اختلاس أموال عامة. في «سكتش طلب وظيفة»، قد يستوقفك أيضًا، زعم الخواجة «بيجو» أنه كان مطربًا كبيرًا وشهيرًا، وكان يكسب كثيرًا من الغناء. ولمّا قال له محدثه «لازم صوتك حلو قوي»، أجاب بأن الحكاية «مش حكاية صوت»، ولخص أمجاده في أنه كان يقيم «الحفلة»، ويجعل سعر تذكرة الدخول «واحد قرش» وسعر تذكرة الخروج «عشرة قرش»، وبمجرد أن يبدأ الغناء، ومع أول «يا ليل» وأول «يا عين»، كانت تذاكر الخروج تنفد قبل تذاكر الدخول. ما قد يستوقفك هنا، هو أنك تكاد تشك في أن تلك المعادلة، يجرى تطبيقها أيضًا، وأن هناك من قرروا أن يبيعوا تذاكر الخروج أو الانسحاب، وكان هدف المشتري هو إعطاء المبرر لصحف، تحت مستوى الشبهات، لكي تزعم أن «المرشحين المحتملين أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إما انسحبوا أو تم منعهم من الترشح»، والجملة من تقرير نشرته ال«جارديان» البريطانية، الثلاثاء الماضي!. لمزيد من مقالات ماجد حبتة