هل سينصر الشعب المصرى ثورته؟ سؤال يبدو غريبًا ولكن المراقب لمسار الثورة المصرية منذ انطلاق شرارتها الأولى يوم 25 من يناير 2011 حتى الآن، يعلم أن ما يحدث لهذه الثورة بأيدي أبنائها من الغرابة بمكان . فمع اشتعال ميادين مصر نقمة على مبارك وبطانته، بادر المخلوع بإقالة حكومة أحمد نظيف لتحل محلها حكومة الفريق شفيق، والذي استمر رئيسًا للوزراء مدة شهر تقريبًا، تخللته مطالَبات عديدة واحتجاجات، مطالِبة بإقالة شفيق بسبب انتمائه للنظام البائد، وبالفعل تم استبعاده، بعد ذلك جاء ميدان التحرير برجل، لا يهشّ غير أنه يبشّ ، ولم يفعل شيئًا نذكره له سِوَى إفطاره في المطاعم الشعبية. وتوالت الأحداث قُبَيل إجراء المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فرأينا مَن يدافع باستماتة عن رجل رفضه الشعب المصري كرئيس للوزراء؛ ليأتى به رئيسًا للجمهورية، وبالفعل قد أُجريت المرحلة الأولى، وتقدم شفيق على كل المرشحين الثوريين، ما عدا المرشح الثورى الإسلامى د. محمد مرسي، والذى استطاع أن يقتنص المركز الأول في تلك الجولة. وها هى جولة الإعادة قد أصبحت على الأبواب، فيا تُرى بأي الرجلين سيأتى الشعب المصري لعرش مصر؟!، هل يأتى برجل ينتمى لعهد الظلم والفساد، أم أنه سيتحدى العالم ويأتى برجل تحمل يمينه الشريعة وتحمل يساره مشروع النهضة؟.. وبغض النظر عن التوقع بمَن يأتى به الشعب أجرت "المِصريون" هذا التحقيق للتعرف على ملامح الدولة المصرية حال وصول مرسي أو شفيق لحكم مصر. في البداية يقول د.محمود غزلان، المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان المسلمين، إن الدولة المصرية في ظل حكم د. محمد مرسي ستكون دولة مدنية ديمقراطية حرة، تقر الحريات العامة، وتحترم تداول السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وأضاف ستكفل دولة مرسي حرية التجمعات وتكوين الأحزاب مع حرية الإعلام، وانتقل غزلان إلى ملمح الدولة فى الجانب الاقتصادى، قائلاً لدينا برنامج كامل، ومنه مشروع النهضة الذى يهدف إلى توفير فرصة عمل لكل عاطل وراتب محترم لكل عامل ومسكن مناسب لمَن يسكن في العشوائيات أو في المقابر وعلاج مناسب للمرضى، مع العمل على رفع مستوى التعليم والبحث العلمى بالجامعات، كما أكد غزلان على السير في مسار الاقتصاد الذي يحقق التنمية وجلب الاستثمارات، من خلال تخفيض الضرائب وإزالة البيروقراطية التي تمثل عقبة في وجه المستثمرين. وأضاف لدينا أيضًا خطة لمشروعات قومية عملاقة، منها استغلال سيناء بالكامل من خلال إقامة المشاريع التى تتناسب مع طبيعة كل جزء من أجزائها مع استغلال جانبى قناة السويس والاهتمام بالساحل الشمالى والصعيد والبحر الأحمر، مما يساعد على إيجاد فرص عمل، فهذا يصب في مصلحة الفرد والدولة معًا، وختم غزلان كلامه عن دولة مرسي، قائلاً: سوف تسعى الدولة لتحسين العلاقات الخارجية مع جميع الدول، سواء عربية أو غير عربية، بما يحقق المصلحة للشعب المصري دون تبعية أو خضوع.. وانتقل المتحدث باسم جماعة الإخوان لوصف ملامح دولة شفيق، قائلاً إذا وصل شفيق لحكم مصر، فسوف نعود إلى عهد الدولة البوليسية، وسوف تفتح السجون والمعتقلات، وسوف يُستخدم العنف لقمع أي تظاهرات بمساعدة الجيش، وهذا كما صرح به شفيق نفسه، حين توعَّد المتظاهرين بالقضاء على مَن يتظاهر ضده في دقائق، وأشار غزلان إلى أن دولة شفيق سوف