علي أبواب حرب شاملة تحول اتفاق الجوار الهش بين شمال السودان و جنوبه إلي أزمة عسكرية موسعة فيما اعتبره العديد من المراقبين أنه بداية لحرب شاملة بين الجارين الحديثين بسبب الصراع علي النفط. وكان قتال عنيف قد نشب بين جيش جنوب السودان والقوات السودانية في منطقة هجليج الغنية بالنفط. وأعلنت دولة جنوب السودان ان قواتها تمكنت من استرداد منطقة هجليج الحدودية التي يتنازع الطرفان عليها. ورداً علي ذلك الهجوم، قال الرئيس السوداني عمر حسن البشير "إخواننا في جنوب السودان اختاروا طريق الحرب تنفيذاً لأجندات خارجية لجهات كانت تدعمهم أثناء الحرب الأهلية". استهجان دولي وقوبل استيلاء جنوب السودان علي منطقة هجليج بالإدانة الدولية، وطالب الاتحاد الافريقي جنوب السودان بالانسحاب من المنطقة دون قيد أو شرط كما دعا البلدين في بيان إلي حل القضايا العالقة بينهما "بطريقة سلمية بما يتوافق مع المبادئ الأساسية لتأسيس دولتين قابلتين للحياة". ومن جانبه، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عقد قمة عاجلة بين البلدين لحل الأزمة. كما أدانت الولاياتالمتحدة سيطرة جنوب السودان علي هجليج ووصفته بأنه "تصرف يتعدي الدفاع عن النفس ويزيد التوتر بين السودان وجنوب السودان إلي مستويات خطيرة". ونددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، باحتلال جنوب السودان للمنطقة ووصفته بأنه غير مقبول. وقال مفوض مجلس السلام والأمن في الاتحاد الإفريقي، رامتان لامامرا، إن المجلس يطالب بانسحاب فوري غير مشروط لقوات جنوب السودان من المنطقة. وقال إن "المجلس مستاء من احتلال القوات المسلحة لجنوب السودان غير القانوني وغير المقبول لهجليج، الواقعة الي الشمال من خط الحدود الذي اتفق عليه في الأول من يناير 1956". وطالب مجلس الأمن الدولي جنوب السودان بالإنهاء الكامل والفوري وغير المشروط لكل اشكال القتال وانسحاب جيش جنوب السودان من هجليج، كما طالب الجيش السوداني بإنهاء القصف الجوي، ووقف أعمال العنف المتكررة عبر الحدود بين السودان وجنوب السودان. وأكدت مندوبة جنوب السودان لدي الأممالمتحدة، أنياس أوسواها، أن بلادها "مستعدة لسحب قواتها من هجليج أو سواها شرط وضع آلية لضمان ألا تكون المنطقة بمثابة نقطة لشن هجمات تستهدف جنوب السودان. وطالبت بضرورة نشر قوة دولية محايدة في هجليج إلي حين التوصل إلي تسوية. أجواء حرب جديدة يذكر أن القتال حول هجليج قد بدأ بعد أيام من تعثر المفاوضات بين الخرطوموجوبا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وبهذا القتال الدائر في منطقة هجليج، تعود أجواء الحرب لتخيم علي السودان الذي شهد حرباً أهلية بين الشمال والجنوب استمرت أكثر من عقدين إلي أن تم توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005 الذي أنهي الحرب الأهلية ومنح الجنوبيين حق تقرير المصير، مما أدي إلي تكوين دولتهم الجديدة في يوليو عام 2011 . غير أن بروز دولة جنوب السودان المستقلة لم ينه الخلاف الدائر بين الشمال و الجنوب حول العديد من الملفات والتي من أبرزها ترسيم المناطق الحدودية المختلف عليها حيث يتقاسم البلدان حدود