هزتنى بعنف كلمات الرثاء والعزاء الصادقة والنبيلة التى كتبها الزميل الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد عن الراحل العظيم الدكتور سامى منصور الذى كان وبحق بوصلة الضمير الوطنى والأخلاقى لجيل الستينات فى الصحافة المصرية بوجه عام وفى الأهرام العريقة بوجه خاص وقد كان لى شرف العمل مع هذا الجيل الجميل فى ذلك الزمن الجميل. كانت كل المؤهلات والإشارات والدلالات ترشح سامى منصور أن يكون هو النجم البازغ والفارس المنتظر لموقع مهنى رفيع ولكنه ترفع عن السعى أو الطموح معتقدا أن ذلك ربما يشكل قيدا على استقلالية توجهاته السياسية والفكرية مفضلا أن يعيش دور الراهب والحكيم فى زمن المناصب والمكاسب التى تتطلب قدرات خاصة على التحول والتلون ومجاراة الأمر الواقع! وقد ظل مكتبه فى الأهرام حتى سنوات قليلة مضت قبل أن ينقطع نهائيا عن الحضور للمؤسسة ملتقى للكثيرين من محبيه والعارفين بفضله - وبينهم كاتب هذه السطور - الذى شعر من أول لقاء معه عام 1965 فى مبنى الأهرام القديم بوسط البلد أنه كمن يعرفه منذ سنوات بعيدة رغم فارق السن ورغم فارق الخبرة المهنية والمكانة التحريرية عندما كانت المقامات محفوظة والاحترام للكبار عنوان التعامل فى سائر جنبات الأهرام. وصحيح أن البعد عن الأضواء وتجنب المزاحمة على المناصب كان اختياره بمحض إرادته لكن ذلك جاء خصما من رصيد الصحافة النزيهة والمتعمقة التى كان الوطن - ومازال - فى أشد الاحتياج لها.. ولعل فى درس سامى منصور ما ينبغى أن يكون دليلا للمرحلة المقبلة من أجل تكثيف الجهد فى البحث عن الكفاءات والمواهب ودفعها إلى الصفوف الأولى بدلا من الاقتصار على من يجيدون التزاحم ويتقنون لعبة التلميع لتقديم أنفسهم. إن قصة حياة الراحل العظيم سامى منصور تحتاج إلى دراسة فى فن الزهد عن مباهج الحياة كلها وليس فقط عن مغريات المناصب السياسية والصحفية خصوصا وأنه كان زاهدا ليس بمعنى الاعتزال وإنما زاهدا بمعنى الاكتفاء والرضا عن النفس وتلك عملة نادرة فى هذا الزمان... رحمك الله أخا فاضلا وزميلا كريما وصديقا يغنيك عن ألف صديق! خير الكلام : رب أخ لك لم تلده أمك !