تظل الوحدة الصحية هى الملاذ الأول والأخير لأبناء القرى والبسطاء خاصة فى المناطق البعيدة، ومهما ضاقت بهم السبل والأحوال المادية فهم لا يجدون سبيلاً لعلاج أطفالهم وذويهم إلا بالوحدة الصحية.. لكن واقع الحال بالوحدات فى المحافظات يقول عكس ذلك، فهناك حالة مأساوية تشهدها آلاف القرى والمراكز، تبدأ من نقص الأطباء وعدم توافر الأدوية وغياب الرقابة وتنتهى بوحدات أخرى متهالكة تسكنها الحيوانات أو مبانِ شاهقة لا تجد من يقوم بتشغيلها. ففى الأقصر توجد 45 ممرضة على قوة وحدة واحدة، بينما وحدات أخرى لا تجد طبيباً واحدا أو ممرضة.. ويوجد 19 وحدة مغلقة نهائياً بالدقهليةوكفر الشيخ، وفى البحيرة وحدة قرية الأمل مغلقة منذ عام 2002، ولا تندهش عندما تجد الماعز يسكن الوحدة الصحية بقرية المعابدة بأسيوط، وهكذا تتنوع مشكلات الوحدات الصحية فى مختلف المحافظات.. «الأهرام» رصدت التفاصيل فى السطور القادمة: فى الأقصر تعتبر الوحدات الصحية من أهم مشكلات المحافظة رغم وجود 117 وحدة صحية بالمراكز والقري، وتتنوع أسباب المشكلة ما بين غياب الأطباء ونقص المستلزمات الطبية وإغلاق الوحدات، فبعض الوحدات بها نقص شديد فى أطباء الرعاية الأساسية التى وصلت إلى نسبة إلى 50 % لذلك نجد ان هناك وحدات صحية تعمل لساعات محددة فى اليوم بالتناوب ووحدات لا تعمل سوى 8 ساعات فقط، ووحدات تعمل بدون طبيب، وهناك 35 وحدة فقط تعمل على مدار ال 24 ساعة و40 أخرى تعمل من الثامنة صباحا وحتى الثانية عصرا و15 تعمل من 8 صباحا حتى 8 مساء. وكشفت الحملات التفتيشية عن تزايد ظاهرة غياب الأطباء عن الوحدات، واكتشاف وجود 45 ممرضة على قوة وحدة صحية واحدة بمدينة إسنا وقيام طبيب وممرضين من الفريق الطبى بوحدة نجع علوان بقرية العديسات بتحصيل مبلغ 15 جنيها للكشف على المواطنين وهو أمر غير قانوني، وبعض الوحدات مغلقة بالضبة والمفتاح. واعترف الدكتور السيد عبدالجواد بوجود ازمة فى الوحدات الصحية خاصة مع عدم تناسب الاعداد المخصصة لاطباء الرعاية الأساسية بالمحافظة، الامر الذى يسبب عجزاً فى إمكانية تشغيل الوحدات بكامل طاقتها الا انه قد تم وضع خطة بالتنسيق مع عدد من الأطباء لتقسيم أيام العمل الخاصة بهم خلال الأسبوع على وحدتين صحيتين، هذا بالإضافة الى العمل علي تكليف كل طبيب بإدارة أقرب وحدتين صحيتين فى المسافة، حيث يعمل فى كل واحدة لمدة 3 أيام أسبوعيا، مما يجعل المواطنين يتلقون الخدمة طوال أيام الأسبوع بالتنقل بين الوحدتين وتوفير الذهاب إلى المستشفيات التى تبعد عنهم. وفى أسيوط تشهد الوحدات الصحية قصورا كبيرا، حيث تغلق أبوابها منذ الثانية بعد الظهر وهذا ما أكدته تقارير المتابعة الميدانية وكذلك الحال بالنسبة لمستشفيات طب الأسرة، ففى قرية المعابدة يسكن الماعز الوحدة الصحية منذ فترات طويلة، ويعجز القائمون عليها عن إخراجها أو طردها وهو ما دفع نائب الدائرة للتقدم بمذكرة رسمية لوزير الصحة يطالبه بسرعة إنقاذ المستشفى بعدما تحولت الى زريبة وليس موضوع الماعز وليد اليوم، وكما يقول النائب مرتضى العربى فى تعليقه لقد غاب المرضى وحضر الماعز .. فلقد دخلت الوحدة الصحية وتحولت فيها ولم أجد من البشر سوى عامل كان نائما فى إحدى الغرف . وفى مستشفى التكامل بقرية نجع سبع كشف المهندس نبيل الطيبى رئيس مدينة أسيوط عن وجه آخر للقصور، حيث غياب الطبيب واستخدام ثلاجات الطعوم والأمصال فى تخزين الخضراوات الخاصة بالعاملين بالمستشفي. وفى مدينة القوصية أحالت رئيسة المدينة 16 شخصا من العاملين بالوحدة الصحية بقرية فزارة والوحدات الصحية بالقرى المجاورة لتغيبهم وترك العمل قبل الموعد المحدد