يرى كثير من السياسيين والاقتصاديين فى مصر أن مشروع إعادة تقسيم المحافظات وترسيم حدودها، بات مهمًا خلال المرحلة الحالية التى تمر بها مصر، خاصة بعد تدشين عدد من المشروعات الاقتصادية الكبرى وأهمها حفر قناة السويس الجديدة، وتنمية الساحل الشمالى. ويؤكد هؤلاء أن إعادة ترسيم حدود المحافظات، سيؤدى لتقسيم عادل للثروات، ويخلق مجتمعات عمرانية جديدة، إضافة إلى كونه عامًلا من عوامل تحقيق الأمن من التهديدات الخارجية خاصة فى المحافظات الحدودية، إلا أنهم أكدوا ضرورة الاستماع إلى آراء المعترضين من أبناء المحافظات، وتذليل عقبات اعتراضهم، للبدء فورًا فيه. «أكتوبر» فى سطور هذا التحقيق تناقش المشروع والهدف منه، والفائدة المرجو تحقيقها، إضافة إلى الاعتراضات عليه من خلال آراء الخبراء. بداية قال د.محمود ياسر رمضان رئيس حزب الأحرار إنهم فى حزبه تقدموا بمشروع لتقسيم المحافظات منذ 10 سنوات لأن التقسيم الحالى باق كما هو منذ الاحتلال البريطانى لمصر، وهو ما أدى لحصار الوادى بعدد من المحافظات الحدودية الشاسعة حتى يتمكن الاحتلال آن ذاك من السيطرة على الوطن.. ومثال ذلك محافظة الوادى الجديد وتمثل 42% من مساحة مصر تليها محافظة مطروح ثم محافظة البحر الأحمر ثم محافظتى سيناء الشمالية والجنوبية. وأضاف: هذا التقسيم الموروث منع التنمية المستدامة لجزء كبير من الأراضى المصرية، حتى جاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتعالج هذا التشوه الإدارى لتصبح الجغرافيا المصرية أداة من أدوات التنمية. وأوضح رمضان أن التقسيم الجديد، سيتضمن امتدادات لبعض المحافظات وفى التقسيم الجديد لدينا محافظات امتدت ليكون لها شواطىء على ساحل البحر الأحمر، إضافة إلى إيجاد عمق استراتيجى لمحافظات الصعيد داخل الصحراء الغربية يؤهلها لتنوع الأنشطة التنموية داخل الحدود الجديدة لها، مشيرًا إلى أن ذلك سيؤدى لخلق أنشطة للصيد البحرى والنهرى، وستكون هناك أنشطة للسياحة الترفيهية على تلك الشواطئ بجانب السياحة التقليدية لمشاهدة آثار مصر القديمة، كما سيكون هناك واد وأرض صحراوية تستوعب الزيادة السكانية. وأشار رمضان إلى أنه ستكون هناك أرضية جغرافية لتنفيذ مشروع محور التنمية الذى اقترحه الدكتور فاروق الباز، والذى سيبدأ من العلمين مرورًا بمحافظة البحيرة إلى الفيوم حتى يصل إلى الحدود الجديدة لمحافظات الصعيد. فرصة ذهبية وأكد رمضان أن إنشاء محافظة جديدة وسط سيناء سيتيح فرصة ذهبية لتنمية تلك المنطقة التى حرمت طويلاً من التنمية ، كما سيسمح بإنشاء مجتمعات جديدة تستوعب الزيادة السكانية الوافدة من الدلتا والوادى، خاصة مع تدشين حفر قناة السويس الجديدة، التى تستوعب عمالة ومجتمعات جديدة لتشغيل المشروعات التنموية التى ستنشأ على الضفة الشرقية. وينهى د.محمود ياسر رمضان حديثه بالمطالبة بإضافة محافظة توشكى والتى سيكون لها أمتداد يصل إلى بحيرة ناصر.. وكذلك إنشاء محافظة سيوة والتى سيكون لها تواصل إلى البحر الأبيض، منوهًَا إلى ضرورة العودة إلى المشروع الأصلى الذى اقترحه الرئيس السيسى. من جانبه أكد د. صلاح عبد الله عضو مجلس الشعب السابق أن مشروع قانون ترسيم حدود المحافظات مشروع قديم، الهدف الأساسى منه، منح كل محافظة ميناء أو مخرجا حتى يمكن زيادة الحركة التجارية لهذه المحافظات، إلى جانب منح ظهير