تؤصّل للنهب والسلب وإطلاق سراح المجرمين ، إضافة إلى تزوير الانتخابات عن طريق شراء الأصوات، واستخدام المجندين وهذا ما نعتبره عهد مبارك الثانى ؛ فسوف يصبح شفيق الكَنز الاستراتيجي المكمل لتنفيذ مصالح "إسرائيل"، ومن ثم ستكون دولة خاضعة للسياسات الإسرائيلية.. وختم غزلان حديثه مُبديًا دهشته ممن يستمعون لبعض الإعلاميين الذين يروجون الشائعات حول جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، واصفًا ذلك بالسذاجة غير المبررة، حيث إن من يطلق تلك الشائعات معلوم للجميع بانحنائه لتقبيل أيادي رموز العهد البائد. ويرى عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أن الدولة المصرية في حال حكمها من الفريق شفيق، ستكون دولة مدنية تُحكَم من خلال فريق رئاسي مختار بعناية، كما أكد على أن علاقات شفيق بمؤسسات الدولة الداخلية ستكون جيدة، باستثناء البرلمان الذى تملكه الأغلبية التى تنتمى للتيار الإسلامى، وبالنسبة للعلاقات الخارجية مع شفيق، فسوف يرحب المجتمع الدولى به كرئيس لمصر؛ لأنه يُعد امتدادًا لنظام مبارك، وقد ينتهج نفس السياسات مع الكثير من دول العالم، ومع ذلك سوف تكون دولة شفيق دولة مرتعشة؛ خوفًا من اتخاذ قرارات خاطئة تتسبب فى عودة الثوار إلى ميدان التحرير مرة أخرى. وانتقل ربيع لدولة مرسي قائلاً : إذا وصل محمد مرسي مرشح الإخوان لحكم مصر فسوف تتحول مصر إلى دولة دينية تُحكم من خلال رؤية واحدة ، وأضاف : وسوف يجد مرسي صعوبة فى التعامل مع مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة ، باستثناء البرلمان لتوافر الأيديولوجية المشتركة فيما بينهما ، وأيضًا قد يلاقى مرسي صعوبة في العلاقات الخارجية ، وقد يكون السبب في ذلك هو قلق بعض الدول من وصول الإسلاميين إلى الحكم ، وختم ربيع : قد يفشل مرسي في التعامل مع فريقه الرئاسي بسبب كثرة وعوده لكثير من الأطياف بالدخول معه في تشكيل فريقه الرئاسي ، وهذا ما يجعل التناغم والقدرة على اتخاذ القرارات صعبًا للغاية . وأكد الدكتور محمد حبيب ، النائب السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ، على أن مجىء أي من المرشحين مرسي أو شفيق سوف يكون بمثابة الشرارة التى ستحرق البلاد ؛ معللاً ذلك بأن مجىء د. محمد مرسي مرشح الإخوان لن ترضَى عنه بلطجية الحزب الوطنى، وزمرة الفساد التى لم تزل تمارس سياستها إلى الآن ... كما أن مجىء أحمد شفيق لن يرضى به الكثير من أبناء الشعب المصري، وخاصة القوى الثورية ، كما أشار حبيب إلى أن ما ينتظر مصر صعب ومرير ، وقد يُدخِلنا فيما لا تُحمَد عُقباه ، والمتسبب في ذلك هو المجلس العسكرى.. وختم حبيب : لقد غابت الحكمة عن الجميع ، سواء أكانوا من القوى الثورية أو المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد. ويرى المتحدث الرسمي للجماعة الإسلامية المهندس عاصم عبد الماجد أن وصول د. محمد مرسي إلى الحكم سيكون البداية الحقيقية لدخول مصر إلى عصر تداول السلطة وممارسة الحريات بمفهومها المعلوم ؛ لأنه لا ينتمي للمؤسسة العسكرية ، وهو أول رئيس يأتي من خارج عصابة الظلم والاستبداد التي ظلت قابعة على أنفاس الشعب المصري مدة 40 عامًا ، وأضاف عبد الماجد أننا نعلم تمامًا أن د. مرسي لا يأتي على رغبة كثير من الهيئات والمؤسسات في الظرف الحالى.. مثل المؤسسة العسكرية وجهاز الشرطة والقضاء والأمن الوطنى وجهاز المخابرات . والرهان الآن على الشعب المصرى الذى يجب عليه أن يخرج في ذلك اليوم ليدلي بصوته ، وعليه أن يختار ما بين مرشح ثورى مثل د. مرسي أو مرشح الفلول أحمد شفيق ، الذى يعد امتدادًا مقصودًا لنظام المخلوع ، ويجب على الشعب أن يعلم أنه إذا أتى بشفيق رئيسًا ، فهو بذلك يوجه دعوة للظلم والاستبداد مرة أخرى ، مما يتسبب في تدمير جيل بأكمله اقتصاديًّا ومعنويًّا . وردًّا على مَن يتهمون الإخوان بالسيطرة على مفاصل الدولة مع صعوبة إبعادهم عن السلطة مرة أخرى ، قال عبد الماجد : هذه نظرة سطحية ؛ لأنه عندنا أمر يقينى ، وهو أن شفيق امتداد للحزب الوطنى ، وسوف يعمل جاهدًا لصالح المجرمين داخل سجن طرة وخارجه ، وعندنا أيضًا أمر آخر يتمثل في الشكوك التى تدور حول الإخوان من خلال وسائل الإعلام ، والتى تقول إن الإخوان لن يتركوا السلطة إذا وصلوا إليها ، وهذا محض افتراء ؛ لأن الإخوان لم يحكموا قبل ذلك حتى نحكم عليهم ، ولكن هناك أدلة على أنهم يريدون التوافق لصالح مصر ، مثل ما حدث في اللجنة التأسيسية. وأكد عبد الماجد على أن الإخوان يسعون لبناء الدولة بالمشاركة مع كل الأطياف السياسية الموجودة على أرض الواقع .. وختم عبد الماجد موجهًا كلامه لمَن يصدقون بعض الإعلاميين الذين يطلقون الشائعات على جماعة الإخوان ، قائلاً : هؤلاء الذين يطلقون الشائعات لا أصل عندهم ، سوى نيل المصلحة فقط ، فمنهم مَن كان يقبِّل يد صفوت الشريف ، وأدعو مَن يشاهدون هؤلاء الإعلاميين المزيفين إلى البحث عن مصادر محترمة لتلقي الأخبار والمعلومات عنها. ويعتبر الدكتور جمال زهران ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس ، أن وصول الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين أو أحمد شفيق مرشح الفلول ، إجهاض للثورة المصرية ، معللاً ذلك بأن مرسي هو مرشح لحزب انبثق من جماعة ، سياستها الاستحواذ والسيطرة على كل المناصب السيادية في الدولة . ويرى زهران أن وصول شفيق للحكم بمثابة استحضار لنظام مبارك المخلوع ، وأنه أتى ليمارس نفس ممارسات النظام البائد ، وأكد زهران أنه لن نشارك في هذه الانتخابات ، وسوف ندعو القوى الوطنية للمقاطعة ، آملين أن تستجيب لنا ، كما طالب بتشكيل مجلس رئاسي تتوافق عليه القوى الثورية. ومن جهته أكد النائب عن حزب الحرية والعدالة الدكتور جمال حشمت أن رئاسة أحمد شفيق لمصر أمر يجعل حال مصر أسوأ من الحالة التى كانت عليها دولة مبارك ، والتى عانى فيها الشعب الذل والاستبداد ، وأضاف : سوف تكون مصر دولة رجال الأعمال الفاسدين ودولة تعطيل القانون ، وهذا ما تعلَّمه شفيق من مبارك الذي يتخذه مَثلاً أعلى كما صرح بذلك . ويرى حشمت أن شفيق يتعامل بحسب مصلحته الشخصية ، لا ما تقتضيه مصلحة مصر ، حيث كان شفيق رئيسًا للوزراء ، وقام بالتوعُّد للفلاحين الذين بنوا فوق الأراضي الزراعية ، وها هو الآن يغازل الفلاحين بعكس ما قال لهم ! ؛ وذلك ليضمن أصواتهم في الانتخابات ، وأكد حشمت على أن دولة شفيق سوف تشهد قمعًا للحريات ، كما صرح هو بذلك.. وعلى الجانب الآخر يصف نائب الحرية والعدالة ملامح دولة محمد مرسي ، قائلاً : لقد قمنا بمشاركة أعضاء مجلس الشعب بتقليص صلاحيات المجلس ، فلم يعد المجلس سيد قراره ، كما كان في عهد المخلوع ، وأكد أن د. محمد مرسي قال : أريدها دولة قانون وإن انحرفتُ عن ذلك المسار فقوِّمُونى ، حتى لو كان التقويم هذا من خلال النزول إلى ميدان التحرير مرة أخرى ، إضافة إلى أن الدولة لن تُحكَم من خلال فرد كما كان الوضع من قبل ، بل ستحكمها مؤسسة رئاسية متنوعة الأطياف ، وإلى جوارها حكومة ائتلاف وطنى ، تسعى لتحقيق الحرية والعدالة.. وانتقل حشمت إلى العلاقات الخارجية ، قائلاً إن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب تقوم بجهد رائع شهد له الجميع ، والكل متفائل بسبب قوة أدائه ، فلقد قُمنا بمقابلة جميع السفراء ، ودائمًا ما يعبرون عن مدى تشوُّقهم لعودة مصر إلى دورها ومكانتها الرائدة فى الشرق الأوسط بعدما ضيع المخلوع مكانتها بين جميع الدول ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة ... ومن جانبه توقع المتحدث الرسمى السابق لجماعة الإخوان المسلمين بالغرب د. كمال الهلباوي أنه بمجرد وصول محمد مرسي مرشح الإخوان سوف يتم وضع العقبات أمامه ؛ وخصوصًا فيما يتعلق بوضع "إسرائيل" وأمريكا والمجتمع الغربي وأضاف الهلباوي ، وأيضًا سوف توضع العقبات في الداخل ، وخاصة في الذي يريد الجيش أن يمتاز به ، كما لن يجد مرسي تعاونًا من أطراف داخلية عديدة متمكنة من الدولة المصرية، مثل المحليات والمحافظين والمؤسسات القائمة وذلك على العكس تمامًا إذا وصل أحمد شفيق ، الذي يُعتبر امتدادًا لنظام مبارك ، ومن ثم سيتم دعمه خارجيًّا وداخليًّا من مؤسسات الدولة المتعددة ، ومن بقايا النظام السابق ، وهم كُثُرٌ ؛ ولذا فسوف يستمر الصراع بين القوى الثورية وأذناب النظام البائد والمؤيدين له.. ويرى نجيب جبرائيل محامى الكنيسة الأرثوذكسية أن وصول محمد مرسي إلى حكم مصر بالمنهج الإخوانى سوف يصبغ الدولة بالصبغة الدينية ، وسيكون المرشد العام هو الحاكم الفعلي لمصر بمبدأ البيعة والطاعة والشورى ، ومن ثم سيتحول النظام في الدولة إلى دولة دينية ، وهذا ما لا يرغب فيه أحد في مصر ، وأضاف جبرائيل ربما تكون دولة الإخوان الدينية دولة لها منهج ومشروع كمشروع النهضة ، ولكن في النهاية ستكون دولة على شاكلة إيران أو أفغانستان... ويرى جبرائيل أن شفيق رغم أنه موصوف بمرشح الفلول ، لكنه على الأقل لم ينتهج سوى منهج الدولة المدنية ، كما أكد أن شفيق إذا وصل للحكم لن يستطيع ممارسة سياسة مبارك من قمع وتمييز طائفي بين أبناء الوطن الواحد ؛ لأنه قد رأى بعينه انهيار أكبر ديكتاتورية في العالم العربي ؛ ومن ثم لن ينحرف عن دولة المواطنة ، ولن يبتعد عن أهداف الثورة .. أما إذا فشل في تحقيق مطالب الشعب فسوف نثور عليه بعد 4 سنوات ، بينما لن نستطيع خلع محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان. ومن جانبه أكد نبيه الوحش المحامى على أن الدولة في عصر شفيق أو مرسي لا تبدو لها ملامح واضحة حتى الآن ؛ فالأمور كلها مختلطة على الجميع ، كما ألمح الوحش إلى أن السبب في وصول شفيق إلى جولة الإعادة ، هم الإسلاميون الذين اختلفوا فيما بينهم ، وتخلوا عن الولاء لله وللوطن ، ويرى الوحش أن مصر قد تشهد الأمن في عهد شفيق من خلال سن القوانين التى تساعده على ذلك ، بينما طالب الوحش مرسي في حالة وصوله لحكم مصر ، أن يعمل لصالح مصر وألا يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن ؛ وذلك للنهوض بالبلاد من كبوتها ، وأيضًا حتى يخيب ظن العلمانيين والليبراليين وغيرهم ، ممن لا تهمهم مصلحة مصر من قريب أو بعيد.