محافظ القاهرة يشهد افتتاح فعاليات الدورة ال 20 من معرض القاهرة الدولي للجلود    تسليم 100 وحدة بالمرحلة الثانية من إسكان الطود بمحافظة الأقصر    مجلس الوزراء يوضح حقيقة فيديو متداول يزعم تجاوز إحدى الرحلات الجوية للطاقة الاستيعابية المقررة لعدد الركاب    الرئيس السيسي: الاستثمارات المصرية في أفريقيا تتجاوز 12 مليار دولار    غزة.. ارتفاع حصيلة ضحايا خروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار إلى 401 شهيد و1108 مصابين    جواو بيدرو يقود هجوم تشيلسي أمام نيوكاسل..    الركراكي: حكيمي ضحى بنفسه من أجل المغرب    غياب أحمد الفيشاوي عن تشييع جثمان والدته الراحلة سمية الألفي.. لهذا السبب    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    إيهاب عبد العال: طفرة سياحية مقبلة تتطلب تيسيرات في النقل والضرائب    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول وتوتنهام والقناة الناقلة وصلاح الغائب الحاضر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    ظهر عاريا فى التسريبات.. بيل كلينتون فى مرمى نيران جيفرى إبستين.. صور    يبدأ التسجيل إلكترونيا اليوم.. مجلس الدولة يفتح باب التقديم لوظيفة مندوب مساعد    أستاذ علوم سياسية: تحركات مصرية مكثفة للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    وزارة العمل: 664 محضرا خلال 10 أيام لمنشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    وزير الزراعة يبحث مع وفد صيني مستجدات إنشاء مصنع متطور للمبيدات بتكنولوجيا عالمية في مصر    نجم نيجيريا السابق ل في الجول: علينا احترام بطولة إفريقيا.. والجيل الحالي لا يملك الشخصية    محكمة باكستانية تقضي بسجن عمران خان وزوجته 17 عاما في قضية فساد    حبس عاطل أحرق سيارة مدير شركة انتقامًا من قرار فصله    ضبط عصابة خطف طالب فى الجيزة بعد تداول فيديو مثير على الإنترنت    وزارة التعليم تتيح لطلاب شهادات الدبلومات تسجيل استمارة الامتحان    روسيا تعلن تحرير بلدتين جديدتين شرق أوكرانيا    روبيو: تنفيذ اتفاق غزة سيستغرق "مدة طويلة"… وانتقادات حادة لحماس والأونروا    عين شمس ضمن أفضل 21% من جامعات العالم في تصنيف Green Metric 2025    المخرج الفلسطيني يوسف صالحي: ترجمت الألم الداخلي إلى لغة سينمائية في فيلم «أعلم أنك تسمعني»    دار الإفتاء تعلن نتيجة رؤية هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا بعد المغرب    مستشار الرئيس للصحة: الوضع الوبائي مستقر تمامًا ولا يوجد خطر داهم على أطفالنا    محمد عنتر يكشف سر رحيله عن الزمالك    زخم كروي عالمي في مباريات اليوم السبت.. قمم أوروبية ومواجهات حاسمة محليًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    دار الإفتاء توضح علامات الاستخارة وتحذر من ربطها بالأحلام فقط    مركز الدراسات والبحوث يشارك في مؤتمر علمي عن دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة    فوز الدكتور أحمد طه بجائزة الطبيب العربى 2025.. وعميد قصر العينى يهنئه    الرعاية الصحية تطلق مشروع تقييم استهلاك الطاقة بالمنشآت الطبية ضمن التحول الأخضر    وزير الرى يتابع خطة إعداد وتأهيل قيادات الجيل الثاني لمنظومة المياه    ضمن مبادرة صحح مفاهيمك، أوقاف الإسماعيلية تواصل التوعية ضد التعصب الرياضي    مكتبة مصر العامة بالأقصر تستقبل وفد المركز الثقافي الكوري لبحث التعاون    إقبال جماهيري على «حفلة الكاتشب» في ليلة افتتاحه على مسرح الغد بالعجوزة    قفزة قياسية متوقعة لأسعار الذهب في 2026.. وتراجع محتمل للنفط    وزير التعليم العالى: دعم الباحثين والمبتكرين لتعزيز مكانة البحث العلمي فى مصر    إصابة شخص إثر انقلاب ربع نقل بقنا    بعد قليل، محاكمة عصام صاصا بتهمة التشاجر داخل ملهى ليلي في المعادي    نجم الزمالك السابق: أحمد عبدالرؤوف مُطالب بالتعامل بواقعية في المباريات    محافظ المنيا يلتقي وزير الشباب والرياضة بديوان المحافظة    المبادرات الرئاسية تعيد كتابة التاريخ الصحي لمصر    للنساء بعد انقطاع الطمث، تعرفي على أسرار الريجيم الناجح    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    نشرة أخبار طقس اليوم السبت 20 ديسمبر| الأرصاد تحذر من أجواء شديدة البرودة    ذكرى ميلاده ال95.. صلاح جاهين يصرخ عام 1965: الأغنية العربية في خطر!    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    الولايات المتحدة تعلن فرض عقوبات جديدة على فنزويلا    القبض على إبراهيم سعيد لاعب كرة القدم السابق وطليقته داليا بدر بالقاهرة الجديدة    نائب وزير الخارجية يلتقي الممثل الخاص لسكرتير الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة هجليج بين دولتي السودان‏:‏
حرب الموارد وإعادة إنتاج الصراع
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 04 - 2012

أثارت معركة احتلال منطقة هجليج ثم استرداها مرة اخري في غضون عشرة ايام غبارا كثيفا لم تنجل كل آثاره بعد‏,‏ إذ مثلت هذه المعركة اعلي نقطة حتي الآن علي منحني الصراع بين الدولتين‏(‏ السودان وجنوب السودان‏)‏الذي يدور بصور عديدة مباشرة وغير مباشرة منذ اليوم الاول لانفصال جنوب السودان. حين أعلن الرئيس الجنوبي سلفا كير في خطاب الاحتفال بإعلان الدولة الجديدة أن دولته لن تنسي ابناء جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور وانها تتعاطف مع قضاياهم ونضالاتهم.
كان هذا الإعلان من سلفا كير( بحضور عمر البشير) إيذانا بأن دولة جنوب السودان سوف توفر الملجأ والاسناد للفصائل المتمردة في هذه المناطق ضد الحكم القائم في الخرطوم. غير أن هذا السلوك في الوقت نفسه كان يعني ان هناك استمرارية توجهات الحركة الشعبية كحركة تمرد ضد النظم الحاكمة في الخرطوم, في الوقت الذي كان يتوجب فيه علي القادة الجدد لدولة الجنوب إدراك أن هذه الدولة الجديدة التي أصبحت عضوا في الامم المتحدة عليها أن تحترم المواثيق والأعراف الدولية, وان تضع في قمة أولوياتها بناء مؤسسات الدولة الجديدة وتلبية طموحات مواطنيها في الأمن والاستقرار والتنمية بدلا من التدخل في شئون الغير.