صحراوى للتوسع السكانى، لأن المحافظات المغلقة تعانى من حالة تكدس سكانى. ورأى عبد الله أن أى مشروع جديد سيظهر له مؤيدون ومعارضون فكل مجموعة منهم لها أهداف، وقد يضار البعض نتيجة هذا التقسيم لفقدانهم النفوذ والسيطرة والمكانة الاجتماعية فى محافظاتهم ومن ثم فقد يخشون فقدانها وبذلك يعارضون المشروع. حل للمحافظات المغلقة طالب عبد الله بالاهتمام بالمحافظات المغلقة فى الدلتا وهى الدقهليةوالغربية وكفر الشيخ ودمياط بتشجيع مواطنى هذه المحافظات على الانتقال للأراضى الجديدة لإعادة توزيع السكان وتقليل الكثافة السكانية فى هذه المحافظات. ومن المنتظر أن تعطى الأولوية لأبناء المحافظات المغلقة لإعادة التوزيع السكانى وإعادة التوطين، داعيًا لمنح مشروع تقسيم المحافظات المزيد من الدراسة والتفاهم مع السكان المعارضين للمشروع ومعرفة الأسباب. وأشار اللواء محمود عشماوى محافظ الوادى الجديد إلى أن التقسيم الإدارى الجديد قد يتضمن إضافة محافظات الواحات بعد تقسيم الوادى الجديد ووسط سيناء، والعلمين، كمحافظات جديدة للتقسيم الإدارى وهو ما يساعد على تحقيق أبعاد التنمية الاقتصادية لكل المحافظات، خاصة فى الواحات.. والتى ستحقق البعد الاستراتيجى والأمنى للبلاد من ناحية الحدود مع ليبيا، مشيرًا إلى أن الحكومة ستعمل على توفير كل الإمكانات التى تساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية باستغلال الموارد. مضيفًا: بالنسبة لمحافظة الواحات سيتم وضع ميزانية لتطوير الطرق بها، وسيتم إنشاء طريقين لربط الفرافرة بديروط والفرافرة بعين دلة وهو ما سيتيح إحداث التنمية الاقتصادية بمبالغ تتجاوز مليار جنيه. واختتم اللواء محمود عشماوى حديثه بأن إنشاء محافظة جديدة يعنى وضع ميزانية جديدة وضخ أموال كبيرة للتنمية الاقتصادية من أجل توفير فرص عمل، وبنية أساسية وخدمية وأمنية، لكنه سيحقق أيضًا الأمن والحماية لحدودنا. التوافق مع المواطنين ويرى اللواء محمد عبد الفتاح عمر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب سابقًا أن التقسيم الجديد خاصة فى سيناء والذى يتضمن تقسيم سيناء إلى 3 محافظات.. لا يتعلق بعمليات تأمين ومواجهة العناصر الإرهابية فقط بقدر ما يتعلق بزيادة معدلات التنمية فى هذه المحافظات.. ما يعطى بعدًا ومضمونًا أعمق من خلال عمليات التطوير والامتداد العمرانى فى هذه المناطق، مضيفًا: عمليات تأمين الحدود ومواجهة الإرهاب تتم حاليًا على أكمل وجه وبصورة حادة وصارمة، بعيدًا عن تلك التقسيمات المنتظرة والتى تتعلق فى المقام الأول بعمليات التطوير العمرانى والتنمية الحضارية. ويحذر عبد الفتاح عمر من خطورة أن يتم ترسيم الحدود الجديدة بين المحافظات فى المكاتب وليس على أرض الواقع، خاصة أن التقسيم الجديد يلقى معارضة من البعض خاصة فى محافظة البحر الأحمر. ويشير اللواء فاروق حمدان الخبير الاستراتيجى إلى أن قرار إعادة تقسيم المحافظات لم ينبع عن هوى وإنما عن دراسة مستكملة من جميع الجوانب الأمنية والمحلية الغرض منها إقامة بعض التوسعات خاصة فى الرقع الزراعية بالإضافة إلى تيسير مهمة الأمن فى القيام بمهامه. وأضاف: طبيعة الشعب لم تتعود على التطوير السريع وإنما تعود على ما جبل عليه، أما القيادة السياسية الجديد فتحتاج إلى خطط تطوير سريعة ليظهر لها نتائج ملموسة على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن الأمر يحتاج إلى عدد من الحوارات المجتمعية. اندماج للمجتمع وتشير د.