لم تكد تمر ساعات على اتهام الرئيس السوداني عمر البشير نظيره الجنوبي سيلفاكير ميارديت بأنه اختار "طريق الحرب"، إلا وأكد كثيرون أن المؤامرة الجديدة التي تنفذها جوبا ضد الشمال بدعم من إسرائيل وأمريكا لن تكلل بالنجاح، خاصة بعد مساندة الاتحاد الإفريقي للخرطوم في وجه عدوان الجنوب. ففي بيان أصدره في 11 إبريل، شجب الاتحاد الإفريقي احتلال جنوب السودان منطقة هجليج النفطية السودانية الحدودية ووصفه بأنه "غير قانوني". وقال مفوض مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي رامتان لامامرا إن المجلس يطالب بانسحاب فوري غير مشروط لقوات جنوب السودان من هجليج. وأضاف للصحفيين في أعقاب اجتماع طاريء لمجلس السلم والأمن "المجلس مستاء من احتلال قوات جنوب السودان غير القانوني وغير المقبول لمنطقة هجليج الواقعة إلى الشمال من خط الحدود الذي اتفق عليه في الأول من يناير عام 1956". ويبدو أن الموقف الإفريقي السابق جاء في توقيت مناسب لدعم الخرطوم في مواجهة الابتزاز الذي مارسته جوبا للانسحاب من هجليج، والذي كان من شأنه أن يطيل أمد احتلال تلك المنطقة الحدودية الاستراتيجية التي تقع في جنوب ولاية كردفان السودانية وتوفر نصف إنتاج الشمال من النفط الخام. ففي تصريحات أدلى بها في مطار الخرطوم في 12 إبريل في ختام زيارة رئيس النيجر يوسوفو محمدو للسودان، رفض البشير شروط جوبا لإنهاء احتلالها لمنطقة هجليج وخاصة ما يتعلق منها بانسحاب القوات السودانية من منطقة أبيي المتنازع عليها. واتهم البشير جنوب السودان بأنه اختار طريق الحرب تنفيذا لأجندات خارجية، مؤكدا أن بلاده قادرة على دحر أي عدوان عليها. وفي السياق ذاته، قال سفير السودان بالأممالمتحدة دفع الله الحاج علي عثمان إن على جنوب السودان الاستجابة للبيان الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 11 إبريل والذي طالب بالإنهاء الكامل والفوري وغير المشروط لكافة أشكال القتال وانسحاب جيش جنوب السودان من هجليج ووقف أعمال العنف المتكررة عبر الحدود بين السودان وجنوب السودان وإنهاء دعم كل جانب للحرب بالوكالة في أراضي الدولة الأخرى. وأضاف عثمان للصحفيين في نيويورك " إذا لم يفعلوا ذلك، فإن السودان يحتفظ بحق الدفاع عن النفس وسيطرد قوات الجنوب بل سيضرب الجنوب في العمق". ولم تكد تمر ساعات على تصريحات البشير وعثمان السابقة، إلا وأعلن المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد أن الجيش يتقدم نحو منطقة هجليج النفطية السودانية التي احتلتها قوات جنوب السودان في 10 إبريل. وأضاف سعد للصحفيين في الخرطوم في 13 إبريل أن القوات المسلحة السودانية أصبحت على مشارف هجليج وأنها تتقدم صوب المنطقة، مشيرا إلى أن الوضع في هجليج سيحل في غضون ساعات. ويبدو أن جوبا تأكدت أن السودان عازم على استعادة هجليج مهما كان الثمن ولذا تراجعت عن تهديداتها السابقة بالسعي لاحتلال منطقة أبيي أيضا وأعلنت أنها قد تسحب قواتها من هجليج إذا تم نشر قوات محايدة من الأممالمتحدة في تلك المنطقة وغيرها من المناطق الحدودية المتنازع عليها. ويبدو أن تحرك الدول العربية والإسلامية لدعم الخرطوم من شأنه أن يردع جوبا أيضا عن مواصلة تنفيذ المؤامرة الإسرائيلية الأمريكيةالجديدة الهادفة لتمزيق الشمال وتقسيم ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب في يوليو من العام الماضي. ففي تقرير لها في 14 إبريل، اتهمت صحيفة "القدس العربي" اللندنية العرب بأنهم خذلوا السودان سنوات طويلة وحان الوقت لتصحيح هذا الخطأ والوقوف إلى جانب حكومته في وجه مؤامرات التفتيت التي تستهدفه. وأضافت" الخرطوم قدمت تضحيات كبيرة مادية وبشرية من أجل الحفاظ على وحدة السودان، وعندما وجدت أن المؤامرة الخارجية الداعمة للانفصال أكبر من أن تواجهها، قررت الجنوح للسلم والقبول بانفصال الجنوب وتقديم كل الضمانات للتعايش مع الدولة الجديدة حقنا للدماء، وتقليصا للخسائر وطي صفحة الحروب". وتابعت الصحيفة" هذا التنازل الكبير الذي قدمته الخرطوم لم يلق التقدير من قبل الدولة الجديدة ولا حكامها، الذين أصروا على التمادي في العداء والكراهية للجار الشمالي المسلم الذي كان بالأمس فقط الأخ الشقيق، فبعد أقل من عام على الانفصال، ها هي قوات الدولة الوليدة تحتل منطقة هجليج التي تحتوي على نصف إنتاج الشمال من النفط، وكانت تحت سيطرة القوات الشمالية". واستطردت" هذا العدوان السافر الذي يعكس نكرانا للجميل، ورغبة في نسف كل أواصر الأخوة والتعايش أصاب حكومة الخرطوم في مقتل، وأثار غضبها، ودفعها إلى التحرك بقوة لاستعادة هيبتها وكرامتها قبل استعادة هجليج وآبارها النفطية، وهذا حق مشروع وتصرف مبرر تدعمه الشرعيتان الأخلاقية قبل الدولية". وأضافت" دولة جنوب السودان تصرفت بعنجهية وغطرسة استجابة لتحريض أطراف معادية للعرب والمسلمين، على رأسها إسرائيل التي كانت أول دولة يزورها الرئيس الجنوبي سيلفا كير بعد الانفصال موجها بذلك صفعة مؤلمة للأنظمة العربية التي ساندت تمرده خلال السنوات الأربعين الماضية، وعلى رأسها نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ونظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي". واختتمت الصحيفة قائلة:" السودان الشقيق يستحق دعم جميع الدول العربية في حربه المشروعة لاستعادة إقليم هجليج الذي يعتبر جزءا أصيلا من ترابه الوطني". والخلاصة أن هناك مؤامرة ثلاثية لإشعال الأوضاع في السودان وتفتيت ما تبقى من الوطن الأم بعد انفصال الجنوب، ولذا لا بديل عن تحرك عربي وإسلامي على وجه السرعة لإجبار جوبا على احترام سيادة الشمال والعودة للمفاوضات لحل القضايا الخلافية بين البلدين.