الأزمة الراهنة بين المحكمة الدستورية العليا ومجلس الشعب ليس لها ما يبررها, وإنما قد تكون مفتعلة أو ناتجة عن سوء فهم للأوضاع السياسية والقضائية التي استقرت عليها مصر سنوات طويلة.. فقد ترسخ في الوجدان المصري علي مدي سنوات طويلة, أن ثمة فصلا بين السلطات الرئيسية للدولة, وهي السلطة القضائية والسلطة التنفيذية, والسلطة التشريعية, وأن كل سلطة من تلك السلطات تتمتع باستقلاليتها وخصوصيتها.. ودرج العرف المصري علي عدم تدخل أي سلطة من تلك السلطات في اختصاصات السلطة الأخري, وإنما هناك تعاون وتناغم بين تلك السلطات من أجل تسيير أمور الوطن, وخدمة المواطنين.. ولا يصح أن تتصارع أو تتنافس سلطة منها علي مهام واختصاصات أخري.. أو أن تسعي إلي التكويش علي المزيد من الاختصاصات بهدف توسيع مناطق نفوذها!. وبعد موافقة لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب علي مشروع قانون بإعادة تشكيل هيئة المحكمة الدستورية العليا وتغيير اختصاصاتها, ثارت المحكمة الدستورية, واعتبرت الجمعية العمومية لمستشاري المحكمة التي تضم25 قاضيا هذا المشروع تدخلا في شئونها وشئون القضاء, حتي إن بعضهم وصف تدخل مجلس الشعب بمذبحة للقضاة علي غرار ما حدث في عام1969 تحت ذريعة الشرعية الثورية. وإذا كانت مصر مقبلة علي مرحلة تسعي فيها إلي القضاء علي الفساد وتطهير مؤسسات الدولة من تراكمات العهد الديكتاتوري البائد, فإنه يتعين أن يتم ذلك من داخل كل مؤسسة وهيئة, وإن لم تقم به, فإنه يتعين علي الدولة بكل أجهزتها أن تسعي لتحقيق ذلك من خلال استخدام أساليب ضغط عديدة.