الأزهري عن «صحح مفاهيمك»: بناء الإنسان الهدف الأعظم لتجديد الخطاب الديني    أماني ألبرت عميدا لمعهد الإسكندرية العالي للإعلام    عن المدارس التجريبية وأعباء أولياء الأمور    متحدث الإسكان: منصة الوحدات البديلة للإيجار القديم جاهزة    الاقتصاد غير الرسمى    الفيوم تناشد المواطنين بالإبلاغ على الخط الساخن بتجاوزات تعريفة الركوب المقررة    وزير العمل: إعادة تقييم شامل لجميع شركات إلحاق العمالة للخارج خلال 45 يومًا    وزير الخارجية يدين بأشد العبارات الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للسيادة السورية    الإمارات: قصف مسجد دارفور انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني    الأهلي يكشف الموعد النهائي للإعلان عن مدربه الجديد    خالد فتحي: تتويج منتخب الناشئات ببطولة إفريقيا إنجاز جديد والقادم أفضل    التشكيل الرسمي لإنتر لمواجهة ساسولو في الدوري الإيطالي    ننشر نص أقوال شريف إكرامي في واقعة امتحان رمضان صبحي | مستندات    فركش تصوير «نور مكسور».. آخر حكايات «ما تراه ليس كما يبدو» | صور    بعد انفصالها عن أحمد مكي.. مي كمال في رسالة غامضة: «ياريت تشيليني من دماغك»    عناق حار بين آمال ماهر ونبيلة عبيد في كواليس «الموريكس دور» | شاهد    محافظ المنيا: التأمين الصحي الشامل نقلة نوعية في الخدمات الطبية    المصل واللقاح: تقلبات الخريف تزيد فرص العدوى التنفسية بين الطلاب    هل يعود السودان إلى حاضنة الاتحاد الإفريقي؟    عاجل- إغلاق قاعة توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير تمهيدًا لعرض كنوزه كاملة في المتحف المصري الكبير    محافظة الجيزة: إزالة العوائق بمحيط مدرسة ترسا الجديدة بالطالبية    السجل الذهبي.. برشلونة الأكثر تتويجًا بكأس العالم للأندية لكرة اليد وماجدبورج الثاني    العرب بلا ذهب للمرة الأولى منذ 10 سنوات في مونديال ألعاب القوى    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء أكثر من 550 ألفا من سكان مدينة غزة    والدة هنا الزاهد تحتفل بخطوبة ابنتها الصغرى برسالة مليئة بالحب    هل الكسوف والخسوف غضب من الله؟ الأزهر للفتوى يجيب    دار الإفتاء: زواج الأخ من زوجة أخيه جائز بشرط    «أنا مش مهتم أساسًا بالشهادة».. اعترافات رمضان صبحي أمام النيابة في تزوير كراسات الامتحانات (خاص)    دار الإفتاء: الثلاثاء 23 سبتمبر أول أيام ربيع الآخر 1447 ه بعد تعذر رؤية الهلال    في اليوم العالمي لمرض ألزهايمر، 7 عوامل خطورة تزيد من احتمالية الإصابة    عضو مركز الأزهر: ثلاثة أوقات تُكره فيها صلاة النفل بلا سبب    رسميًا.. اللواء أشرف نصار رئيساً لنادى البنك الأهلي والسرسي نائبًا    «فادي فريد يقود الهجوم».. الظهور الأول لتامر مصطفى لقيادة الاتحاد السكندري في مواجهة زد بالدوري (صور)    دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة يناير 2026    ثلاثة عوامل خطرة تزيد من احتمال الإصابة بمرض الكبد الدهني القاتل    موعد صلاة العشاء ليوم الأحد .. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    بن جفير: اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطين يتطلب إجراءات فورية    تأجيل محاكمة 11 متهما بقضية "خلية حلوان" لجلسة 2 نوفمبر المقبل    «عوض» و«فتحي» يشهدان توقيع بروتوكولًا بين جهاز شؤون البيئة والمتحف المصري الكبير    العراق يشغل أول محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية جنوبي بغداد    الرئيس السيسي يوجه برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب    أدعية الصباح اليوم.. طاقة روحانية وسكينة في النفوس    تفاصيل انفجار خط غاز بحر مويس في بنها بسبب خطأ سائق حفار.. فيديو وصور    تنفيذ قرارات إغلاق لعدد من المحلات المخالفة جنوب الغردقة    صابرين تخطف الأنظار بفستان أنيق وجذاب في حفل "دير جيست" (فيديو وصور)    في واقعة الإسورة الأثرية.. النيابة توصي بمنع دخول حقائب مرممي الآثار وتفتيشهم عند الخروج وتركيب كاميرات مراقبة    غياب لامين يامال.. قائمة برشلونة لمباراة خيتافي في الدوري الإسباني    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس.. هل تظهر في مصر؟    