عادته ولن يشتريها.. شعبك يا مصر العظيم!. وقت الشِدَّة و إحساسه بالخطر تجده دون أن تطلبه!. يفاجىء نفسه قبل مفاجأته للعالم بموقف مختلف جذرياً عما هو متعود عليه!. تجده مسئولاً منضبطاً مُحباً متسامحاً متعاونا لأقصى درجة يمكن تخيلها!. وجه الحيرة هنا.. أنه لا نحن هنا ولا هم فى الخارج لديهم قراءة صحيحة لهذا السلوك العبقرى أو تعريف محدد لوقت الشدة هذا .. الذى ينقل شعب من حال غارق فى السلبيات إلى آخر كله إيجابيات!. هذا الحال البالغ الإيجابية حدث من أيام قليلة وسط مناخ شديد السلبية!. كيف حدث ذلك؟. هذا ما سنحاول التعرف عليه من خلال هذه النقاط: 1 الوقت الأحد 23 أكتوبر، المكان ستاد الجيش فى برج العرب، المناسبة: نهائى بطولة أفريقيا للأندية أبطال الدورى فى كرة القدم بين الزمالك وصن داونز بطل جنوب أفريقيا، الموقف: الفريق الضيف فاز فى مباراة الذهاب على أرضه بثلاثة أهداف نظيفة وهى نتيجة ثقيلة خاصة إن كانت فى نهائى بطولة!. المطلوب: أن يضع الزمالك فى حساباته ألا يدخل مرماه هدف فى مباراة النهائى وأيضاً أن يسجل ثلاثة أهداف على أقل تقدير للاحتكام لضربات الجزاء الترجيحية أو ينهى المسألة بالفوز بأربعة أهداف!. المطلوب من الزمالك صعب جداً لاعتبارات كثيرة سنذكرها لاحقاً!. صعب جداً لكنه ليس مستحيلاً!. 2 تلك هى الصورة وأظنها واضحة للعالم!. مباراة نهائى بطولة كبيرة على أرضنا وسط جماهيرنا والأمل فى الفوز بالبطولة قليل قليل.. ماذا حدث؟!. 3 نوبة صَحَيان أطلقها الشعب ممثلاً فى جماهير نادى الزمالك العظيمة التى جمعت كل طوائف الشعب وصهرت كل الانتماءات!. نوبة صحيان قوامها 80 ألف مصرى منهم 60 ألف شاب!. قرار جماعى دون اتفاق وكيف لعشرات الآلاف أن تلتقى لتتفق أو حتى تختلف؟!. هذا هو الانتماء الذى نتكلم عليه ولا نعرف الكثير عنه!. وقت الإحساس بالخطر استدعينا الانتماء الحقيقى الكامن داخلنا جميعاً!. كل واحد منا داخله هذا الانتماء الحقيقى غير المُشَّوَّش.. لكنه قابعً فى اللاوعى أمام هجمات الفوضى والحروب النفسية وحملات الكراهية!. وقت الخطر استدعت الآلاف هذا الانتماء وقت الخطر حضر الوعى وازاح من الصدور والعقول حالة اللاوعى المتملكة منا!. 4 عودة الوعى واستدعاء الانتماء.. طاقة إيجابية لا حدود أو سقف لها!. حدث هذا فى يوم وليلة.. نوبة صحيان شعبية يحركها الانتماء الصحيح الإيجابى لكيان هو الزمالك!. عشرات الآلاف قرروا الوقوف وراء الفريق الذى يربطهم به حب وولاء وانتماء!. قرروا ألا يكون فى ستاد الجيش الكبير مقعداً خالياً فى المباراة الصعبة بل المستحيلة.. وقد كان!. 5 من كل صَوب توجهوا إلى الاستاد لمؤازرة فريقهم الزمالك.. قوة دفع للاعبيهم لا أداة ضغط عليهم ليقدموا ما عليهم بغض النظر عن النتيجة لأن الجميع يدرك صعوبة التعويض أمام منافس قوى!. المباراة فى الثامنة والنصف مساء.. الاستاد لا موضع لقدم فيه قبل بدايتها بساعات.. والأمر يوضح حجم المشقة.. لكن كل شىء يهون أمام إعلاء قيمة الانتماء الذى هو مطلوب بشدة وقت الشِدَّة.. وقت الخطر!. 