سوسن فايد مستشار علم النفس السياسى بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن صدور قرار بإعادة رسم حدود المحافظات لم يتم بطريقة عشوائية وانما تم صدوره بناء على مجموعة من الدراسات العلمية المتطورة وأن الهدف منه هو فتح مجالات اقتصادية جديدة وإحداث نوع من التكامل فى جميع الأنشطة. وأضافت: تخوفات بعض أهالى النوبة عن ضياع هويتهم فى غير محلها تماما، فمن غير المفترض أن يكون هناك هوية مستقلة داخل الدولة وإنما الهوية لنا جميعًا هى المصرية، فهل يصح أن للصعيد هوية ولوجه بحرى هوية وهكذا فهذا اتجاه خاطىء من بعض المواطنين ومن المفترض على نخبة المجتمع أن توضح هذا الأمر، فالاندماج مطلوب وضرورى لتحقيق الهوية المصرية التى من المفترض ان نعيش جميعا تحت مظلتها وليس الهوية النوبية أو الصعيدية أو غيرهما من المسميات حتى لا نكون دويلات داخل الدولة الواحدة. وقالت: للحفاظ على العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع النوبى مثلا يكون من خلال الأنشطة والبرامج الثقافية الخاصة بهم وليس من خلال اقتطاع جزء جغرافى يصبح له هوية خاصة داخل المجتمع المصرى. وذكرت أن من مميزات هذا القرار هو إعادة توزيع للكثافة السكانية حول الوادى بدلا من تركزنا فى 5% فقط من مساحة مصر فقط فسيصبح هناك حراك اقتصادى وثقافى وهجرة من الوادى. تقسيم أفقى ومن جانبه أشار د. على ليلة رئيس قسم الاجتماع السابق بجامعة عين شمس ان التقسيم الافقى الذى تم فى تقسيم المحافظات من الصحراء الغربية إلى الوادى والبحر الأحمر أعطى كل محافظة التكوين الثلاثى المطلوب لاى نشاط اقتصادى متكامل فهناك الشاطىء والوادى والصحراء . وأضاف أن الحفاظ على الثقافة الخاصة بكل محافظة مطلوب ولكن ليس على حساب الوطن والأمر، ليس كما يتوقعه البعض فلن يكون هناك تهجير لأى أسرة من مكانها وانما الأمر يتعلق بخلق مجتمعات ومدن جديدة وبعد بلورة بعض المحافظات سيتضح الأمر مشددا على ضرورة عدم سبق الأحداث وافتراض السيىء. وطالب ليلة بتفعيل دور الإعلام بهذا الأمر وتوضيح حدود كل محافظة، بالإضافة إلى توضيح أسباب صدور هذا القرار وأهميته وكيف أنه سيفتح آفاقا جديدة داخل كل محافظة وبأنه سيوفر أعدادا كبيرة من فرص العمل للشباب واندماجا بين جميع أفراد المجتمع. قال اللواء محسن النعمانى، وزير التنمية المحلية الأسبق، إن إعادة رسم وتخطيط حدود المحافظات هو فى الحقيقة هو إعادة تنظيم ورسم الخريطة الاستثمارية للبلاد لأن المشكلة فى مصر هى عدم عدالة التوزيع سواء للمساحات الأرضية أو للثروات الانتاجية، وبالتالى هناك محافظات طاردة يهاجر منها السكان وهناك محافظات جاذبة تتراكم عليها القوة البشرية بحثا عن الرزق وهذه المحافظات غير مؤهلة لهذا الاستيعاب وبالتالى ينتج عنها ارتفاع نسبة العشوائيات ومشاكل المرافق إلى آخره. والمقصود من إعادة التوزيع هو إعادة تنظيم واستثمار المساحة الأكبر من مصر، خصوصا اننا نعيش حاليا على 7% من مساحة مصر و93% صالحة للاستثمار ولا تستثمر، وبالتالى إعادة التنظيم هو معالجة احتياجات المحافظات التى نشأت خلال المرحلة السابقة وتأهيل المحافظات لاستثمار إنتاجى متوازن ومتكامل خلال المرحلة