البيت الأبيض يحدد صفقة «تيك توك» التي تمنح أمريكا السيطرة على الخوارزمية    احتفالا ب العام الدراسي الجديد.. مدرسة ب الوادي الجديد تستقبل طلابها بالحلويات    سعر الذهب في مصر يقفز بنحو 8 أضعاف في 9 سنوات (انفوجرافيك)    مدينة الدواء "جيبتو فارما".. أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن| فيديو    رئيس جامعة دمنهور يستقبل مجلس أمناء المؤسسة الخيرية لرعاية المستشفى الجامعي    أستراليا تعلن اعترافها رسميًا بدولة فلسطين    بالصور- افتتاح مدرسة شبين الكوم الحديثة للغات باستثمارات 28 مليون جنيه    البورصة المصرية تخسر 11.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    انطلاق برنامج "بالعبرى الصريح" مع هند الضاوي على القاهرة والناس    رغم العراقيل الإسرائيلية.. قوافل "زاد العزة" تواصل طريقها من مصر إلى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جارودي‏:‏ قرن من التحولات الفكرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 07 - 2012

بعد عمر بلغ التاسعة والتسعين بالتقويم الشمسي وزاد علي المائة بثلاث سنوات بالتقويم القمري رحل عن عالمنا في 15 يونيو 2012م أحد فلاسفة القرن العشرين, المفكر العالمي رجاء جارودي, 1331 1433ه 1913 2012م] ولد جارودي في سورمارق ببلدية شينفير بمرسيليا جنوبي فرنسا في 17 يوليو 1913م في عائلة بروتستانتية, ثم تحول إلي الكاثوليكية.. ثم انضم إلي الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1933م.. وانخرط في صفوف المقاومة الفرنسية كتائب الأنصار ضد الاحتلال النازي لفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية.. وتم القبض عليه وسجنه سنة 1940م لمدة ثلاثين شهرا قضاها في معسكر اعتقال بالجزائر في أثناء حكم حكومة فيشي, 19401945م] العميلة للاحتلال النازي التي رأسها الجنرال بيننان,18561951م].
وفي 1945م, انضم جارودي إلي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي.. وفي 1956م انتخب عضوا بالمكتب السياسي للحزب.. كما انتخب نائبا بالجمعية الوطنية الفرنسية 1954م.. ثم أعيد انتخابه, 19561958م].. ثم أصبح عضوا بمجلس الشيوخ الفرنسي, 19591962م].
ولقد نال جارودي درجة الدكتوراه من جامعة السوربون 1935م برسالة عن النظرية المادية في المعرفة..ثم حصل علي دكتوراه ثانية, من جامعة موسكو 1954م برسالة عن الحرية.. وتولي تدريس الفلسفة بجامعة إلبي بالجنوب الفرنسي.. وبالجزائر العاصمة.. وبباريس 19581959 م, حيث أصبح أستاذا بالجامعة.. وبرزت مواهبه الفكرية كفيلسوف ومنظر ماركسي في الأوساط الفكرية خارج نطاق الجامعة. وفي سنة 1968, وإبان الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا انتقد جارودي هذا الغزو, الذي قمع الحركة الديمقراطية التشيكية ربيع براغ فتم فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي 1970م.. فقام في العام نفسه بتأسيس مركز الدراسات والبحوث الماركسية باحثا عن شيوعية ذات وجه إنساني وأصدر حينئذ كتابه, اشتراكية بوجه إنساني].
وظل مديرا لهذا المركز البحثي مدة عشر سنوات.
وعندما اجتاح الجيش الصهيوني لبنان 1982م, ووقعت مجزرة صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين بضواحي بيروت أصدر جارودي بيانا أدان فيه الغزو والمجزرة, ونشره إعلانا في صفحة كاملة بصحيفة اللوموند الفرنسية بتاريخ 7 يونيو 1982م.. ووقعه معه عدد من المفكرين ورجال الدين الفرنسيين منهم الأب ميشيل لولون والقس إينان ماتيو وبهذا البيان بدأت الحرب بين الصهيونية وبين جارودي, وهي الحرب التي بلغت ذروتها بكتابه, الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية] سنة 1996م, والذي أعقبت صدوره محاكمته الشهيرة بتهمة العداء للسامية, والمراجعة لوقائع الهلوكوست, إبان الحكم النازي.. ولقد حكم عليه بغرامة كبيرة, أدتها عنه دولة الإمارات العربية المتحدة, فأنقذته من السجن.