تمتد لمسافة 1800 كيلومتر، ومن بينها أيضاً رسوم عبور النفط من الجنوب إلي الشمال، وتورزيع حصص النفط والديون بالإضافة إلي قضية الجنسية. كما يتبادل الجانبان الاتهامات فيما بينهما بشأن دعم حركات التمرد علي حدودهما منذ إعلان الانفصال. وبعد انفصال جنوب السودان، حصل علي ثلاثة أرباع إنتاج السودان من النفط عندما انفصل، لكنه أوقف إنتاجه الكامل البالغ 350 ألف برميل يومياً في يناير الماضي بعد عدم الاتفاق علي حجم الأموال التي يجب أن يدفعها مقابل تصدير نفطه عبر السودان. حرب الاتهامات ويتبدل شمال السودان و جنوبه الاتهامات حول التسبب في القتال، واتهم برنابا ماريال بنيامين، وزير الإعلام في جنوب السودان، القوات السودانية المدعومة بالميليشيات بالتقدم نحو مواقع للبترول في ولاية الوحدة، و بشن غارات جوية علي جنوب السودان مما تسبب في إصابة عدد من المدنين. وجاءت تصريحات من جنوب السودان تفيد بأن قواتها لم تتقدم سوي للمناطق التابعة لها. في المقابل، اتهم ربيع عبد العاطي، مستشار وزير الإعلام السوداني والقيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الجيش الشعبي التابع لحكومة دولة جنوب السودان بالغدر والخيانة، و قال إن الجنوب "قد أعلن الحرب بالفعل مع الشمال ، وبالتأكيد هذه حرب وتسير باتجاه مواجهة شاملة بين شمال السودان ودولة الجنوب". ونفي عبد العاطي أن تكون منطقة هجليج تابعة لجنوب السودان و ذلك بموجب الحدود التي وضعتها محكمة التحكيم الدولية الدائمة في لاهاي بالنسبة لعدة مناطق. ويشهد شمال السودان غضباً جماً من سيطرة الجنوب علي حقل النفط في هجليج الذي يساهم بمقدار كبير في ميزانية الدولة و ينتج نحو نصف إنتاجه النفطي البالغ 115 ألف برميل يومياً. وتعهدت الخرطوم باستخدام كل الوسائل الشرعية لاستعادته. وأكد إبراهيم غندور العضو القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان أن إقدام جنوب السودان علي السيطرة علي هجليج يعني إسقاط خيار التفاوض. وقال "لا يمكن أن نتحدث عن السلام بينما هنالك عدوان". جنوب السودان يصعد غير أن المتحدث باسم جيش جنوب السودان، العقيد فيليب أغوير، قال إن قواته في حالة دفاع عن النفس، و أكد أن "هجليج جزء من جنوب السودان، الخرطوم كانت تحتل هجليج بقوة السلاح". وقام متظاهرون في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان بحرق العلم السوداني أمام مقر برلمان جنوب السودان، ورددوا شعارات تنديد بالأمين العام للأمم المتحدة، وطالبوا بانسحاب جنوب السودان من الاتحاد الأفريقي احتجاجاً علي المطالب الدولية والإقليمية بانسحاب قوات الجيش الجنوبي من منطقة هجليج. واعتبر المتظاهرون أن الاستيلاء علي هجليج هو رد الجنوب علي التعدي علي سفارة بلادهم في الخرطوم. وقال يوهانس قبريال أحد المنظمين للمظاهرة إن "الشباب مستعدون للانخراط في الصفوف الأمامية في الحرب"، و دعا إلي ضرورة العمل من أجل استرجاع منطقة أبيي. في الوقت نفسه، انتقدت المعارضة في جنوب السودان سياسة الحكومة العدوانية، وقال زعيم المعارضة البرلمانية والقيادي في حزب الحركة الشعبية، أديقو أنيوتي، "إن التعبئة للحرب ليست مثل