للانصراف. فى المقابل رصدت الأهرام حضورا لمعظم العاملين بالوحدة الصحية بقرية أم القصور ابتداء من طبيبة الوحدة كما شاهدنا إقبالا كبيرا من المواطنين، وكانت الوحدة تقدم الألبان بانتظام. أما فى الدقهلية فيعتبر المواطنون اغلاق الوحدات الصحية قبل انتهاء العمل أم المشكلات فضلاً عن «تزويغ» الأطباء والفنيين منها وعدم الانضباط الإدارى ونقص الإمكانيات، وهو ما كشفته حملات المتابعة الميدانية من مديرية الصحة وإدارة المتابعة بديوان عام المحافظة والتى إكتشفت تغيب 250 من الأطباء بالوحدات الصحية القروية عن العمل دون عذر وترك محل العمل قبل المواعيد الرسمية، وهو ما جعل محافظ الدقهلية الدكتور أحمد شعراوى يحيلهم إلى التحقيق. الحملات نفسها كشفت عن وجود 9 وحدات صحية مغلقة نهائياً من قبل الإدارات المسئولة عنها وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها، وفى حملة مفاجئة لمحمود سعد شاهين، رئيس مركز ومدينة الجمالية على وحدات طب الأسرة، لوحظ غياب جميع الأطباء والعمال بوحدة طب الأسرة بعزب الجمالية، إضافة إلى أن وحدة صحة الأسرة بعزب موسي، وطب الأسرة بليسا الجمالية مغلقتان وقام باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال المخالفين وإحالتهم للتحقيق. من جانبه يؤكد الدكتور سعد مكى وكيل وزارة الصحة بالدقهلية أنه سيتم خلال أسبوع تركيب أجهزة بصمة فى كل المستشفيات والوحدات الصحية بالدقهلية والتى ستضبط إيقاع العمل ، لكنه لفت إلى أن بعض المرضى يعتقدون أن الوحدة الصحية يفترض أن تعمل 24 ساعة، والصحيح أن هناك وقتا محددا لها ويتم إحالة أى حالات طارئة إلى المستشفيات الكبرى المركزية. وقال مكى إن هناك 100 وحدة صحية بالدقهلية قديمة وبحاجة إلى تجديد وتأهيل وتطوير وتم إسناد ذلك إلى هيئة الأبنية التعليمية على مدار خمس سنوات على الأكثر حيث دخلت خطة هذا العام تطوير 22 وحدة صحية، مشيرا إلى أن مستشفى ميت غمر المتوقف منذ سنوات طويلة يجرى حاليا بناء مستشفى طوارئ على أرضها وتم إنجاز كافة الإجراءات الفنية. وفى البحيرة، أكثر من400 مستشفى قروى ووحدة لطب الأسرة منتشرة فى 16 مركزا تحول نصفها تقريباً إلى مجرد أماكن خاوية تضم مبانى شاهقة وجديدة مغلقة بداخلها أجهزة طبية كلفت الدولة ملايين الجنيات ما زالت حبيسة الجدران وتهالكت تماما. ويتساءل صبحى عفيفى أحد أهالى قرية الحاجر بكفرالدوار هل يعقل ان وحدة قرية الأمل المقامة على مساحة 1050 مترا لخدمة أكثر من 150 ألف مواطن مغلقة منذ انشائها عام 2002 رغم أنها مكتملة المرافق وتحتوى على العديد من الأجهزة التى أصابها الصدأ وتآكلت بسبب عدم توافر الأطباء حتى صارت بيتا للأشباح ومأوى الخارجين على القانون، مشيرا إلى أن أقرب وحدة أو مستشفى يبعد عن القرية بنحو 15 كيلومترا، الأمر الذى يجعل الوصول إليه مهمة صعبة خاصة فى فصل الشتاء كما يضطر الآلاف من السيدات الحوامل والأطفال إلى الذهاب لوحدات صحية بعيدة عن أماكن إقامتهم.أما معوض هويدى فيشير إلى ان أكثر من وحدة صحية فى مركزى كوم حمادة والدلنجات تم إزالتها رغم ان مبانيها صالحة ويبدأ العمل فى بنائها من جديد، ونحن لا نريد مبانى حديثة بقدر ما نريد خدمات صحية وعلاجا ثمنه فى مقدور البسطاء لذلك يتساءل ما فائدة وحدات طب الأسرة التى كلفت الدولة الملايين ولا تعمل، ويضيف هويدي: بعض المستشفيات القروية تحولت إلى عيادات خاصة وأخرى جراجات للسيارات بعد الثانية ظهرا كمستشفى الطود الذى أصبح عبارة عن جراج مفتوح للسيارات والتكاتك، فالمرضى يدفعون فى الكشف الواحد 45 جنيها والمفترض دفع 5 جنيهات فقط ناهيك عن الروتين. وتكتمل