يتطلع الكثيرون من فئات الشعب إلي البرلمان المصري لكي يؤدي دوره المرتقب في مجالي التشريع والرقابة بعد غيبة ليست بالقصيرة ليكتمل عقد خريطة الطريق بعد الإنتهاء من إعداد وإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية وفي تصوري أن هناك مهام غير مسبوقة تواجه مجلس النواب المصري تقتضي تطبيق مفهوم جديد للعمل البرلماني يقوم علي الأسس التالية: الشراكة الحقيقية مع الحكومة: تمر مصر بمرحلة دقيقة مليئة بالتحديات والمخاطر والفرص الداخلية والخارجية مما لايسمح بضياع الوقت والإمكانيات والموارد والطاقات في ممارسات حكومية وبرلمانية عقيمة تقوم علي أن الحكومة تضع خطة أو برنامجا ليوافق عليه البرلمان لتقوم الحكومة بالتنفيذ ثم نكتشف بعد سنة مثلا أن التنفيذ سييء والأهداف لم تتحقق والشعب يعاني من نفس المشاكل... بديلا عن كل هذا يجب أن نعلي مبدأ الشراكة الحقيقية بين مجلس النواب والحكومة بحيث تضع الحكومة تصورا عاما يحوي حقيقة المشاكل وإبعادها بمنتهي الصراحة والشفافية مع رؤية واضحة للحل مترجمة إلي برامج وخطط وأنشطة لها جداول زمنية وأهداف محددة. ويقوم مجلس النواب بمناقشة الحكومة في كل التفاصيل حتي تصل إلي خطة عمل واحدة تعكس توافقا وتكاملا بين الحكومة ومجلس النواب بحيث يمكن ممارسة الدور الرقابي ليس سنويا كما يحدث الآن من خلال تقارير متابعة وتقييم آداء مبنية علي مؤشرات مالية واقتصادية واجتماعية تعكس ماتحقق بالفعل وتلقي الضوء علي أسباب عدم تحقيق بعض الخطط والبرامج لاهدافها لتلافي حدوث ذلك في المستقبل. الديمقراطية الاقتصادية: لدي قناعة كاملة بأن تطبيق مبدأ الديمقراطية الاقتصادية هو نقطة البداية الصحيحة لاصلاح وعلاج مشاكلنا الاقتصادية المزمنة علي مدي عقود طويلة... فهذا المفهوم يعني ببساطة استطلاع رأي الشعب بمختلف فصائله ومجموعاته السياسية والاجتماعية في مختلف السياسات والآليات الاقتصادية التي تعتزم أي حكومة تطبيقها لتحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية الكلية المتفق عليها واتصور أن وجود برلمان منتخب يمكن أن يساعد كثيرا علي تطبيق هذا المفهوم الذي يرتكز علي الأركان الأساسية التالية. مبدأ المشاركة: وهو يمثل أهم أركان مفهوم الديمقراطية الاقتصادية فمشاركة أصحاب المصالح والمستهدفين من تطبيق خطة او أسلوب اقتصادي معين في مناقشة وتحليل ودراسة هذه الخطة أو ذلك الاسلوب... لهو أكبر ضمان للاقتناع به وجدية التطبيق وتحقيق النتائج المرجوة وهناك مثال واضح لذلك في الولاياتالمتحدةالامريكية، حيث ينتهزون فرصة وجود انتخابات رئاسية كل أربع سنوات ليتم أخذ رأي مواطني الولاية في عدد من المشروعات الاقتصادية التي سوف تتم داخل الولاية خلال هذه الفترة. كما يتم استطلاع الرأي بشأن أسلوب تمويل هذه المشروعات... فهل سيتم التمويل اعتمادا علي المخصصات الفيدرالية أم الاعتماد علي مخصصات الولاية وقد يؤخذ الرأي علي إصدار سندات طويلة الأجل بسعر فائدة معين بحيث تخصص حصيلة طرح هذه السندات لتمويل أحد هذه المشروعات مثل محطات الكهرباء أو الغاز أو الطرق ويحصل حامل السند علي فائدة سنوية أو نصف سنوية. كما يحصل علي أصل قيمة السند في نهاية فترة الاستحقاق، كما يستطيع بطبيعة الحال بيعه في سوق المال لمستثمر آخر قبل تاريخ الاستحقاق. مبدأ الاطلاع علي تجارب الدول الأخري: كيف يمكن للنائب أن يبدي رأيا أو يطرح ملاحظة حول سياسة أو برنامج اقتصادي دون أن يلم بما يحدث في دول أخري سبقتنا في مضمار التنمية والتقدم... وهذا