في حياة كل منا وقائع صغيرة, ولكنها ذات مغزي, فلا ينساها أبدا. من بين تلك الوقائع ما حدث لي في مقتبل حياتي وأنا في العشرين من عمري, وكنت أستقل أوتوبيس رقم124 الذي يتذكره سكان شبرا القدامي في الطريق إلي جامعة القاهرة. كان ذلك في أوائل عام.1967 كنت محشورا في وسط الأوتوبيس في زحامه الخانق عندما صرخت سيدة كانت بالقرب مني قائلة حرامي.. حرامي, اتنشلت! كان الأوتوبيس يقترب من إحدي المحطات, وانسل رجل من الواقفين بجانبها يسلك نفسه في الزحام بعجلة شديدة حتي لا تفوته المحطة, وعندما قفز من السيارة كان واضحا أنه هو النشال! وما إن لمست قدماه الأرض حتي صاح بكل قوة حرامي.. حرامي وأخذ يجري وقد رفع يده اليمني مشيرا بأصبعه للأمام, وحدقت مذهولا وأنا أشاهد عديدا من المارة, وقد انضموا إليه متعاطفين معه تدفعهم الشهامة لأن يجروا معه للحاق بالحرامي الذي يشير إليه.. والذي لم يصلوا إليه أبدا! أما السيدة بجانبي التي فقدت محفظتها فقد أخذت تبكي حظها العاثر وتتقبل مواساة الركاب. تذكرت هذه الواقعة وأنا أشاهد اليوم من يصيحون حرامي.. حرامي, ولا نعرف بالضبط من السارق, ومن المسروق, وما الذي تمت سرقته بالضبط سواء أكان ثروة أم ثورة؟ المزيد من أعمدة د.أسامة الغزالى حرب