المأساة فى وحدة طب الأسرة بقرية سرنباى التابعة لمركز المحمودية كما يؤكد عبده عمار أحد الأهالى ان الوحدة تعد نموذجا صارخا للاهمال الواضح واللامبالاة رغم أعمال الانشاءات المتميزة وشراء الأجهزة الطبية وفوجئنا بعدم تشغيلها بكامل طاقتها واقتصار خدماتها على بعض الاغراض الخاصة حتى أصبحت لا تصلح لاستقبال المرضى فلا وجود للأطباء خاصة فى المساء ولا صرف للأدوية والأجهزة تهالكت والمريض يشترى كل مستلزماته من الخارج. وفى مدينة كفر الدوار يبدو الأمر مختلفا بعض الشيء، فمبنى الوحدة الصحية الرئيسى آيل للسقوط منذ سنوات مما يهدد أرواح الموظفين والمترددين على المبنى الذى يستقبل مئات الحالات يوميا، ويقول عبده صقر موظف إن الوحدة الصحية بكفر سنطيس بمركز دمنهور تم إغلاقها ب«الجنازير» لعدم وجود أطقم تمريض أو أطباء بها. من جانبه أعلن الدكتور علاء الدين عثمان وكيل وزارة الصحة بالبحيرة أنه تم الانتهاء من تطوير 27 وحدة بتكلفة 42 مليون جنيه، ويجرى الآن تطوير 30 وحدة أخرى بتكلفة 24 مليون جنيه، وأضاف أنه تم افتتاح 3 وحدات صحية جديدة لصرف أدوية مرضى التهاب الكبد الوبائى وعلاج «فيروس سي» كما أكد انتهاء المديرية من تجهيز 111 وحدة استعدادا لدمجها ضمن برنامج الرعاية الصحية لغير القادرين. وأما فى سوهاج فقد تسبب عدم توافر الأطباء فى تعطيل العديد من الوحدات الصحية بالمحافظة، فهناك وحدات تعمل لمدة يومين او ثلاثة حيث يتم ندب الطبيب للعمل فى أكثر من وحدة صحية الأمر الذى يدفع المرضى للجوء للمستشفيات المركزية. كما ان هناك وحدات صحية لم يتم تشغيلها لعدم وجود تجهيزات طبية أو عمالة، مثل الوحدة الصحية بالعصارة بالمجابرة بمركز جرجا والتى تم الانتهاء منها فى أكتوبر 2015 والوحدة الصحية بالعوامر بحرى بذات المركز والتى تم الانتهاء منها منذ 3 سنوات ووحدة صحة المرأة بنجع المصلحة التابع لقرية بيت علام وغيرها. وتعانى كفرالشيخ من النقص الشديد فى الخدمات الطبية رغم وجود وحدات صحية بالقرى الا أنها لا يوجد بها أدوية أو رعاية ملموسة خاصة فى الفترات المسائية ، وقد أقتصر دور العديد منها على خدمات تنظيم الأسرة فقط، بالإضافة الى غلق 10 وحدات بقرى الشمارقة وإسحاقة والروضة والخادمية ونصرة والحمراوى بمركز كفرالشيخ وغرب تيرة والكفر الشرقى التابعتين لمركز الحامول ونشرت بمركز قلين وغيرها من الوحدات وتحولت الى أماكن مهجورة، وصدر لها قرارات غلق وإحلال وتجديد ولم يتم تنفيذها حتى الان، كما تحول المبنى القديم للمركز الطبى بقرية الحمراوى بكفر الشيخ إلى ملاذ آمن للخارجين على القانون، وذلك بعد نقل المركز من مقره فى المدخل الرئيسى للمحافظة منذ أكثر من عامين إلى شقة بالإيجار داخل القرية وتم ترك هذا المبنى مهجورا. وأكد ابراهيم موسى من أبناء قرية الكفر الشرقى بالحامول، أنه تم غلق مبنى الوحدة الصحية بالقرية بعد صدور قرار بإحلال وتجديد المبنى ونقوم بنقل المرضى الى مستشفى الحامول المركزى لعلاجهم وهو ما يكبد المريض مشقة السفر، وبالاضافة الى تكاليف مالية كبيرة، ونطالب بسرعة إحلال وتجديد المبنى وتوسعته وتزويده بالأجهزة الطبية الحديثة لخدمة أهالى القرية والعزب المجاورة. من جانبها أكدت الدكتورة لميس المعداوى وكيلة وزارة الصحة بكفر الشيخ، أنها تنتظر الاعتماد المالى من الوزارة لكى يتم إنشاء المركز تلبية لوعد الأهالى بالقري، وأضافت أن الوحدات الصحية التى تم غلقها صدر لها قرارات إحلال وتجديد ويجرى تنفيذ الخطة ويتم متابعة عمل جميع الوحدات الصحية على مستوى المحافظة ومعاقبة الأطباء غير الموجودين فى موقع العمل مع توفير الأدوية اللازمة للمرضى بها.