وفي 2 يوليو سنة 1982م أعلن جارودي إسلامه, وأشهر ذلك بالمركز الإسلامي بجنيف, بادئا بذلك التحول الفكري الذي استقر علي ضفافه, والذي شهد عطاءه الفكري الأكثر خصوبة, في إطار مسيرته الفكرية التي شهدت الكثير من المعاناة الفكرية والعديد من الاجتهادات.. ويومها قال جارودي: لقد وجدت أن الحضارة الغربية قد بنيت علي فهم خاطئ للإنسان.. ولقد كنت عبر حياتي أبحث عن المعني الحقيقي للإنسان, فلم أجده إلا في الإسلام.. لقد أظهر الإسلام شمولية كبري استوعبت سائر الشعوب ذات الديانات المختلفة, فكان أكثر الأديان شمولية في استقباله الناس الذين يؤمنون بالتوحيد, وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره, منفتحا علي ثقافتهم وحضارتهم, والمثير للدهشة أنه في إطار توجيهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ليس فقط إعطاء إمكانية تعايش وتمازج لهذه الحضارات, بل أيضا إعطاء زخم قوي للإيمان الجديد. وبهذا الاعلان أكد جارودي أن إسلامه قد تجاوز مجرد اعتناق دين جديد, إلي الانتماء إلي حضارة الإسلام أيضا.. لقد وجد في الإسلام وفي الحضارة التي بناها هذا الدين المعني الانساني للإنسان.. ووجد التجسيد الحقيقي للعالمية الإنسانية.. بعد أن اكتشف إبان مسيرته الفكرية السابقة عنصرية ومادية الحضارة الغربية, التي قتلت إنسانية هذا الإنسان.. فالحضارة التي أفرزت الرأسمالية المتوحشة, والإمبريالية التي امتصت دماء شعوب الجنوب, وأعادت عبودية الرق القديم وفرضته علي مئات الملايين, هي ذاتها الحضارة التي أفرزت النازية والفاشية, والتي أشعلت الحروب الكونية التي أبادت فيها عشرات الملايين من البشر.. ولقد لخص جارودي رأيه في هذه الحضارة التي تحول عنها إلي الحضارة الإسلامية في عنوان كتابه:, الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها]!.
وإذا كان إسلام جارودي وهو واحد من صفوة النخبة الثقافية الفرنسية والأوروبية, وأحد فلاسفة القرن العشرين قد مثل في الأوساط الثقافية الفرنسية هذا التحول الذي تجاوز الدين إلي الحضارة فلقد مثل ما يشبه الزلزال الثقافي والحضاري.. حتي لقد انزعج منه المستشرق الفرنسي الكبير جاك بيرك, 19101995م] فقال: هذا يوم أسود!.
ومنذ أن التقي جارودي بالاسلام الدين والحضارة تضاعفت جهوده الفكرية وإبداعاته الثقافية.. فكان المحامي الغربي القدير للتعريف بالإسلاموحضارته, والعامل علي تصحيح الفكرة الكاريكاتيرية التي تقدمها الصحافة الغربية عن الإسلام علي حد تعبيره ... وعندما أغمض جارودي عينيه عن عالمنا بعد أن لازم الفراش منذ 2004م بسبب إصابته بجلطة دماغية وهو في الحادية والتسعين من عمره لم تشر الصحافة الفرنسية إلي مكانته, ولا إلي عطائه الفكري الذي تجسد في أكثر من ستين كتابا.. وإنما عرفته فقط بالمشكك في الهلوكوست!.. فالرجل الذي عاش عمرا طويلا ملء السمع والبصر, والذي شغل الحياة الفكرية علي امتداد عقود طويلة, نجحت الصهيونية التي استبعدت الغرب في أن تجعل كبريات دور النشر الفرنسية والغربية, وحتي المكتبات تقاطع كتبه.. فعندما أصدر كتابه, نداء إلي الأحياء] باعت منه دار النشر 190 ألف نسخة.. وعندما أصدر كتابه عن, الإرهاب الغربي] قاطعته دور النشر والمكتبات, حتي باعه سرا, ووزع منه 30 ألف نسخة!.. لكن الإنسانية, التي دافع عنها جارودي تعلقت بإبداعاته الفكرية, فترجمت العديد من كتبه إلي عشرات اللغات الشرقية والغربية علي حد سواء.
المزيد من مقالات د. محمد عمارة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.