6 نوبة الصحيان الشعبى تمثلت فى عودة الوعى بقيمة اللحظة وليس الساعة أو اليوم!. تجلت فى وكل جوانب الانتماء الحقيقى.. وطوفان المشاعر الإيجابية.. النظام والالتزام وتحمل المسئولة واحترام المنافس والتقدير التام لكل الملابسات التى أوصلت الجميع إلى الموقف الأصعب فى مباراة النهائى!. 7 كل المعانى السابقة وضحت خلال المباراة من أول دقيقة حتى آخر لحظة!. نوبة الصحيان.. طاقة متجددة.. طاقة تشجيع.. طاقة صبر لم نرها فى ملاعبنا!. الوقت «راكبه عفريت» والدقائق كأنها ثوانى فى مرورها والتعادل مستمر!. لم ينفذ الصبر ولم تفلت الأعصاب من محاولات المنافس لإضاعة الوقت ومن أخطاء تقع وفرص تضيع!. منحة الصبر التى فجرتها نوبة الصحيان.. نعمة كم نحن فى حاجة لها وكم نحن نعانى فقدانها!. الشعب ممثلاً فى جماهير الزمالك باستاد الجيش.. صَبِرَ على فريقه.. ونعمة الصبر عندما تجدها.. تجد أنها طاقة إيجابية.. تجعلك متمسكاً بالأمل لآخر لحظة!. تجعلك على مسافة بعيدة من الغضب.. الذى لو أقبل تنقلب الآية وقوة الدفع والتشجيع ومصدر الطمأنينة للفريق.. تصبح قوة هدم ومصدر خوف وطاقة فوضى!. 8 انتهى الشوط الأول بالتعادل الذى استمر فترة إلى أن جاء هدف المباراة الوحيد بتسديدة من خارج المنطقة.. وكانت مؤشراً إلى حتمية التسديد من بعيد بدلاً من محاولات الاختراق من العمق الأشبه بغابة من السيقان المهم أن المباراة ذهبت بسرعة للنهاية، وفى تقديرى أن نزول شيكابالا خلق خطورة كبيرة على المنافس.. لأنه صنع أربع كرات عرضية.. كان يمكن تسجيل ثلاثة أهداف منها.. لو أن مهاجمينا فى مصر كلها وليس الزمالك وحده.. يعرفون أنهم لو «قعدوا» العمر كله ينتظرون التهديف والمهاجم «مِتْسَمَّرْ» خلف المدافع.. من لحظة بدء التمرير وحتى إبعاد المدافع لها!. المهاجم لن يسجل إلا إذا!. لحظة التمرير له والكرة فى طريقها إليه.. عالية كانت أو أرضية.. عليه التحرك من خلف المدافع ليكون أمامه.. وبذلك لا عائق بينه وبين الكرة.. ويصبح وحده الذى سيستقبل التمريرة لأن المدافع خارج خلفه.. تمريرات شيكابالا الخطيرة لم تنته لشىء.. لأن مهاجمى الزمالك.. وراء المدافعين!. حتى هذه الأخطاء من المهاجمين.. تعاملت معها الجماهير بصبر شديد.. لأن مهمتها مساندة الفريق لا الضغط عليه.. أى وعى هذا؟!. 9 انتهى الوقت بفوز الزمالك بالمباراة.. وفوز المنافس بالبطولة.. وأيضاً فوز مصر بعودة الوعى والانتماء إلى الشعب.. فى موقف بالغ الصعوبة وفى مجال ضربته الفوضى المنظمة.. وأقصد مباريات الكرة التى شهدت ملاعبها سقوط قرابة ال 100 قتيل فى مباراتين أو ثلاث.. الأمر الذى حَرَم كرة القدم من الجماهير من أربع سنوات.. ومن بإمكانه تحمل سقوط المزيد من القتلى فى ملاعب الكرة!. عندما نرى ما رأيناه فى ستاد الجيش ببرج العرب.. أقول مصر انتصرت على الفوضى بشعبها ممثلاً فى جماهير الزمالك.. بوعيها وانتمائها وتحملها للمسئولية فى وقت صعب ومباراة صعبة.. المتربصون بالوطن والكارهون للوطن.. كانوا متوقعين كارثة ستقع إذا لم يحصل الزمالك على البطولة.. باعتبار كل الظروف مهيأة لوقوعها!. فى المدرجات قرابة ال 80 ألف.. وأى تصرف أحمق ولو من مشجع واحد.. يمكن أن يتحول إلى سلوك غضب جماعى فى لحظة!. ولا تسألنى عن الخسائر لأنها ستكون مفجعة ومؤلمة على كل الأصعدة!. تدافع الآلاف فى المدرجات.. يُسْقِط قتلى وجرحى بالمئات!. الصورة الذهنية عنا.. أننا همج.. وأى سياحة ننتظرها والمباريات عندنا فى رأى العالم نتائجها يحسمها عدد القتلى وليس عدد الأهداف!. 