بدايات الازمة
تعود الارهاصات الاولي لحالة الصراع بين الخرطوم وجوبا الي التمرد الذي أعلنه عبدالعزيز الحلو في منطقة جنوب كردفان احتجاجا علي خسارته للانتخابات التي اجريت في مايو2011 علي منصب الوالي في ولاية جنوب كردفان, علي الرغم من أن هذه الانتخابات كانت تحت رقابة دولية شهدت بسلامة العملية الانتخابية وصحة نتائجها, وكان علي رأس هؤلاء المراقبين مركز كارتر. ومن المعروف ان قوات الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تتمركزان في جنوب كردفان والنيل الازرق, هما جزء لا يتجزأ( تسليحا وتدريبا واعاشة) من الجيش الشعبي لدولة جنوب السودان, وإن كانتا تتكونان في غالبيتهما من ابناء جبال النوبة والنيل الازرق الذين ينتمون جغرافيا الي شمال السودان, وقد تطور القتال في هاتين المنطقتين حتي أصبح حربا بالوكالة بين دولتي الشمال والجنوب, ثم مضت هذه الحرب خطوات أوسع بعد ان تم انشاء معسكرات داخل حدود الجنوب لما يعرف باسم تحالف الجبهة الثورية الذي يتكون من ثلاثة فصائل من دارفور تتبع للعدل والمساواة وعبدالواحد نور ومني اركو مناوي, بالاضافة الي الحركة الشعبية في قطاع الشمال.
ولكن هذه الحرب بالوكالة من جانب جنوب السودان يبدو أنها كانت تأتي في سياق استراتيجية تهدف إلي تحقيق هدفين أساسيين: الأول هو قناعة بعض قادة الجنوب ولاسيما المجموعة التي تعرف باسم أولاد قرنق بان دولة الجنوب لن يكون في مقدورها الاستقرار والاستمرار إلا إذا تم اسقاط النظام الحاكم في الخرطوم, الأمر الذي يحمل في طياته أيضا تفكيك دولة الشمال وإعادة تجزئتها. أما الهدف الثاني فهو وإن كان يمثل هدفا إستراتيجيا في حد ذاته, إلا أنه يتساوق أيضا مع الهدف الاول, ويصب في مصلحة تحقيقه, ويتمثل أساسا في حرمان شمال السودان من استغلال وإنتاج المزيد من النفط من مربع(6) في جنوب كردفان الذي يمكنه في غضون سنوات قليلة أن يعوض السودان الكميات التي فقدها بعد انفصال الجنوب, إذا توفرت الاستثمارات وتحقق الأمن والاستقرار, بالاضافة الي كل من مربع(17) وحقل شارف المجاورين اللذين لم يطورا حتي الآن, ويقعان في إطار المناطق التي يمكنها أن تتأثر بسرعة بالحرب والاضطراب الأمني.
ويري بعض المراقبين ان تمرد الحلو وعقار لم يكن في الحقيقة بسبب نتائج الانتخابات, ولكن لحرمان السودان من هذه العوائد, بما يعني السعي الي تعظيم الازمة الاقتصادية للشمال مع ما يحمله ذلك من فرص حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية قد تطيح بالنظام اذا ترافقت مع ضغوط عسكرية علي جبهات عدة في وقت واحد. وفي الوقت نفسه فإنه لا يخفي أن أثر هذا العامل النفطي الذي اذا ترك لكي ينمو ويتطور فلا بد ان ينتج اثره علي التوزانات بين البلدين, لاسيما اذا عرفنا أن بترول جنوب السودان( كما تشير بعض التقارير) من النوع الناضب في خلال سنوات قليلة تقدرها بعض الدراسات بنحو عقدين من الزمان.
إيقاف نفط الجنوب
من المعروف أن جنوب السودان بعد تحوله إلي دولة مستقلة, أصبح يمتلك75% من إجمالي الانتاج النفطي السوداني الذي كان قد بلغ نحو470 ألف برميل يوميا. وقد ظلت قضايا النفط وكيفية احتساب رسوم العبور من بين القضايا العالقة بين الشمال والجنوب, حيث لم يتم التوصل إلي اتفاق بشانها بسبب الفجوة الواسعة بين مواقف الطرفين. وكان السودان قد أعلن في أكتوبر2011 مطالبته باحتساب رسم عبور النفط شهريا علي الصادرات النفطية لجنوب السودان بما يعادل36 دولارا للبرميل الواحد, في الوقت الذي أبدي فيه الجنوب عدم استعداده لدفع أكثر من0.7 دولار. وفي تطور مفاجئ أعلنت دولة جنوب السودان في20 يناير الماضي إيقاف إنتاج نفطها, الذي يتم تصديره عبر السودان. وكانت الأزمة قد تفجرت بعد أن قرر االسودان في ديسمبر2011 أخذ مستحقاته عينيا الي أن تتم تسوية نهائية بين الطرفين, باعتبار أن جوبا لم تكن تحت ضغط للتوصل الي إتفاق, بعد مرور أكثر من خمسة أشهر علي انفصال الجنوب والسماح بمرور نفطه بدون دفع الرسوم.
وقد جاءت تصرفات الخرطوم بالاستيلاء علي كميات من نفط الجنوب تحت مسمي استيفاء جزء من رسوم العبور لحين الوصول الي اتفاق بين الطرفين, لكي تمنح دولة جنوب السودان ذريعة قوية لاتخاذ قرار إغلاق الحقول الذي بدا لكثير من المراقبين أنه نوع من الانتحار, بالنظر الي ان الجنوب يعتمد علي مداخيله من النفط بنسبة98%, غير أنه من الواضح أيضا أنه كان يهدف بالاساس الي حرمان الخرطوم من عائدات رسوم العبور التي تقدر بثلث الميزانية والتي كان قد سبق للحكومة السودانية اعتمادها, وبذلك يكون القرار الجنوبي ذا طابع سياسي بالأساس كجزء من عملية الصراع بين الطرفين.
وقد بدا لبعض الوقت أن الأزمة كما لو كانت تعبيرا عن لعبة عض الاصابع, حيث يكون المهزوم هو من يصرخ أولا. إلا أنه كانت هناك أيضا العديد من القيود التي تحد من قدرة كلا الطرفين علي التمادي في هذه المناورة الخطرة اللعبة, خاصة بعد فشل ثلاث جولات من التفاوض في اديس ابابا تحت اشراف الاتحاد الافريقي, فالجنوب مطالب في هذه الحالة بالسعي لضمان مصادر تمويل تعوضه عن نحو650 مليون دولار شهريا تمثل عوائده من النفط, وذلك لعدة سنوات حتي يتم انجاز خط ناقل جديد عبر كينيا او جيبوتي, وهي مسألة تكتنفها صعوبات هائلة فنية وتمويلية وسوف تستغرق سنوات, وفي المقابل فإن الخرطوم التي تواجه ضائقة اقتصادية غير راغبة في زيادة متاعبها بالنظر للشح المستمر في مواردها بالعملة الصعبة وارتفاع نسبة التضخم, كما أن محاولة إيجاد سبل تمويل جديدة لهذا العجز المستجد في الميزانية عبر الاقتراض من مصادر خارجية, لا يعد أمرا سهلا وتواجهه مصاعب عديدة.
إذن لم تكن هناك خيارات واسعة للحركة امام الطرفين; فإما ان يصلا الي حل, او أن ينزلقا الي الحرب في ظل إستمرار التصعيد.
وهذا هو ما حدث مع اجتياح الجنوب لمنطقة هجليج التي تنتج نحو60% من نفط السودان في الوقت الحالي والذي يبلغ نحو115 الف برميل يوميا توجه للاستهلاك الداخلي, وتحتوي ايضا علي محطات التجميع واعادة الضخ نحو ميناء بورتسودان, الأمر الذي يفسر تدمير القوات الجنوبية لمعظم منشآت هجليج والتي سوف يحتاج اصلاحها لشهور عديدة, فقد كان الهدف واضحا وهو حرمان السودان مما تبقي له من نفط, لكي يتساوي بوضعية الجنوب, الذي بدأ يدرك انه وضع نفسه في مأزق اقتصادي هائل بإغلاق حقوله النفطية, وأراد ان يصدر الازمة نفسها الي الشمال مفضلا خيار الهروب الي الامام بديلا عن خيار التفاوض والوصول الي تفاهمات وحلول وسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.