ستظل حالة الشد والجذب مشتعلة بين البنك المركزى باعتباره المسئول عن إدارة سوق الصرف، وبين تجار العملة المتربحين من المضاربة فى سعر الدولار، لاسيما وأن القرارت المتتالية الخاصة بتنظيم سعر الدولار فى السوق الرسمية مرت بعدة مراحل غلب على معظمها التخبط، فقد ارتفع فى احداها السعر الرسمية للدولار مرتين فى 48 ساعة، فى سابقة لم تحدث من قبل، وفى مرحلة أخرى صدر قرار بتحديد سقف للايداع الدولارى فى البنوك كوسيلة لحصار الدولار، ومن ثم التحكم فى سعره ووصل الأمل آنذاك للقضاء على السوق الموازية «السوق السوداء»، وكان ذلك فى فبراير من العام الماضى، أى منذ عام مضى. فماذا كانت النتيجة؟ واصل الدولار ارتفاعه دون توقف، وبات السعر الموازى أكبر من السعر الرسمى بشكل مضطرد، وأمسى السؤال متى يستقر سعر الصرف، حديث الجميع. والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى إلقاء الضوء على عدة نقاط. أولاها: أن مصادر الحصول على الدولار تتركز فى إيرادات قناة السويس والصادرات والسياحة التى تأثرت إلى حد التوقف، ولنا فى شرم الشيخ والغردقة عبرة واضحة، بالإضافة إلى تحويلات المصريين بالخارج التى وصلت إلى 19 مليار فى العام المنقضى 2015، مقابل نحو 18 مليار دولار فى العام المالى السابق له، وتعد تلك التحويلات أحد موارد الدخل الأجنبى فى مصر، و يجب ملاحظة أنها تراجعت خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر فى نفس العام، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق بنحو 400 مليون دولار, وفقا للتقارير الصادرة عن البنك المركزى. وقد أرجع الخبراء هذا التراجع، لقرار المركزى بتحديد حد أقصى للسحب ب 10000 دولار يوم، بمعنى أنه لو حول أحد العاملين بالخارج مبلغ 100000دولار على سبيل المثال، فلا يجوز سحبهم فى يوم واحد، بل يجب أن يذهب المحول له الأموال لمده 10 أيام عمل ليحصل على الحد المسموح به لكل يوم، وهكذا. وهذا القرارب الغريبب كان سببا رئيسياً لقلة تحويلات الدولار خاصة من دول الخليج التى تضم على ما يقرب من 70% من حجم العاملين بالخارج، بعد أن وفر لهم تجار العملة منافذ شراء للدولار بسعر السوق السوداء فى مصر يوم الشراء مع توصيل القيمة المقابلة بالجنيه اياً كانت قيمتها للمستفيد وقت ما يريد، أما الأكثر «غرابة» فهو معرفة تلك المعلومات منذ فترة طويلة، ورغم ذلك يصر البنك المركزى على تحديد سقف للسحب اليومى! ليجبر معظم العاملين بالخارج على بيع الدولار بدلاً من تحويله لمصر. ثانيتها: تحديد سقف للايداع الدولارى وصل مؤخراً ل 50 ألفا يومياً، وبإجمالى 250 ألفا شهرياً، من أجل ترشيد الاستيراد، وبمراجعة التقرير الصادر عن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات الذى يظهر حجم الورادات خلال الربع الأول من 2015 إلى 11مليارا و979 مليون دولار من المنتجات غير البترولية.ليصل فى نهاية العام إلى ما يقرب من 70 مليار دولار! بما يعنى أنه فى الفترة من نهاية مارس بعد تطبيق سقف الايداع الدولارى وحتى نهاية ديسمبر 2015 أنفقنا ما يوازى 58 مليار دولارعلى الواردات المختلفة من الحاصلات الزراعية بدون القطن، والصناعات الغذائية والمعادن ومصنوعاتها، والكيماويات والأدوية والجلود، ومنتجاتها، وسلع هندسية وإلكترونية، ومنتجات أخرى. وإنفاقنا على الاستيراد للمنتجات غير البترولية فى 2015، يفوق انفاقنا على نفس المنتجات فى 2014 بما يقرب من 10مليارات دولار، مما يؤكد أن قرار تحديد سقف للايداع الدولارى، كان قرارا فاشلا بكل المعايير البنكية، لأنه يخالف الأعراف البنكية المتعارف عليها فى كل دول العالم التى لا تضع سقفا للايداع، بالإضافة تشجيع المضاربة على الدولار! كيف؟ الغرض من تحديد سقف للايداع هو ترشيد الاستيراد، لكن أن يتم السماح بدخول منتجات مستوردة بمبالغ تفوق حجم الايداع المخصص لها، فهذا هوأقصى درجات التخبط الإدارى المستفز، وبالتالى دعم الدولار ودعم المضاربة عليه، ثم هل تمت إيداعات دولارية بإجمالى قيمة المنتجات المستوردة؟ لا، وهو ما أدى إلى المتاجرة فى الدولار بأريحية شديدة، فالحكومة على يقين تام بأن المستورد غطى تكاليف منتجاته المستوردة من سوق العملة المحلى أو الخارجىة، وهى لا تمانع على الاطلاق، فأى عبث هذا؟ الذى يشبه الحرث فى الماء. ثالثتها: قرار رفع الجمارك على بعض المنتجات بغرض الترشيد، أدى إلى رفع الأسعار بشكل عام دون مبرر، بما يعنى أنه قرار يجانبه الصواب، لأنه فشل فى تحقيق غرضه. فما الحل؟ بداية، لابد أن تتم كل المعاملات الدولارية الخاصة بالاستيراد والتصديرعن طريق البنوك، وعند القيام بأى طلب للاستيراد، يتم تغطية كامل القيمة بالبنوك، دون تحديد سقف للايداع، وإذا أرادت الحكومة الترشيد فيكون ذلك من المنبع، بوضع قائمة ممنوعات استيرادية غير معلنة، فعلى سبيل المثال إذا قررت الحكومة منع استيراد سلعة معينة، فما عليها إلا أن تمنع تمويل استيرادها، و لتكن لمدة محددة. الأمر الثانى، فتح سقف السحب، حتى يتمكن كل من يحول له دولارات من سحبها فى نفس اليوم، مع عمل سوق صرف رسمية متحركة تابعة للعرض والطلب يوما بيوم. وأخيراً، إحكام الحكومة قبضتها على العملة بشكل فاعل، و بصورة تؤكد لكل المتاجرين بها، أنه قد حان العقاب لكل من تسول له نفسه المتاجرة بدم الوطن، وأنه قد انتهت مرحلة دعم الدولار «بحسن نية» بلا رجعة. [email protected] لمزيد من مقالات عماد رحيم