في تحول سياسي لافت أنهى حقبة دامت أكثر من عقدين من هيمنة اليسار في بوليفيا، فاز رودريغو باز في الانتخابات الرئاسية لعام 2025 بنسبة 54.6% من الأصوات، متقدمًا على مرشح حزب الحركة نحو الاشتراكية (MAS) الذي تراجع أداؤه وسط أزمة اقتصادية خانقة. ويمثل فوز باز – مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي (PDC) – بداية مرحلة جديدة لبوليفيا، تقوم على مقاربة وسطية تسعى للتوفيق بين العدالة الاجتماعية والانفتاح الاقتصادي. من هو رودريغو باز؟ وُلد رودريغو باز عام 1971 في مدينة لاباز لعائلة مهتمة بالسياسة والاقتصاد. درس العلوم الاقتصادية والعلاقات الدولية في جامعة سان أندريس، قبل أن ينتقل إلى جامعة هارفارد لمتابعة دراسات عليا في الإدارة العامة. عمل في القطاع المصرفي وشغل مناصب استشارية في البنك الدولي، قبل أن يؤسس شركة استثمارية تُعنى بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. بدأ مسيرته السياسية في مطلع الألفية ضمن الحزب الديمقراطي المسيحي، واشتهر بخطابه الداعي إلى "تحرير الاقتصاد دون التفريط في العدالة الاجتماعية".
الحملة الانتخابية: "رأسمالية للجميع" خاض رودريغو باز حملته تحت شعار "رأسمالية للجميع"، وهو برنامج يهدف إلى تحقيق توازن بين تشجيع الاستثمار والحد من الفقر. أبرز ملامح برنامجه: إصلاح هيكل الاقتصاد عبر تحفيز القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على صادرات الغاز والمعادن. جذب الاستثمارات الأجنبية مع ضمان حماية العمال والبيئة. توسيع قاعدة الطبقة المتوسطة عبر برامج تمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. مراجعة دعم الوقود بشكل تدريجي لتخفيف العبء عن الموازنة دون الإضرار بالطبقات الفقيرة. تحسين الشفافية الحكومية ومكافحة الفساد عبر رقمنة المؤسسات العامة. الانتخابات والتحول السياسي تأتي نتائج انتخابات 2025 بعد سنوات من التراجع الاقتصادي واحتجاجات واسعة ضد سياسات الحكومات اليسارية المتعاقبة. وتمكن باز من توحيد القوى الوسطية واليمينية المعتدلة تحت مظلة الحزب الديمقراطي المسيحي، مستفيدًا من تآكل شعبية حزب الحركة نحو الاشتراكية. وقد حظي بدعم من قطاعات الشباب والطبقة المتوسطة في المدن الكبرى، بينما حصل على تأييد محدود في المناطق الريفية التي ظلت تقليديًا معقلًا لليسار. التحديات أمام الرئيس الجديد مع توليه المنصب رسميًا في 8 نوفمبر 2025، يواجه رودريغو باز جملة من التحديات المعقدة: 1. أزمة الوقود والطاقة التي سببت اضطرابات اقتصادية خلال العامين الماضيين. 2. عجز الموازنة وارتفاع الدين العام نتيجة السياسات التوسعية السابقة. 3. انقسام اجتماعي وسياسي بين مؤيدي اليسار التقليدي ودعاة الانفتاح الاقتصادي. 4. تراجع الاستثمارات الأجنبية بسبب عدم استقرار السياسات الاقتصادية في السنوات الأخيرة.
ورغم صعوبة المهمة، فإن باز يحظى بدعم داخلي ودولي نسبي، خاصة من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية التي ترى في فوزه فرصة لاستقرار بوليفيا واستعادة نموها الاقتصادي. في النهاية يشكل انتخاب رودريغو باز لحظة مفصلية في تاريخ بوليفيا الحديث. فهو يمثل جيلًا جديدًا من السياسيين الذين يسعون إلى تجاوز الانقسامات الأيديولوجية القديمة، وإعادة تعريف مفهوم التنمية في بلد غني بالموارد لكنه يعاني من الفقر والبطالة. ويبقى التحدي الأكبر أمامه هو ترجمة وعوده الاقتصادية إلى واقع ملموس يعيد ثقة الشعب في الدولة، ويضع بوليفيا على طريق الاستقرار والازدهار.