انطلاقا من مبدأ الواقعية السياسية التي تأخذ به العلوم السياسية في كل زمان ومكان لابد من الاعتراف بالحكم الجديد في مصر وأن الدكتور محمد مرسي أصبح الحاكم الجديد في أرض الكنانة, وأن ذلك معناه ضمن ما يعني أن ثورة25 يناير قد نجحت في إحداث التغيير الذي نريده ونتمناه.. وطويت زمن الاستبداد الذي ظل مسيطرا علي البشر والحجر ثلاثة عقود أو يزيد. لقد أصبح الدكتور محمد مرسي رئيسا لكل المصريين واستقال من كل مواقعه في جماعة الإخوان المسلمين كما ترك رئاسة حزب الحرية والعدالة.. وأصبح الرجل باعترافه شخصيا علي مسافة واحدة من الجميع.. واعترف في خطابه أمام جمهور المتظاهرين في ميدان التحرير أن الأمة هي مصدر السلطات.. وهذا هو أهم انجاز قام به ثوار التحرير, ودعا الجميع بأريحية شديدة إلي التعاون معه لتحقيق شعار الثورة: خبز وحرية وعدالة اجتماعية.. وأكد الرجل حرصه علي إقامة دولة مدنية ووطنية وثورية حديثة, وإزالته اليوم قبل غد لكل أشكال الظلم والتمييز!.. أما أهم شيء هو تأكيده أنه لا مجال للصدام والتخوين.. وكلنا يذكر أنه قال في خطابه الأول أنه لا حقوق له وإنما عليه واجبات, ومنها أنه لن يفرط في كرامة المصريين في الداخل والخارج وأن العلاقات الدولية يجب أن تتأسس علي شيئين الاحترام المتبادل, والمصالح المشتركة وكلنا يشهد أن كلامه في هذه النقطة تحديدا قد مس شغاف الكثيرين لأن إسرائيل كانت تعربد وتقتل جنودا مصريين علي الحدود.. ولم يكلف رأس النظام السياسي السابق نفسه لطلب اعتذار من إسرائيل عما اقترفته يداها في حق مصر والمصريين. الشيء نفسه يمكن أن يقال علي الألف شخص أو يزيد الذين قتلوا غرقا في عبارة السلام.. وتحولت بيوت المصريين إلي مآتم كبيرة لكن رأس النظام كان يضحك من شدقية في صدر الصحفة الأولي.. وكأن شيئا لم يكن! وهذا معناه أن حديث الرئيس محمد مرسي عن كرامة المصريين قد مس شغاف القلوب بعد طول إذلال وخنوع. أقول ذلك وفي ذهني هذه الثلة التي تنسي كل ذلك, وتغلق عن عمد آذانها حتي لا تسمع صوتا آخر يأتيها من الخارج.. وتظل علي ديدنها في مهاجمة الإخوان المسلمين وغاب عن بال هؤلاء أن شعب مصر يرفض مبدأ الوصاية وأنه أصبح مصدر السلطات فعلا لا قولا.. اما الإخوان المسلمين فهم فريق من مصر لم نأت به من أمريكا أو إسرائيل.. وبالتالي فالعداء له لم يعد مبررا.. ناهيك عن أن الدكتور محمد مرسي قد تخلي بمحض إرادته عن مناصبه فيه كما تخلي عن رئاسة حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين لكن لأن هؤلاء قد بنوا لأنفسهم صروحا عالية من الهجوم علي الإخوان وبني جهاز المخابرات المصرية في زمن الرئيس المخلوع مراكز ابحاث لبعضهم لكي يتخصصوا في قذف الإخوان وإلصاق التهم بهم.. أقول لأن هؤلاء شعروا أن البساط يسحب من تحت اقدامهم فانتهزوا الفرصة لمعاودة الهجوم علي الإخوان وإدعاء أن هناك خلافا بين العسكري والجماعة.. والحديث عن افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان. باختصار لقد اصبح الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر وقد جاء بصناديق الاقتراع ولم يحدث تزوير أو تحريف كما كان يحدث!! وعلينا جميعا أن نهدأ ونتخلي عن مبدأ الوصاية ونفكر في مستقبل مصر الذي يحتاج إلي تضافر الجهود.. وأن نبني مصر لكي تعود للريادة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.. وحسب الرئيس مرسي أن خلصنا من الرقم الكريه الذي كنا نعرفه منذ أكثر من ثلاثين عاما وهو رقم99.9%. كما حررنا من ظاهرة الاستفتاءات التي لم يعد لها مجال في الغرب إلا في دنيا الطعام والتذوق واستحداث ألوان أخري من الغذاء!! لقد فاز الرئيس مرسي ب1.8% من الاصوات ونسينا أن فرانسوا أولاند في دولة عريقة في الديمقراطية مثل فرنسا قد فاز بنسبة1.7% علي غريمه ساركوزي. لقد ألحقنا الرئيس محمد مرسي بهذه النتيجة بمصاف الدول الكبري.. فالكل في الخارج يتحدث عن نزاهة الانتخابات وقدرة الشعب المصري علي استيعاب دروس الديمقراطية سريعا.. أقول ذلك في ذهني ما سبق أن قاله رئيس وزراء لمخلوع من أن الشعب المصري غير قادر علي استيعاب دروس الديمقراطية! هذا الإفك كان يومه أحمد نظيف ليخدم به سيده مبارك المخلوع! أريد أن أذكر دعاة هدم مصر المتخوفين من حكم الدكتور محمد مرسي وظنهم بأن الرئيس الفعلي لمصر هو مرشد الإخوان المسلمين بأن خطاب الدكتور مرسي أمام شعب مصر في التحرير قبل يومين قد أكد أن الرجل هو رئيس مصر الفعلي, وأن فوبيا الإخوان التي حاول البعض الترويج لها لا أساس لها من الصحة وأن الرجل سوف يتدخل بنفسه في كل صغيرة أو كبيرة في حياة مصر والمصريين كي تظل المحروسة في القمة, وإلي الذين بنوا أمجادهم علي مهاجمة الإخوان أقول لابد من تغيير الخطاب الذي درجوا عليه.. فالنظام الذي كانوا يقصدونه بهذا الهجوم قد ولي وانتهي وإلا سيحكم عليهم التاريخ بأنهم دعاة الرجعية والاستبداد وأنصار مبدأ الوصاية الذي يرفضه الجميع.. لأن الشعب المصري قد شب عن الطوق وبان, يعرف جيدا عدوه من صديقه. باختصار لقد كان خطاب مرسي يوم الجمعة الماضية يصدر من القلب ولذلك لم تستقبله سوي قلوب المتظاهرين في الميدان.. فلقد كنا في حاجة إلي رئيس من الشعب وقد كان, رئيس يربط كل ثورات مصر منذ ثورة عرابي وثورة19 وثورة الضباط الأحرار وثورة25 يناير برباط العزة والكرامة.. وأن يهتم بدوائر مصر الثلاث: الدائرة العربيه و الدائرة الإفريقية والدائرة الإسلامية, وهذا ما حدث ولا رجعة فيه. لقد فانت الفرصة أمام أعداء الثورة ونجح محمد مرسي في أول اختبار وأقسم أمام الشعب والمحكمة الدستورية مؤكدا احترامه للقانون والدستور.. وقضاء مصر الشامخ! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي