عندما ينعي جهاز المخابرات العامة المصرية في سابقة ربما تكون هي الأولي من نوعها ساحر السينما المصرية والعربية الفنان القدير محمود عبد العزيز هنا علي صفحات جريدتنا الكبيرة الأهرام , فهذا حدث جلل وينم عن مدي قيمة الفن ورسالته السامية حينما يكون صادقا وهادفا , مما يجعله ينال احترام الجميع سواء علي المستوي الشعبي أو أعلي المستويات الرسمية. وكان الفنان الراحل قد قدم عام 1987 ملحمة وطنية خالدة لأحد ملفات المخابرات المصرية من خلال المسلسل الشهير " رأفت الهجان " الذي جسد فيه قصة كفاح البطل المصري رفعت الجمال الذي تم زرعه داخل إسرائيل لمدة عشرون عاما تقريبا , نجح فيهم أن يساهم بما لديه من معلومات خطيرة في انتصارات أكتوبر العظيم . ويبدو أنه من شدة انصهار البطل في الشخصية الدرامية أصبحنا نعتقد أن محمود عبد العزيز هو رأفت الهجان الحقيقي والعكس صحيح . لذلك كان طبيعي أن ينال هذا المسلسل وقتها ومازال نجاحا جماهيريا منقطع النظير ليس في مصر وحدها بل وفي أنحاء أوطاننا العربية جميعا , ليصبح فيما بعد هو إيقونة الدراما المصرية عموما . هذا عن التليفزيون فقط أما السينما فهو أيضا فنان من طراز خاص وفريد من نوعه لم يكتفي فقط بما امتلكه من رصيد كبير وصل إلي أكثر من 80 فيلما , بل وهذا هو الأهم أنه كان من القلائل جدا الذين تنوعت وتباينت أدوارهم , ونستطيع أن نقولها بكل ارتياح أنه برع في كل لون قدمه كما لو كان لم يقدم غيره ! وأن كانت بداياته مجرد أدوارا خفيفة اعتمدت علي كونه الشاب الوسيم " ذو الشعر الأصفر والعيون الملونة " إلا أنها تعتبر جميلة وجيدة طالما وضعناها في هذا الإطار ونذكر منها مثلا , الحفيد وحتى أخر العمر ومع حبي وأشواقي وطائر الليل الحزين وكفاني يا قلب وشفيقة ومتولي والمتوحشة مع السندريلا سعاد حسني وغيره من الأفلام التي قدمها في فترة السبعينات ! ثم جاءت مرحلة الثمانينات فبدأ في عمل تغيير نوعي وليس كلي من خلال أدوار أكثر نضجا وعمقا عن ذي قبل , فقدم أفلاما مثل بناتنا في الخارج وحب لا يري الشمس وأنا في عينه وإعدام طالب ثانوي والبنات عايزة أيه ! ولم تنتهي تلك المرحلة إلا وقد حانت فيها اللحظة التاريخية في حياته الفنية بفيلم " العار " الذي انقلبت بسبب ذلك المشهد الأخير الذي غني فيه الأغنية الشهيرة " الملاحة الملاحة وحبيبتي ملو الطراحة " , حيث انقلبت بعده كل الموازين سواء بالنسبة للمنتجين الذين بدءوا ينظرون إليه نظرة جديدة مختلفة ! أما هو فتعامل علي أنها نقطة تحول هامة في حياته نجح خلالها أن يحفر فيها أسمه بحروف من نور . ورغم لمعانه الشديد في الكوميديا التي قدمها في أفلامه الشهيرة العار والكيف وجري الوحوش والكيت كات وسيداتي آنساتي والسادة الرجال والشقة من حق الزوجة . إلا أنه لم يستسلم لهذا اللون بل ظل يصارع حتى ينوع في أدواره وبالفعل قدم عدة أفلام أخري هامة وأن كان ظل حريص علي عدم خلوها هي أيضا من بعض الكوميديا , ومنها إعدام ميت وبيت القاصرات وتزوير في أوراق رسمية والعذراء والشعر الأبيض وأرجوك أعطني هذا الدواء والبريء والسادة المرتشون وأبناء وقتلة والدنيا علي جناح يمامة والساحر . حتى " إبراهيم الأبيض " الذي يعتبره الكثيرون فيلما فاشلا إلا أنه ومن خلال دوره عبد الملك زرزور نجح فيه نجاحا كبيرا ومازال الجميع يردد عباراته فيه " حد عنده شوق في حاجة " وكذلك " الجرأة حلوة مفيش كلام " . وبالمناسبة فهو يعد من أهم مشاهير الفن الذين ارتبطت بهم العديد من الايفيهات والأغاني الكوميدية التي يتم تبادلها من جميع رواد " الفيس بوك " وجميع مواقع التواصل الاجتماعي ! رحم الله فقيد الفن والوطن الكبير محمود عبد العزيز وليت النجوم الشباب يحتذوا به فيما قدمه من رحلة عطاء فنية وإنسانية علي حد السواء , ليحظوا بنفس مصيره عندما انتهت رحلته وما لقاه من وداع يليق بنجم في قيمة وقامة ذلك " الأسطورة " عن حق وليست الوهمية كما يدعيها البعض . وعموما فوداعنا له سيكون علي رحيل جسده فقط اما أعماله فستظل خالدة دائما بما تحمله من فن راقي وبسمة رسمها لنا صانع البهجة لتدوم طويلا علي شفاهنا ونزيح بها الهم والغم الراقد فوق قلوبنا! [email protected] لمزيد من مقالات علا السعدنى;