فى ربع قرن حققت الهند وإسرائيل قفزات فاقت توقعات طرفيها. آخر رقم للتبادل التجارى بينهما بلغ 5٫2 مليار دولار وفى 17 ابريل اشترت الهند صفقة تسليح بمليارى دولار وهناك 15 مشروعا مشتركا متميزا فى الهند تسير بنجاح. وعشية زيارة رئيس الوزراء الهندى نارندرا مودى 4-6 يوليو عبر مقال مشترك له ولنتنياهو، عنوانه «يدا بيد نحو المستقبل» عن شراكة متنامية فى الزراعة والصحة والمياه والبيئة والتعليم والأمن والدفاع والتكنولوجيا والفضاء ومحاربة الإرهاب. المقال المشترك لم يذكر كلمة التعاون لأنهما تجاوزا مرحلته ولكنه تضمن كذبة كبرى تقول «أن فلسفات وتواريخ أسلافنا ألهمتا بعضهما البعض» إن تاريخ الهند كدولة ضاربة فى القدم يخلو من أى إسهام مشهود لأى يهودى هندى قبل أو بعد إنشاء إسرائيل عام 1948. لقد وصفت الزيارة بالتاريخية لأنها الأولى من نوعها لرئيس وزراء هندى منذ إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى فبراير 1992 وتعبيرا عن قوة العلاقات فقد رافق نتنياهو ضيفه فى معظم برامج زيارته وهذا تشريف إسرائيلى حصرى لرؤساء الولاياتالمتحدة فقط. لقد تمت الزيارة فى وقت يحكم فيها اليمين المتطرف الهند وإسرائيل وفى ربع قرن شهدت العلاقات نقلة كبيرة تجاوزت التعاون الأمنى والعسكرى السرى الذى كان أبرزه مد إسرائيل للهند بأسلحة أثناء الغزو الصينى للهند عام 1962 ورد الهند للجميل عام 1967 بمد إسرائيل بقطع غيار وأسلحة فرنسية كانت إسرائيل تحتاجها أثناء عدوانها عام 1967. السيد مودى المولود عام 1950بعد استقلال الهند لم يعاصر استعمار الرجل الأبيض للهند واستعلاؤه وسيتأكد بنفسه بأن البلد الذى يزوره كان حتى فى الكتابات الصهيونية إلى عام 1948 يسمى فلسطين وأنه اغتصب وتحول أهله من أصحاب الدار والأغلبية إلى لاجئين وأقلية تنكر إسرائيل عليهم حقوق المواطنة المتساوية. إن زيارته لمقبرتى جنود الامبراطورية البريطانية من الهنود، هندوس ومسلمين، فى حيفا الذين ساهموا بانتصار الأخيرة فى الحرب العالمية الأولى (سبقت مودى إلى حيفا ثلاث بوارج حربية هندية فى مايو الماضي) ستذكره الزيارة - بهوية المدينة العربية وهو يشاهد معالمها وشوارعها ومعمارها المغتصب من قبل المستوطنين . أما اللوحة التى أهداه إياها نتنياهو وتجسد دور الجنود الهنود فى تحرير القدس فى 11 ديسمبر 1917 فستذكره بعروبة القدس لأن من فى الصورة من المدنيين كانوا عربا. لقد اعتدى السيد مودى كحليفه المستوطن نتنياهو على التاريخ عندما قال بأن الهندى بابا فريد الدين الذى سافر إلى القدس فى القرن 13 يعد رمزا لعلاقات تاريخية تعود مئات السنين إلى الوراء. فى هذا التاريخ نسى مودى أن القدس كانت فلسطينية وأن صلاح الدين الأيوبى كان من سمح لليهود بالإقامة فى القدس بعد أن منعهم الصليبيون منها مودى ينتقى مثل نتنياهو من التاريخ ما يشتهى ويتجاهل تاريخا قريبا سجله نصير