المقبلة. التنافس السياسى وأكد إلهامى الزيات، رئيس الاتحاد المصرى للغرف السياحية، أن إعادة تقسيم المحافظات وتسويق بعض المدن الساحلية التابعة للبحر الأحمر ضمن محافظة الأقصر، لا يؤثر إطلاقا على حركة السياحة الوافدة أو المدن التى تخرج من النطاق الجغرافى لمحافظة لتؤول لأخرى لأن المقصد السياحى يسوق ضمن البرنامج السياحى بغض النظر عن المحافظة التى يتبع لها. وأوضح الزيات أن إعادة تقسيم المحافظات سيخلق حالة من التنافس السياحى مما يؤثر بشكل إيجابى على تجميل المحافظات والاهتمام بالمقاصد السياحية بها وتطويرها. ويرى الدكتور عبدالرحمن العليان، عميد المعهد العالى للاقتصاد والعلوم السياسية أن تقسيم محافظات مصر كان قرارا ضروريا لكنه تأخر كثيرا، مشيرا إلى أن مصر تفتقد التوازن بين محافظاتها من حيث المساحة فهناك محافظات تعادل مساحتها أربع محافظات مثل محافظة الجيزة التى توقعنا تقسيمها وليس إعادة رسم حدودها فقط، إضافة إلى تقسيم الوادى الجديد. وكذلك الحال بالنسبة إلى محافظة سيناء فنحن فى حاجة ملحة لقرار تقسيمها إلى ثلاث محافظات فبالإضافة إلى محافظة سيناء وجنوب سيناء كان لابد من انشاء محافظة وسط سيناء. هذا إجراء مهم جدا سيغير مستقبل أبناء سيناء إضافة إلى تخصيص ميزانية إضافية ما سيساعد على دفع عجلة التنمية بشكل أكبر. وقال إن اعادة توزيع الظهير الصحراوى المنتظر على محافظات مصر، يتيح الفرصة لهذه المحافظات لإنشاء المزيد من المصانع والاستثمارات والوحدات السكنية مما يساعد فى حل أزمة الازدحام السكانى وخلق المزيد من فرص العمل لشبابها إضافة إلى ربط المحافظات المغلقة بمنافذ ومخارج ساحلية وهذا ما تحتاج اليه بشدة محافظات الصعيد. فربط هذه المحافظات بالسواحل سيزيد من ثرواتها وفرص الاستثمار فيها وهذا هو الهدف الأساسى وراء إعادة رسم حدود محافظات الصعيد مما يفتح لهذه المحافظات مجالات استثمارية جديدة، ويجعلها بشكل فعال على خريطة التنمية. وأكد العليان أن تقسيم المحافظات له بعد اجتماعى إلى جانب البعد الاقتصادى، فهذا الإجراء سيرفع من الروح المعنوية للمصريين، وسيشعرهم بالعدالة فى توزيع ثروات مصر. أسعار الأراضى والعقارات وأكد الدكتور علاء لطفى، رئيس المجلس التصديرى للعقارات أن الترسيم الجديد وإيجاد منفذ بحرى لكل محافظة بداية للتعمير والتنمية وسيؤدى لتخفيض أسعار الأراضى والعقارات نتيجة زيادة المعروض من الأراضى وتعمير مساحات شاسعة بالمحافظات الجديدة. وقال لطفى إن السوق حاليا يعانى من ندرة الأراضى نظرا لأننا ما زلنا نعيش بالوادى الضيق على 6% من إجمالى مساحة مصر وهو ما أثر سلبيا على عملية الاستثمار فى القطاعات المختلفة، لأن الأرض عنصر أساسى من أى مشروع، وإعادة ترسيم المحافظات وخلق امتداد عمرانى للمحافظات يفتح آفاقا جديدة للاقتصاد والتنمية فى مصر. سلاح ذو حدين وأكد الدكتور محمد عبد الخالق، أستاذ علم الاجتماع السياسى، أن تقسيم المحافظات الجديد سلاح ذو حدين وله تأثير سلبى على عدد من المحافظات وتأثير آخر إيجابى، فإعادة تقسيم المحافظات يساهم فى تنشيط التنمية فى مصر ويخلق امتدادًا عمرانيًّا جديدًا، ويساهم فى خلق مساحات إدارية جديدة ويعمل على توفير العمالة ولكن الخطورة تتمثل فى الطبيعة الأيديولوجية للمواطنين هناك من حيث تأقلمهم على الحياة فى تلك المحافظات من عدمه.