عوامل شتى أسهمت فى تحقيق الاغتراب العائلى داخل كثير من الأسر، منها اختلاف طبيعة الأجيال الذى خلف هوة شاسعة بين الأبناء والآباء، فكرا وسلوكا، فلا تجدهما يلتقيان فى رأى واحد بأى نقاش مشترك، بل وقلً أن تجمعهما مائدة واحدة!. وتحولت العلاقة بين الابن وأبيه إلى علاقة نفعية بحتة، فقد لا يجالس الابن أباه إلا حينما يريد شيئا، كطلب مال أو شراء شيء، أو نحو ذلك، بل وأحيانا يستغنى الابن عن هذا اللقاء (النادر) بأن يفوض أمه فى طلب ما يريد من أبيه، تجنبا لصدام محتمل، أو منعا للجدال وكثرة الأسئلة والاستفسارات التى لا يرغبها الابن بالطبع!!. هذا المرض الاجتماعى الذى ابتليت به كثير من البيوت، يأتى رمضان فرصة عظيمة لعلاجه والحد منه تدريجيا. وكما يوضح الدكتور ناصر محمود وهدان الأستاذ بكلية التربية بالعريش فإن شهر رمضان فرصة بالأساس لتوطيد العلاقات والتقارب بين الناس عامة، والأهل والأرحام والجيران خاصة، فهذا الشهر يحمل كثيرا من المعانى ويمنحنا فرصا عظيمة للتربية والدفء العائلى بين جميع أفراد الأسرة، أزواجا وزوجات، آباء وأبناء. ففضلا عن الصيام والصلاة والذكر والصدقة والتنفل، ونحو ذلك، فإن شهر رمضان يتسع أيضا لخير كثير فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والدروس التربوية والتعليمية بما يوافق الشرع.. وإذا نظرنا إلى العلاقة بين الأبناء والآباء نجد رمضان فرصة أكبر لإصلاح ما بها من خلل، والوصول بالتربية إلى الطريقة المثلى التى يرضى عنها الله ورسوله، فإذا كان معظم الآباء يعود من عمله مبكرا فى نهار رمضان، لا ينبغى أن نمضى الوقت كله فى النوم تخفيفا لأثر الصيام، بل استثمار الوقت فى قضائه بين الأسرة فيما يفيد، وما لا يتسع له الوقت فى غير رمضان، فكفانا أمرا ونهيا لأولادنا، وكفانا غربة وتباعدا عن أبنائنا، وهيا بنا نعلمهم ونتعلم معهم.. نصادق أبناءنا الشباب ومن فى سن المراهقة، نعلمهم شيئا من شرع ربنا بحب، نصطحب الصغار فى صلواتنا بالمسجد نعلمهم بالقدوة قبل الكلام نتناقش معا فى درس اليوم، ونعلمهم شيئا من أحكام الصيام أو أحكام الوضوء، شيئا من الذكر .. آداب الطعام والشراب، آداب دخول المسجد والخروج منه، آداب دخول الخلاء، السنن (المؤكدة وغير المؤكدة)، هيئة الصلاة، وكيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى ..وهكذا لماذا لا نجعل يومنا كله تعلقا بالله، فى جدنا ومرحنا، فى غدونا ورواحنا، فى المنزل وخارج المنزل. والأم أيضا لا ينبغى أن تقضى يومها كله فى إعداد الطعام والتجهيز له منذ الصباح، الإفطار كذا، والحلو كذا، وفقط..فهذا شيء جميل تثاب عليه ما أخلصت النية، لكن ليس كل الوقت إما طعاما أو إعدادا له، يجب أيضا أن تخصص لنفسها وقتا للعبادة، ووقتا تقضيه مع صغارها تحدثهم عن شيء من الدين وأهمية الصيام، أو الجلوس مع أبنائها لمشاهدة برنامج دينى خاص بالدعوة أو الفتاوي، أو المناقشة مع ابنتها حول شئون المرأة الخاصة كالحديث عن الحجاب أو أحكام الحيض ونحو ذلك، أو نقل خبرات الأم وتجاربها ذات النفع إلى الأولاد. فكما تحرص الأم على تعليم فتاتها فنون الطهو والطبخ، يجب أن تحرص أيضا على تعليمها أمور دينها وفنون الحياة وإعدادها لأن تكون فى المستقبل زوجة وأما صالحة. ويختتم د. وهدان قائلا: ليتنا نهتم أكثر بأبنائنا فى رمضان، لاسيما إذا كانوا شبابا، نقترب منهم، ننصت إليهم..نتحدث إليهم بعيدا عن روتين الحياة اليومى الذى دأبنا عليه طوال العام . دع رمضان يكسر هذا الحاجز الرتيب، ويذيب جمود العلاقات الإنسانية بينك وبين الآخرين لاسيما أهلك، وأولادك. من جانبه يوضح الشيخ محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الحرص على التزاور وصلة الأرحام فى رمضان يوطد العلاقات بين الأسر ويبعث على التواد والتراحم والحب، ويجب على جميع أفراد الأسرة الحرص على الالتقاء على مائدة واحدة معا أثناء الإفطار، ما تيسر لهم ذلك، تعميقا لمشاعر الحب بينهم وتجفيفا للاغتراب الذى دب بين كثير من أسر المسلمين. المرأة تؤجر مرتين وأشار عاشور إلى أن المرأة فى رمضان تؤجر مرتين، على صيامها وعلى إعدادها طعام إفطار الصائمين وسحورهم الذى يتقوون به على الصيام، لذا فينبغى أن تجدد النية على ذلك دائما أثناء إعدادها الطعام.. والأجر يعظم ويتضاعف كذلك، خاصة إذا كانت المرأة عاملة تساهم فى السعى على المعاش، حيث إنها تتكبد مشقة الصيام والعمل بالبيت بالإضافة إلى عملها الوظيفي. لذا فيجب على الزوج والأبناء الترفق بها ومعاونتها ومساعدتها وعدم تحميلها مالا تطيق، حتى تقوى على الصيام وأداء الصلوات على وقتها .وللمرأة أيضا استثمار شهر الصيام فى إعداد بناتها على شئون الأسرة كالمساعدة فى ترتيب البيت وتجهيز الطعام ونحو ذلك. ويلفت الشيخ عاشور إلى أن هذا الدور العظيم الذى تقوم به المرأة فى رمضان وفى غير رمضان لا ينبغى أن يكون على حساب تقصيرها فى حق الله من الصلاة، فلا يجوز لها أن تهمل عبادة أو تضيع صلاة بسبب كثرة العزائم والانشغال بإعداد الطعام وغير ذلك، فحق الله أولى بالأداء، بل عليها أن تحرص على أداء الصلوات فى وقتها أولا بأول حتى لا تتكاسل ويفوتها بعض الأوقات، وتحرص أيضا على أن يكون لها حظ من العبادة بينها وبين الله، خاصة فى شهر رمضان لما به من مضاعفة الحسنات.