مع غروب شمس الأول من نوفمبر الجاري أنهى الجيش والشرطة عملية الواحات البحرية والتي كانت قد بدأت في العشرين من الشهر الماضي على أثر هجوم إرهابي غادر على عناصر من الشرطة على طريق الواحات غرب مدينة السادس من أكتوبر. وقد كان أهم عوامل نجاحها السرية التامة وهو ما يتنافى مع نمط فوضى الإعلام من جلد الذات المعهود بعد كل حادث إرهابي يرتكبه التكفيرين سواء ضد المدنيين أو العسكريين في ربوع مصر،حيث ترتفع أصوات الهراطقة بالتحليلات في الدين والسياسة والحرب في انتهاك سافر لأبسط قواعد ميثاق الشرف الإعلامي، ويُغيب العلم عمدياً لزيادة الإثارة والاستثارة التي تستغلها وسائل الإعلام المعادية. وقد كشف كتاب عثر عليه في الرياض 2008م مؤلفه أبو بكر ناجي، أحد رفقاء بن لادن في أفغانستان، تم ترجمته في واشنطن برعاية استخباراتية، ويرى الكتاب إقامة الدولة المزعومة عبر ثلاث مراحل: الأولى وهي شوكة النكاية والإنهاك بمعنى الاستنزاف، والثانية: إدارة التوحش بمعنى القتل والدمار المفرط في أي دولة في العموم» وهو ما تصحبه حملات إعلامية تعتمد على الأكاذيب، والثالثة: هي التمكين والسيطرة ولو جزئياً، مع التدرج إلى الكلية، وقد شاهدنا الأولى والثانية في بعض المناطق البعيدة عن العواصم في العراقوسوريا، ولقد فشلت داعش في استكمال استراتيجياتها في المرحلة الثالثة لتمكين الدولة سواء بعد إعلانها في الموصل أو الرقة، ويعتقد إرهابيي داعش والقاعدة العائدون من سوريا أنهم قادرون على إعادة التجربة في كل من ليبيا ونيجيريا، بعيدا عن أعين الدولة الغائبة فيهما.لقد حصد الإرهابيون ومنظروهم ومخططوهم خبرات ميدانية في العراقوسوريا، سواء من قتالهم ضد الجيوش أو وحدات البشمركة أو ضد المدنيين العزل، في نموذج للحرب غير المتماثلة، وتحاول تلك العناصر العائدة ممارسة نفس الأنماط المتوحشة في محافظات حدودية في تونس والجزائر. وفي نفس السياق نجد أن المرحلة الأولى تستهدف إنهاك الأجهزة الأمنية، واستدراجها خارج المدن بغية تحقيق الأهداف، الأول: إنهاك الخصم، والثاني: جذب الشباب للانضمام لها تحت زعم بطولات زائفة، ومحاولة إخراج بعض المناطق النائية عن سيطرة النظام، وقد فشلت هذه المحاولات في أكثر من موقع كان أبرزها معركة كرم القواديس (أكتوبر 2014) حيث فشلوا في الاستيلاء أو عزل مدينة الشيخ زويد أمام بطولات جنود الجيش والشرطة معاً. والملاحظ في طبيعة العمليات الإرهابية للتنظيمات في تونس والجزائر ومصر أنها عادةً ما تتم على أطراف المدن والمحافظات ذات الظهير الصحراوي والمناطق الوعرة، وتوجه مباشرة للمرتكزات الأمنية في المناطق النائية، وفي مصر نراها قد وقعت في شمال سيناءوالبحر الأحمر، والوادي الجديد، أو أطراف بعض المحافظات مثل الجيزة، والمنيا، واسيوط، وغير خاف أن اختيار المكان يتم بعناية تكشف عن تواطؤ العناصر الإرهابية مع أجهزة مخابرات أجنبية توجههم وتمدهم بالمعلومات، واختيار المكان بعيداً عن العمران وتمركزات القوة الرئيسية للأجهزة الأمنية خاصةً في المحافظات البعيدة، وهذا يتطلب مراجعة ودراسة إعادة التقسيم الإداري لبعض المحافظات خاصةً الحدودية من منظور أمني، إضافة إلى المنظور التنموي الذي دعا إليه الرئيس السيسي في يوليو الماضي. ونظراً للمساحات الشاسعة لكل المحافظات الحدودية وانخفاض تعداد سكانها على العكس تماماً من غالبية محافظات الدلتا، فإن كل من البحر الأحمر والوادي الجديد له ظهير صحراوي كبير مع محافظات الصعيد، والدولة أمامها بديلان الأول: تقسيم المحافظتين إلى شمال وجنوب مع تعديلات في عمق الظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد غرباً في اتجاه وادي التنمية المقترح من د.فاروق الباز، وهذه المناطق تتمتع بقدرات وموارد تنموية كبرى سواء من المعادن والمياه الجوفية، وأن الاستثمار في هذا الاتجاه الإستراتيجي هو في نفس درجة أهمية محور قناة السويس، الثاني: إنشاء محافظات جديدة على غرار مقترح محافظة وسط سيناء بين الشمال والجنوب، وهذه الأفكار جديدة قديمة بمعنى أنها لها دراسات سابقة حبيسة الأدراج منذ ثمانينات القرن الماضي ينبغي إحياؤها في إطار ضبط المعادلة بين السكان والموارد تحقيقاً للتنمية الشاملة، كما أن إعادة النظر في التقسيم الإداري ضرورة ملحة تتساوى فيه الأهمية التنموية مع الأمنية فلا تنمية بلا استقرار، ومن مبررات إعادة التقسيم الإداري إنشاء هيكل تنظيمي جديد لكل محافظة مستحدثة يكون بها كافة أجهزتها ومؤسساتها بما فيها «الأمنية» وتحقق القرب النسبي من الحدث لتخفيف العبء عن القيادة المركزية لمحافظة كبيرة مترامية الأطراف. لمزيد من مقالات د. عبد الغفار الدويك;