10 فى اعتقادى أن «الجزيرة» كان نفسها ذلك.. لكن نوبة صحيان الشعب خيبت ظنهم من جهة ووجهت للعالم كله من برج العرب رسالة تقول: هذا هو شعب مصر العظيم الذى تحاصروه بالإرهاب والحرب النفسية وحرب تجفيف الدولار والمواد الغذائية!. هذا هو شعب مصر الذى ظننتم أنه استسلم!. هاهو فى قمة المسئولية فى وقت كانوا يظنون أن الفوضى الخلاقة أنهت عليه ولا قائمة له!. عودة الوعى فى مباراة كرة فجرت طاقات الولاء والانتماء والنظام والالتزام وتحمل المسئولية إلى آخر كل الصفات الجميلة التى قدمها شعبك العظيم يا مصر!. رأيناها بعد هزيمة 1967 وحتى انتصار أكتوبر 1973!. رأيناها بعد أكثر من ثلث قرن فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو.. رأينا شعبك العبقرى يا مصر يسقط الإخوان فى 30 يونيو لينسف مؤامرة إعلان الولاية الإسلامية فى سيناء التى كان مقرراً لها 5 يوليو 2013 والتى كانت أمريكا أول من سيعرف بها.. وضاعت سيناء.. وغزة انتقلت الى سيناء.. وقوات دولية فى سيناء للفصل بين الإمارة الصغيرة الإسلامية وبين مصر.. «ماهو» المجتمع الدولى حريص على حماية الأقليات!. «صح» يا دكتور برادعى!. 11 من وحى نوبة الصحيان فى برج العرب.. يقيناً تأكدنا.. أننا الشعب نملك نعمة الصبر ونقدر على الصبر.. وصبر الجماهير رغم الضغوط العصبية الهائلة.. كان أعظم من كل الضغوط وأكبر من أى انفعالات!. صبروا على الأخطاء التى حدثت وأسفرت عن قائمة أفريقية بها 18 لاعباً منهم ثلاثة حراس.. وفى ذلك ظلم للجهاز الفنى الذى لا يملك بدلاء مع ضغط رهيب نفسى وبدنى على اللاعبين!. طيب.. «ماهو» احنا بنعرف نصبر «أهوه».. لماذا لا يظهر هذا الصبر وذلك الحلم فى أزماتنا التى هى مثل الأزمة التى أقحم الزمالك نفسه فيها!. 12 علينا جميعاً أن نمسك على النموذج الرائع الذى رأيناه من الشعب ممثلاً فى جماهير الزمالك العظيمة!. عندنا أزمات وعلينا أن نواجهها بالصبر إلى أن تنتهى.. خاصة أن معظمنا يعلم أن أغلبها جزء من الحصار المفروض علينا!. لن نقبل بأقل مما رأيناه فى ستاد الجيش ببرج العرب!. لماذا نرضى بالقليل وشعبنا العظيم كعهده دائماً عنده الأكبر من أى توقعات!. نوبة صحيان الشعب يوم الأحد 23 أكتوبر.. فيها رأينا كل ما هو جميل!. رأينا الوعى الحقيقى للشعب المصرى.. رأينا تطبيقاً عملياً على الانتماء والحب والمسئولية والنظام والالتزام!. رأينا الشعب بوعيه «يفك» قنبلة اسمها نهائى أفريقيا!. أبطل مفعولها بالحلم والصبر والإدراك التام لمسئوليته فى هذه المباراة الصعبة!. رأينا المدرجات فى صورتها الرائعة وكأنها تنطق قائلة: شعب أنا.. لا يعرف المستحيل!. لمزيد من مقالات إبراهيم حجازى