عروبة القدسالهندى محمد على جوهر المدفون فى باحة المسجد الأقصى عام 1931 . فى عام 2002 عندما كان مودى كبير وزراء ولاية قوجرات ارتكبت مذبحة لمسلمى الولاية وكان من نتيجة تقصير مودى فى أداء واجبه أن منعته الولاياتالمتحدة من زيارتها، ولم ترفع عنه المنع، إلا بعد أن أصبح رئيسا لوزراء الهند عام 2014. ولا غرابة أن لا يتحفظ مودى أثناء لقائه الرئيس الإسرائيلى ريفلين ويعبر بوضوح عن انحيازه الكامل لإسرائيل وعن عدم احترامه لمشاعر جزء من شعب إسرائيل يعانى من التمييز وهم عرب 1948 والمحتلة أرضهم فى الضفة والقدس. مودى صغّر الهند وسيصدم كثيرين داخلها وخارجها بقوله أمام ريفيلين »الهند من أجل إسرائيل والهند مع إسرائيل«، وكأنه يقول له واصلوا احتلالكم ولا تنسحبوا واستوطنوا كما وأينما تشاءون الخ... لقد تعمد مودى أن تكون الزيارة لدولة الاحتلال وحدها خلافا لتقليد دولى لم يحد عنه حتى الرئيس الأمريكى ترامب الذى قام بزيارة الأراضى الفلسطينيةالمحتلة والتقى برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. هناك تفسير آخر قد تشوبه السطحية وهو أن مودى لم يزر رام الله لأن اليمين الهندوسى يكره كلمة الله العربية. هذا اليمين حاول عندما وصل إلى السلطة لأول مرة فى بداية التسعينيات تغيير اسم مدينة الله أباد ولكنه ووجه بمقاومة اضطرته إلى التراجع وحينها فشل أيضا فى تغيير لقب المهاتما غاندى من أبو الأمة إلى ابن التربة. فى هند البى جى بى تغير تصويت الهند فى الأممالمتحدة فيما يخص قضية فلسطين إلى النقيض أحيانا ولا تفسير لذلك سوى أن إسرائيل تطلب ثمنا لشراكتها مع الهند وهذا نكوص عن موقف تاريخى هندى ساند الحرية فى كل مكان وهو نتاج طبيعى لموقف اليمين الهندوسى الذى لم يبد فى أى وقت تعاطفه مع الفلسطينيين. الزيارة وضعت رسميا وليس شعبيا نهاية لعقود من التأييد الهندى القوى للقضية الفلسطينية وانحيازا علنيا للإيديولوجية التوسعية الصهيونية خلافا لمقولتى المهاتما غاندى »إن فلسطين للفلسطينيين كما أن انجلترا لإنجليز« وراجيف غاندى حفيد جواهر لال نهرو »أننا لن نكون أحرارا إلا عندما يتحرر شعب فلسطين«. وكمعاصر لتاريخ إنشاء العلاقات الدبلوماسية عام 1992 استذكر ما قاله النائب مانى شانكرايار »إن دولة إسرائيل يجب أن تكون فى نيويورك وليس فى فلسطين. وقتها لم يستوعب البعض الصدمة.إنه لمحزن أن يصطف فلسطينيون أمام القنصلية الهندية فى رام الله احتجاجا على زيارة مودى الذى لم يضع أمام هؤلاء خيارا آخر بعد تماهيه الكامل مع المنطق الصهيونى فى كل ما يتصل بفلسطين ماضيا وحاضرا. وما له دلالة أتمنى أن يستوعبها مودى أن يصوت الكنيست الإسرائيلى على عدة قوانين خلال الزيارة تؤكد الطابع العنصرى لدولة إسرائيل وتحولها إلى دولة ابارتهايد وأن منظمة اليونسكو صوتت ضد تهويد القدس وأكدت أنها مدينة محتلة. لمزيد من مقالات على محسن حميد