خوضها لأن تكاليفها باهظة وجنوب السودان ليس بحاجة إلي فتح جبهات حرب مع المجتمع الدولي". ودعا أنيوني إلي ضرورة اللجوء إلي خيار التفاوض مع الشمال و الحل السلمي. شمال السودان يوقف التفاوض وأَعلن مصدر رسمي أن المجلس الوطني السوداني قرر الأربعاء الماضي وقف التفاوض مع جنوب السودان وسحب وفد الخرطوم المفاوض فورًا من أديس بابا. كما أعلن البرلمان السوداني "إعلان التعبئة العامة لمجابهة الوضع الأمني الراهن". وفي المقابل، أكد رئيس برلمان جنوب السودان، جيمس واني ايقا، أن علي شعب جنوب السودان الاستعداد من أجل الدفاع عن نفسه إذا ما سعي السودان إلي الحرب، ودعا النواب إلي تعبئة السكان قائلاً إن "الخرطوم يمكن أن تسعي إلي حرب حقيقية، وإذا لم تدافعوا عن أنفسكم، سيتمّ القضاء عليكم، لذلك يتعين عليكم تعبئة الشعب ميدانياً ليكون علي أهبة الاستعداد". وتقدم السودان بشكوي إلي الأممالمتحدة بشأن استيلاء جنوب السودان علي منطقة هجليج المعترف بها دولياً أنها تابعة للشمال، ودعا البرلمان السوداني إلي التعبئة في صفوف المواطنين. ويشهد شمال السودان أزمات علي جميع الجبهات فبالإضافة للقتال الدائر في هجليج، تتصاعد وتيرة الحرب الأهلية الدائرة في إقليم دارفور الواقع غربي البلاد. وقالت مجلة الإيكونومسيت البريطانية إنه علي الرغم من توقعات الجنرال مارت أقواي، قائد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي في إقليم دارفور، بانتهاء الصراع إلا أن الثالث من الشهر الجاري شهد تجدد القتال في مناطق قريبة من مدينة سورتوني في شمال دارفور بعد تعرضها لقصف جوي وهجوم من قبل جماعات مسلحة موالية للحكومة السودانية مما أدي إلي نزوح الآلاف من المدنيين. وكانت الأممالمتحدة قد أشارت في تقرير لم ينشر بعد علي حد قول مجلة الإيكونوميست إلي أن قوات الأمن السودانية بجماعات مسلحة غير عربية لشن هجمات علي دارفور، و اتهمتها بارتكاب أعمال تطهير عرقي لقبيلة زغاوة. دور المتمردين وتتوقع مجلة الإيكونوميست البريطانية أن تكون حركات التمرد في إقليم دافور قد شكلت تحالفاً مع قوات جيش جنوب السودان التي تعرف باسم الجبهة الثورية السودانية. وأفاد تقرير منفصل نشرته إحدي المؤسسات البحثية في مقرها بالعاصمة السويسرية جنيف بأن المجموعتين قد تبنتا هجمات وقعت بالقرب من مدينتي جاوا و'طروجي في فبراير الماضي وإغراق إحدي الطائرات بدون طيار إيرانية الصنع في إقليم كردفان الجنوبي في 31 من مارس الماضي. ونفي متمردون سودانيون مساندتهم لجيش جنوب السودان في الهجوم علي منطقة هجليج، وقال المتحدث باسم متمردي الحركة الشعبية شمال السودان، أرنو أنتوقلو لودي، "ليس لدينا دخل بهذا نهائياً". وكانت الخرطوم قد اتهمت قوات التمرد علي ثلاث مناطق في جنوب كردفان الذين ينتمون لقومية النوبة الأفريقية بالهجوم علي الحكومة السودانية منذ يونيو الماضي. كما اتهم السودان متمردو حركة العدل والمساواة في دارفور بالقتال إلي جانب قوات جنوب السودان علي الحدود بين البلدين. وقال المتحدث باسم حركة العدل والمساواة، جبريل آدم بلال، "لسنا طرفاً في هذا النزاع رغم أن قواتنا لديها وجود في جنوب كردفان".