يضع علي عاتق الحكومة ان تطرح السياسة أو البرنامج الاقتصادي مصحوبا بملخص لتجارب الدول المحيطة بنا والتي تتشابه في ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بحيث يتمكن النائب من إبداء الرأي بناء علي تحليل موضوعي ومقارنة سليمة... وأتذكر هنا تجربة مصر التنموية في أواخر الخمسينات وطوال الستينات والتي تركزت حول تطبيق مفاهيم وسياسات وآليات إشتراكية معينة ولم نعرف وقتها ماذا يحدث في دول أخري مشابهة في ظروفنا وإمكانياتنا وحدث شبه تعتيم كامل علي تجارب تلك الدول وانطلقت الآلة الإعلامية تمجد وتشيد بما نطبقه وتبشر بالنتائج الموعودة ولكننا اكتشفنا بعد فوات الأوان أن تلك الدول الأخري والتي طبقت مفاهيم وسياسات وآليات مخالفة لما حدث في التجربة المصرية قد حققت نتائج اقتصادية واجتماعية علي الأرض لايمكن مقارنتها بما حدث في مصر. مبدأ التوافق بين الأهداف العامة والخاصة: هناك مبدأ إداري شهير يقوم علي أن الإدارة الناجحة هي التي تحقق التوازن والتوافق بين أهداف المنظمة من ناحية وأّهداف العاملين بها من ناحية أخري بحيث لايتحقق التعارض بين هذه الأهداف وعندما تقوم إدارة أي مؤسسة بطرح سياسة أو إستراتيجية جديدة فعليها أن تقنع العاملين بأنه لايوجد تعارض بين الأهداف الكلية للمؤسسة والأهداف الشخصية للعاملين بها.. وعلي المستوي الاقتصادي نجد أن الحكومة عندما تطرح سياسة اقتصادية جديدة عليها أن توضح وتفسر عدم وجود تعارض بين الأهداف العامة والخاصة... مثال علي ذلك قضية الحدين الأدني والأقصي للأجور... هناك أهداف عامة وراء تطبيق هذه السياسة وفي نفس الوقت من الممكن أن يزيد الحد الاقصي للأجور بنسب محددة إذا حققت المؤسسة تقدما ملحوظا في مجال تحقيق أهدافها الإدارية والمالية والاقتصادية مما يعود بالزيادة علي العاملين في هذه المؤسسة... ونفس المبدأ يمكن تطبيقه في قضية الدعم... فالحكومة تطرح بدائل لتخفيض أو ترشيد الدعم وكذلك تطرح اختيارات مابين الدعم العيني والنقدي وذلك بطبيعة الحال يسهم في تحقيق أهداف اقتصادية كلية. وفي نفس الوقت يجب إقناع النائب بأن ترشيد الدعم سوف يؤدي إلي وصول الدعم إلي مستحقيه الاصليين، ومن الممكن أن يؤدي إلي زيادة الدعم علي المستوي الشخصي أو العائلي وليس إلي تخفيضه كما يظن البعض. مبدأ تكامل القطاعات الاقتصادية: عندما يؤخد رأي النائب في سياسة أو خطة اقتصادية يجب أن تتضح له ملامح التكامل بين القطاعات الاقتصادية المختلفة والتي سوف تساعد علي تنفيذ هذه السياسة أو تلك الخطة وهذا التكامل لن يتحقق بدون أن يتم إعداد خطة استراتيجية متكاملة لكل قطاع اقتصادي داخل الدولة (زراعة/ صناعة/ سياحة/ تعدين..) وتتضمن هذه الخطة النقاط التالية: رؤية القطاع، ورسالة القطاع، والأهداف المطلوب تحقيقها. ومستوي الأداء الحالي ومشاكله وتحليل الفجوة بين الأهداف المطلوب تحقيقها ومستوي الأداء الحالي. تحليل نقاط القوة والضعف للقطاع وكذلك الفرص المتاحة والمخاطر والتهديدات المحيطة به محليا وإقليميا ودوليا واقتراح البدائل والخطط الاستراتيجية اللازمة لتحقيق الأهداف وتحليل وتقييم البدائل والخطط الاستراتيجية واختيار البديل أو حزمة من البدائل المناسبة وتنفيذ البديل وتقييم النتائج. ويلاحظ أن إعداد هذه الخطة الاستراتيجية لكل قطاع اقتصادي سوف يؤدي بالتبعية إلي إيضاح نقاط التماس والتشابك والتكامل بين القطاعات الاقتصادية المختلفة. عضو مجلس النواب رئيس جامعة عين شمس السابق لمزيد من مقالات د. حسين عيسى